الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

الثورة السورية في عامها الحادي عشر

محمد عمر كرداس

    خاص « الحرية أولاً »

    عندما سئل طاغية دمشق في بداية عام 2011 عن الوضع في سورية وهل سيحصل بها ما حصل في تونس، أجاب سورية ليست تونس ولن يحصل بها ما حصل هناك فسورية محصنة قيادة وشعباً. طبعاً استند الطاغية على معلومات أجهزة أمنه التي تغطي سورية وقوة جيشه الذي يتجهز لهذه اللحظة منذ أن استولى الطاغية الأب على الحكم فتركيبة هذا الجيش وتوزعه حول المدن يؤشر إلى المهمة التي أوكلت وستوكل إليه عند حدوث أي اضطراب.

    بعد اندلاع ثورات الربيع في تونس وليبيا ومصر، جاء دور سورية لتُكذب الطاغية الذي امتهن الكذب  ولتهُب هبة واحدة ابتداءً من درعا لتشمل كل المحافظات والمناطق وحتى القرى، وإذا كان الانطلاق في مظاهرات واحتجاجات كثيرة قبل درعا مطالبة بإلغاء المادة الثامنة من الدستور التي تكرس حزب البعث قائداً للدولة والمجتمع وبإلغاء حالة الطوارئ، فإن مظاهرة درعا الأولى في 18 آذار  تكللت بالدم عندما تصدى لها الأمن بالرصاص الحي ليسقط أربعة شهداء كانوا باكورة الدم السوري في هذه الثورة، سقطوا وهم يطالبون بالإفراج عن عدد من الأطفال اعتقلوا بحجة كتابة شعارات على الجدران والتي باءت كل المحاولات للإفراج عنهم بالفشل، تجاوبت المدن والقرى تضامناً مع درعا لتخرج المظاهرات السلمية في غوطة دمشق الشرقية والغربية وحمص وبعدها حماة إلى أن شملت هذه المظاهرات مناطق سورية كافة رافعة شعار يا درعا نحنا معاكي للموت، ومع تطور القمع الذي عم كل المناطق تطورت الشعارات من حرية وكرامة وعدالة ليسود شعار الشعب يريد اسقاط النظام كل المظاهرات السلمية، وتوالت التصريحات والخطابات من رأس النظام وتوابعه مطلقين على الشعب الثائر النعوت التي سبقهم إليها القذافي عندما وصف الثائرون بأنهم جرذان فهم وصفوا الشباب الثائر في سورية بالجراثيم ليكون عليهم مكافحتها..

    استمرت المظاهرات قوة وشمولاً واستمر النظام قتلاً واعتقالاً لأشهر تلت آذار عندما أفرج النظام عن المتشددين الدينيين في سجونه ليُفسح المجال لتسليح الثورة بعد أن أصبح على قناعة بأنه لن يستطيع القضاء على الثورة إذا بقيت سلمية، فهو الأقوى عندما تكون المقارعة بالسلاح؛ نجحت خطته الجهنمية فأصبح متوحشاً أكثر وبدأ بالتدمير الشامل  وبالبراميل المتفجرة ليصل إلى الأسلحة الكيماوية .

    تعسكرت الثورة وتصدر المشهد قادة فصائل عسكرية لم تكن أحسن من النظام بتعاملها مع الشعب في المناطق التي سمتها محررة وكل فصيل يرتكز إلى دولة إقليمية تمده بالمال والسلاح، وخفتَ صوت المظاهرات السلمية ليحل محله صوت السلاح ولتصبح الخسائر البشرية بعشرات الآلاف، ثم بمئات الآلاف أغلبهم من المدنيين السلمين، وكانت نسبة النساء والأطفال هي الأكبر كما أصبحت أعداد المعتقلين بمئات الآلاف والمختفين أيضاً وانتشرت الإعدامات الميدانية في سجون النظام والفصائل المتطرفة، ولتصبح سورية مسرحاً إقليمياً تتداخل فيه الجيوش الغريبة، فالنظام يستدعي مليشيا حزب الله اللبناني والكثير من المليشيات التابعة لإيران ثم تدخل إيران بحرسها اللاثوري ولتُستدعى روسيا بعد فشل الجميع بعد أن فقد النظام سيطرته على أكثر من 60 بالمئة من مساحة سورية، وليصبح المشهد في سورية الآن دولة مقسمة بين أكثر من خمس دول، نصف سكانها لاجئون ونازحون في المخيمات ونظام فاشل تحول إلى مجموعة من مليشيات لا يمكن أن يطلق عليها وصف دولة أو نظام، تتحكم في نصف السكان يعانون من البرد والجوع وحتى العطش فلا كهرباء ولا طاقة ولا حتى خبز، ورواتب لا تغطي حتى عشرة بالمئة من احتياجات أي أسرة عدا فاسديه وميليشياته الذين يتمتعون بالبذخ والإسراف على حساب شعب محطم، إضافة إلى ذلك مجتمع دولي لا يهتم إلاّ بمصالحه الضيقة ولا يهتم لمعاناة شعبنا وحتى القرارات التي أقرها لا يتابع تنفيذها إلاّ من خلال هيئات وأشخاص يتلاعبون بهذه القرارات مع معارضة بائسة نصَّبت نفسها، حالها كحال النظام لا تملك من أمرها شيئاً…

    لن ينهض الشعب السوري من كبوته إلاّ بأيدي أبناء شعبه المخلصين، ليتخلص من نظام أصبح مافيا لتهريب المخدرات، وقوى ظلامية لا تحرره بل تعيده إلى عهود الظلم والظلام؛ وللثورات جولات وجولات وهي ستنتصر طال الزمن أو قصر وسيعيش الشعب السوري حياة حرة كريمة ويبني بلده بسواعده.

التعليقات مغلقة.