محمد عمر كرداس
ليس هناك لاجئ في كل أصقاع الأرض سعيد بلجوئه، من اللاجئ السياسي إلى اللاجئ الاجتماعي وإلى كل أنواع اللجوء، فعادة يكون اللجوء قسريًا في حالة اللجوء السياسي وفي حالة الهروب من القمع والحروب، أما أنواع اللجوء الأخرى فغالبًا ما تكون لانسداد آفاق العيش الكريم بغرض البحث عن حياة أفضل، وهكذا كان اللجوء في أوائل القرن العشرين من المنطقة العربية وخاصة بلاد الشام إلى الأميركتين، وقد سميت هجرات كونها لم تكن قسرية، أما اللجوء الذي سنتكلم عنه هنا فهو اللجوء القسري وخاصة من سورية نتيجة الحرب الظالمة التي شنها نظام العصابة في دمشق على الشعب السوري.
لا بد أن ننوه أولًا أن سورية في العصر الحديث ومنذ بداية القرن الماضي، استقبلت على مدى نصف قرن الكثير من موجات اللجوء من يونان وأرمن وشركس نتيجة الحروب في تلك المناطق، وكانت الموجة الكبرى التي استقبلتها سورية عام 1948 عندما استولت العصابات الصهيونية على فلسطين العربية بدعم عالمي وارتكبت المذابح مع طرد السكان العرب الذين انتشروا في مختلف الأقطار وكان لسورية نصيب من هؤلاء اللاجئين الذين استقبلوا بالترحاب والتعاطف في بلدهم سورية، وكانوا يعاملون معاملة المواطن في كل مناح الحياة، ولاننسى إخوتنا العراقيين الذين أتوا بعد الغزو الأميركي لبلدهم وأيضًا اللبنانيون بعد حرب العام 2006 الذين احتضناهم في بيوتنا على الرحب والسعة.
في 18 آذار/ مارس 2011انطلقت الثورة السورية من درعا ضد نظام البغي والتسلط الذي كان يجهز نفسه جيدًا لهذا اليوم بعد أن شهد ثورات تونس ومصر وليبيا، وكيف بدأت بإزاحة الطغاة، فكان تعامله سريعًا ووحشيًا ضد الثورة السلمية التي رفعت شعارها كثورة تطالب بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية المفقودة في ظل نظام فاسد ومستبد، ومنذ اليوم الأول سقط الشهداء وبدأ القصف المدمر للمساكن والمدارس والجوامع دون تميي، ومع امتداد الثورة زاد النظام إجرامه وعنفه، وعندما فشل في وأد الثورة استنجد بالمليشيات الإيرانية المتواجدة في لبنان والعراق وغيرها ثم استنجد بروسيا المتجذرة بالإجرام ضد شعوبها وجيرانها.
هذا الاجرام أطلق موجة من النزوح واللجوء هي الأكبر في العصر الحديث، فقد شملت بين نازح إلى المناطق التي بقيت خارج سيطرة النظام ولاجئ خارج البلاد أكثر من نصف السكان.
في البداية كان اللجوء بشكل رئيسي إلى البلدان المجاورة كالأردن ولبنان وتركيا ومصر وشمال العراق، وقد كان ذلك في البداية متاحًا ولم يتطلب التأشيرات والموافقات إلى أن تعقدت الأمور بعد ذلك عندما أصبح اللجوء إلى أوربا هو المقصد، وهنا أصبح الموت غرقًا سائدًا بشكل كبير فقد ابتز المهربون وعصابات الاتجار بالبشر الكثير من هؤلاء اللاجئين وكثير منهم ابتلعتهم مياه البحر وشكلت مآسي وأحزان وقصص مؤلمة.
منذ البداية لم يكن اللاجئ السوري مرحبًا به في لبنان لكون الطبقة الحاكمة متحالفة مع النظام بشكل أو بآخر فحرم لاجئو لبنان من كثير من حقوقهم التي وفرتها لهم الأمم المتحدة، ومع أن الكثير من اللاجئن السوريين في الأردن وضعوا في مخيمات وصحاري الأردن الممتدة فكان وضعهم أفضل قليلًا من لبنان، وفي مصر عومل السوري كابن بلد له حقوق المواطن المصري ولم يكن هناك أي مخيمات وكانوا موضع ترحاب من الحكومة والشعب وتميزوا بعملهم وكانت لهم مصانع ومشاريع كانت محل تقدير المصريين جميعًا وتابع الطلاب منهم دراسته وانخرط بالحياة العامة.
في تركيا كان العدد الأكبر من اللاجئين بحجم يقدر بنصف العدد الكلي من اللاجئن وكانوا موضع ترحاب من الحكومة والحزب الحاكم ولو أن بعض أحزاب المعارضة كانت ضد سياسة الحكومة في هذا المجال، ومع أن غالبية الشباب اللاجئين إلى تركيا كانوا يعتبرونها معبرًا إلى أوروبا، إلا أن سياسة الاغلاق التي أخذ بها الاتحاد الأوربي بعد تلك الموجة، دفعت الذين بقوا في تركيا إلى التأقلم مع هذا الوضع ولو أن الكثير مازال يتطلع إلى الهجرة إلى أوربا كون تركيا تؤمن لهم فقط الحماية المؤقتة وهي أقل من مايحصل عليه اللاجئ في أوربا، وهذا لم يمنع السوريين في تركيا من الانغماس في المجتمع وتعلم اللغة التركية وتأسيس مشاريع وأعمال تغنيهم عن المساعدات، ولاشك بأنهم يلاقون الصعوبات المعروفة من بيروقراطية الدوائر الحكومية وبطء الإجراءات وصعوبات التنقل بدون موافقات معقدة، الكثير من السوريين حصلوا على الجنسية ولكن البعض يقول أنها غير خاضعة لقانون ويبدو أن التقييم الوحيد يعود لدوائر وزارة الداخلية.
الظواهر السلبية التي نراها في علاقة السورين بالأتراك تعود برأينا إلى سببين رئيسيين أولهما أن الأتراك لا يعرفون إلى الآن لماذا نحن في تركيا، لا يعرفون ماذا فعل النظام بشعبه حتى يهاجروا بتلك الكثافة فهم معتادون على رؤية العربي كسائح يمكث أيامًا معدودة أو مالك لعقار كأثرياء الخليج ولم يعرف العربي كعامل وكصاحب محل أو مصنع أو طالب من الروضة وحتى الجامعة. وطبعًا هذا التقصير يقع على عاتق السوريين بتوضيح ما حصل ولا ينفي ذلك مسؤولية الحكومة أيضًا في هذا المجال مع أن الكثير من الولايات تحاول ذلك بعد أن صنف الرئيس التركي رجب طيب اردوغان السوريين كالأنصار.
بعض استطلاعات الرأي وصمت السوريين بأنهم كسالى وأنهم قليلي النظافة وهذا التعميم برأينا فيه ظلم كثير فلم يكن السوري في أي يوم من الأيام كسولًا ولكن ماعاناه السوريين وقلة فرص العمل توحي بأن هناك كسالى ولكننا مع الأسف نرى السوري في بلد الهجرة الأوربية ينشط ويعمل ويجتهد ويتميز بنفس الوقت نراه في الشمال السوري الخارج عن سلطة النظام وتحت سلطات أمر واقع على الهامش لايهمها إلا مصالحها وامتيازاتها لاترقى إلى مايطلق عليها من تسميات وهي النسخة الأخرى من النظام وكان حظ السوري قي الداخل بين حكومتين لا فرق بينهما إلا الاسم وكان الأحرى بهذه المناطق التوجه نحو التنمية وتعظيم قوة العمل وتجعل منها مثالًا يحتذى لسورية الحديثة إلا أن ما حصل هو العكس تمامًا مع حجم المساعدات الهائل الذي ترصده الدول المانحة والتي تصرف دون حسيب أو رقيب.
فلنعمل على استمرار الثورة لتصل لأهدافها ولنتذكر أن أميركا بثورتها على البريطاني المستعمر لم تصل إلى أهدافها بعشر سنوات وأن الثورة الفرنسية استمرت لأجيال حتى وصلت بمجتمعها إلى ما نراه اليوم. فلتكن ثورتنا مستمرة حتى تحقيق الأهداف ولو طال الزمن فالثورات الكبرى وثورتنا واحدة من تلك الثورات تستحق التضحيات التي تقدم من أجلها.
المصدر: صحيفة إشراق
التعليقات مغلقة.