معقل زهور عدي
في سكتش جميل لكل من تصري شمس الدين ( عبدو ) وفيروز ( سعدى ) يحاول عبدو الهائم بحب سعدى التقرب إليها وطلب الوصال, لكن سعدى تصده بلطف وتقول له بصراحة إن الحب لا يمكن اصطناعه وإنها لا تشعر بالميل له, وهي في انتظار الحبيب الذي سيدلها قلبها عليه .
لم يقتنع عبدو بصد سعدى, ورجع إلى رفاقه فسألوه: هل استطعت أن تستميل سعدى؟ أجاب عبدو حزينا : لا, نصحه رفاقه أن يقوم بعمل يتصف بـ” المرجلة ” يجعل القرية تتحدث عنه, عندها تعرف سعدى قيمته وينفتح قلبها له .
فكر عبدو طويلاً, ثم قام فذهب إلى عين الماء التي تشرب منها القرية فهاجم ناطور العين وحطم المزراب, وهكذا بقيت القرية بدون ماء, وضج الناس بالخبر, ولم يخفِ عبدو ما فعله بل أعلنه بصراحة, لعل سعدى يلين قلبها بعد أن تعرف ماذا فعل .
لكن سعدى ومعها جميع أهل القرية ابتعدوا عن عبدو وعزلوه, وقبحوا فعلته .
وكان آخر ما قالوا له بما معناه: أن المزراب سينصلح مع الزمن لكن الذنب الذي اقترفته بحق قريتك سيظل يجرح قلبك .
ونأتي إلى بوتين, فبعد استلامه السلطة من يلتسن اجتمع مع الرئيس الأمريكي كلينتون وعرض عليه أن تنضم روسيا لحلف الناتو, فروسيا لم تعد شيوعية, ولم تعد عدوة الغرب بل تريد أن تصبح جزءاً منه .
قابل كلينتون عرض بوتين بالاستخفاف والصد, ولاحقاً بدأ حلف الناتو يستميل الدول التي كانت ضمن المعسكر الاشتراكي والاتحاد السوفييتي واحدة بعد الأخرى, ويضمها للحلف, ويقيم فيها القواعد العسكرية حتى تأكد لروسيا أن الغرب لا يكتفي باستبعادها من ناديه ولكن يخطط لما هو أبعد من ذلك .
بوتين فكر كما فكر عبدو, لا بد أن يقوم بعمل يتصف بالقوة والجبروت يجبر الغرب على إعادة النظر بالموقف من روسيا, وكما توصل عبدو إلى كسر مزراب العين فقد توصل بوتين لاحتلال أوكرانيا وتدمير جيشها, وعند ذلك سينفتح قلب الغرب لروسيا .
لكن إشعال الحرب, وتدمير مقدرات الشعوب, وتشريدهم, واستعادة روح التوسع والاحتلال لا يمكن أن تفتح القلوب بل تغلقها .
ولن يكتب التاريخ عن بوتين أنه انتصر واستطاع فرض روسيا على العالم كقوة عظمى . لكنه سيكتب عنه أنه ارتكب خطيئة لا تغتفر, وستسحقُ قلبه تلك الخطيئة طول حياته .
وكما بقي ذكر عبدو مقترنا بلقب كاسر مزراب العين سيبقى ذكر بوتين .
المصدر: صفحة الكاتب على وسائل التواصل
التعليقات مغلقة.