الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

بايدن في أوكرانيا بلا سند عربي.. الشرق الأوسط يتغير!

منى فرح * 

يبذل الرئيس الأميركي جو بايدن قُصارى جهده لحشد المجتمع الدولي ضد روسيا في الأزمة الأوكرانية. لكن الصمت العام الذي تلقاه من دول الشرق الأوسط، وفي مقدمتهم أقرب الحلفاء، يُخبر الكثير عن الجغرافيا السياسية الجديدة، ويُجبر بايدن على التعامل مع واقعية قاسية: روسيا أصبحت لاعباً أساسياً في المنطقة، والقادة العرب قابلون بذلك.

أبدت الإدارة الأميركية أداءً يستحق الثناء، في سعيها لتحقيق اصطفاف أوروبي بهدف خلق معارضة دولية شاملة لسياسة روسيا تجاه أوكرانيا. وقد بات القسم الأكبر من شركاء واشنطن التقليديين في صفها؛ بما في ذلك أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية. حتى ألمانيا التي أبدت بعض الممانعة والمماطلة باتت – إلى حد ما – ملتزمة بالنهج المطلوب.

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد أظهر، خلال افتتاح دورة الألعاب الأولمبية في بكين، أن الصين تقف إلى جانبه؛ على الأقل في ما يتعلق بمعارضة توسع “الناتو”. أما البرازيل والهند فيلتزمان الحياد؛ حتى الآن.

ولكن في الشرق الأوسط، كانت الردود التي تلقتها الإدارة الأميركية مفاجئة ومخيبة للآمال. فحلفاؤها وشركاؤها متعاطفون مع أوكرانيا، وملتزمون معها، لكنهم غير مستعدين لاتخاذ موقف ضد موسكو. وهذا يعكس مدى التغيير الحاصل في الشرق الأوسط بسبب “قرار” وضع المنطقة في أسفل قائمة أولويات السياسة الخارجية لواشنطن؛ وهو “القرار” الذي كان قد اتخذه الرئيس باراك أوباما، وتبناه الرئيس دونالد ترامب، ويفرضه الآن بايدن . لقد قلَّلت واشنطن من شأن الالتزامات التي كان شركاؤها في الشرق الأوسط ينتظرونها من راعيهم، والآن بات عليها أن تتكيف مع العواقب المرتقبة.

ولمعرفة وفهم مدى التغيير الذي حصل، يكفي النظر إلى أقرب حليف لواشنطن في الشرق الأوسط: إسرائيل.

حتى أنت يا بينيت؟!

في منتصف كانون الثاني/يناير الماضي، أجرت واشنطن وتل أبيب جولة من المشاورات الاستراتيجية. كان التركيز على طموحات إيران النووية مفهوماً، فالإدارة الأميركية وحلفاؤها الأوروبيون يحاولون؛ وبشراسة؛ إنقاذ اتفاق عام 2015 مع إيران، الذي ألغاه ترامب. ومع ذلك، ورغم الجهود التي تبذلها إدارة بايدن بالضغط بكامل طاقتها لمعارضة التكتيكات التي تمارسها موسكو ضد كييف، لم تشر نتائج جولة المشاورات الاستراتيجية مع إسرائيل إلى أي ذكر لأوكرانيا. في الواقع، أن إسرائيل؛ ومنذ بدأت روسيا تحشد قواتها على الحدود (الخريف الماضي)؛ وهي متمسكة بالصمت، ولم تسجل أي موقف، باستثناء عرض قدمه رئيس الوزراء نفتالي بينيت بخصوص التوسط بين أوكرانيا وروسيا؛ وهي الفكرة التي رفضتها موسكو بشكل قاطع.

وفي الآونة الأخيرة، رفض وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد، علناً التقييم الذي قدمته إدارة بايدن بأن الغزو الروسي كان وشيكاً. وحتى عندما ناقش بايدن وبينيت أزمة أوكرانيا، من بين قضايا أخرى، في مكالمة هاتفية في أوائل شباط/فبراير الجاري، غير أن التلاوة التي أصدرها البيت الأبيض عقب المكالمة تضمنت فقط؛ وكالمعتاد؛ تأكيداً قوياً بشأن إلتزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل، ولم تذكر أي شيء عن أمن أوكرانيا.

تحتفظ إسرائيل بعلاقات وثيقة مع أوكرانيا، لا سيما مع جاليتها اليهودية التي يبلغ عدد سكانها حوالي 300 ألف نسمة؛ وهي واحدة من أكبر الجاليات في العالم. رئيس أوكرانيا، فولوديمير زيلينسكي، يهودي. وكان ينبغي تعزيز هذا التقارب من خلال الالتزامات التي تدعيها إسرائيل لناحية تحالفها الوثيق مع الولايات المتحدة، ومباهاتها بأنها تحافظ على النظام الدولي الليبرالي الذي تبنته منذ تأسيسها، وبأنها الدولة الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، والتحجج بانشغالها بتأمين حدودها الضيقة من غزو القوات المعادية. ومع ذلك، فإن الخبراء الإسرائيليين الذين يجادلون دائماً بأنه يجب ألا يكون هناك أي فرق بين الولايات المتحدة وإسرائيل عندما يتعلق الأمر باحتياجات إسرائيل الأمنية، هم أنفسهم من يؤكد الآن أن إسرائيل يجب أن تبقى على الحياد في ما يخص الأزمة الأوكرانية.

ضغينة النفط:

الكويت ليست حليفاً وثيقاً للولايات المتحدة بقدر ما هي دولة تعتمد على الإدارة الأميركية. منذ أن حرَّرت الولايات المتحدة الكويت من غزو صدام حسين (حرب الخليج 1990-1991)، دعم الكويتيون المشاريع الأميركية في الشرق الأوسط وأماكن أخرى. ومن بين جميع دول المنطقة، فإن لدى الكويت محاذير وحساسية خاصة لمخاطر رضوخ المجتمع الدولي لجار كبير يغزو دولة صغيرة. لكن عندما زار وزير الخارجية الكويتي، الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح، واشنطن، في منتصف شهر كانون الثاني/يناير الماضي، لإجراء حوار استراتيجي مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن، تجنب الدبلوماسي الكويتي الخوض في موضوع أوكرانيا. ومثلما جاء بيان الاجتماع الأميركي-الإسرائيلي، لم يُشر البيان الأميركي-الكويتي المشترك إلى الأزمة الأوكرانية. وخلال مؤتمر صحفي مشترك، عمد أنتوني بلينكين إلى تذكير نظيره الكويتي بأن وضع أوكرانيا على المحك، وأنه من حيث المبدأ “لا تستطيع دولة ما ببساطة تغيير حدود دولة أخرى بالقوة”. لكن أحمد الصباح تجنب الإقرار بهذه النقطة في ردَّه.

كان حلفاء واشنطن الآخرون والشركاء الاستراتيجيون في الشرق الأوسط هادئين بشكل ملحوظ. مصر حليفٌ استراتيجي منذ فترة طويلة، وتستفيد كثيراً من السخاء الأميركي، لكنها تشتري أيضاً أسلحة من روسيا وتحتاج إلى تعاون موسكو للحفاظ على الاستقرار في ليبيا المجاورة. مصر ليست مهتمة باتخاذ موقف ضد بوتين بشأن أوكرانيا، خاصة بعدما قرَّرت إدارة بايدن مواصلة تعليق (https://www.foreignaffairs.com/articles/middle-east/2021-07-16/time-cut-egypt) الـ130 مليون دولار من المساعدات الأميركية المخصصة لمصر، بسبب عدم رغبة النظام المصري في السماح لشعبه بمزيد من الحريات. وبهذا المعنى، فإن التكتيكات الاستبدادية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أقرب إلى تكتيكات بوتين منها إلى القيم الديموقراطية التي تحاول إدارة بايدن بوقاحة إقناع مصر بتبنيها.

لعنة خاشقجي:

تتمتع السعودية بعلاقات تاريخية وثيقة مع الولايات المتحدة، وكانت حليفاً ثابتاً لها طوال معركتها لاحتواء الشيوعية السوفيتية في الشرق الأوسط. كما أنها غالباً ما استخدمت قدرتها على زيادة إنتاج النفط لخفض السعر كلما احتاجت أميركا لذلك. لكن في الأزمة الأوكرانية، لا يتعاون السعوديون؛ على الأقل حتى الآن. فضيق سوق النفط؛ نتاج انتعاش الاقتصاد العالمي من ويلات جائحة كورونا بطريقة أسرع من المتوقع؛ والمخاوف من وقف الإمدادات بسبب الأزمة الأوكرانية، رفعت سعر برميل النفط إلى ما يزيد عن 90 دولاراً للبرميل. وإذا غزت روسيا أوكرانيا، فمن المتوقع أن تقفز الأسعار إلى ما فوق الـ120 دولاراً. وهذه أنباء سيئة بالنسبة للجهود التي يبذلها بايدن من أجل وقف التضخم في الاقتصاد الأميركي قبل انتخابات التجديد النصفي في نهاية هذا العام.

ومع ذلك، تبدو السعودية منيعة على مناشدات حليفها الأميركي. وأحد أسباب ذلك هو غضب ولي العهد محمد بن سلمان من الطريقة التي عاملته بها إدارة بايدن. فخلال حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2020، وصف بايدن السعودية بأنها دولة “منبوذة”. وبعد وصوله إلى البيت الأبيض تعامل مع محمد بن سلمان وكأنه شخص منبوذ (رفض استقباله)، عقاباً له على تورطه بقتل وتقطيع أوصال الصحافي السعودي جمال خاشقجي. وبرغم أن بايدن تجنب فرض عقوبات شخصية على بن سلمان، إلَّا أنه رفض التعامل معه، وأسند هذه المهمة إلى وزير دفاعه لويد أوستن. وبعد عام من هذه المعاملة يبدو أن الكيل قد طفح مع ولي العهد السعودي. ففي أيلول/سبتمبر الماضي، ألغى زيارة أوستن إلى الرياض قبل يوم واحد فقط من موعدها، ووفقاً لعدد من كبار مسؤولي الإدارة الأميركية، فإن بن سلمان لن يرضى إلا بمكالمة هاتفية مباشرة من الرئيس بايدن نفسه، قبل أن يفكر في الاستجابة لمناشدات واشنطن.

قد يلتقط بايدن الهاتف، ويمتص ردود الفعل السلبية المرتقبة من التقدميين في حزبه، وكذلك من هيئة تحرير صحيفة “الواشنطن بوست” التي كان خاشقجي يعمل فيها. لكن، وحتى لو حصل ذلك، فليس من المؤكد؛ بأي حال من الأحوال؛ أن رد بن سلمان على الطلب الأميركي سيكون بالإيجاب. فروسيا تحتل مكانة كبيرة في حسابات ولي العهد الخاصة، بطريقة لم تكن واردة بالنسبة للمملكة العربية السعودية خلال العقود السابقة. وكميات النفط التي تصدرها روسيا الآن تُقارب ما تصدره السعودية، وقد تولَّت مؤخراً دوراً قيادياً في منظمة “أوبك +”. لقد اعتادت السعودية أن تهيمن على “أوبك”، ولكن في بداية جائحة كورونا في عام 2020، عندما انخفض الطلب بشكل كبير، انخرط بن سلمان في حرب مع موسكو من أجل خفض الأسعار ما أدى إلى انخفاض سعر النفط إلى الصفر تقريباً. وقتها، تدخل ترامب وتوسط في اتفاق بين روسيا والسعودية يُخفض كمية إنتاج نفط “أوبك” بشكل كبير، ويجعل موسكو شريكاً للرياض في تحديد الأسعار. الاستجابة لنداء بايدن الآن تتطلب من بن سلمان أن يخرق اتفاقه مع بوتين، فضلاً عن التخلي عن الأرباح غير المتوقعة من ارتفاع الأسعار التي يحتاجها ولي العهد كثيراً من أجل تمويل مشاريعه الطموحة داخل المملكة.

تصفية حسابات:

في الماضي، لم تكن الرياض لتتردد، حيث كانت تعتبر الاستجابة لطلبات حليفها الأميركي بمثابة “دفع قسط تأمين مسبق”، بما يضمن أن الولايات المتحدة ستكون حاضرة للدفاع عن المملكة عند الضرورة. لكن يبدو أن هذا الإتفاق إنهار في أيلول/سبتمبر 2019، عندما تعرضت منشآت النفط السعودية في “بقيق” لهجوم بطائرات مسيرة إيرانية وصواريخ، تسبب في تدني الإنتاج بنسبة 50 بالمائة. يومها، اعتمد ترامب أسلوب المماطلة والمراوغة، وبدلاً من المسارعة للدفاع عن السعودية (كما تنص اتفاقية الشراكة الاستراتيجية) تبجح بالقول إن الهجوم يستهدف السعودية وليس الولايات المتحدة، وأنه في حال قرر الرد فسيتوجب على السعوديين دفع أموال مقابل ذلك.

التجاهل الذي أبداه ترامب تجاه الالتزامات الأمنية الأميركية التقليدية ضاعف الشكوك التي كان قد اثارها سلفه أوباما في عام 2013 بعدم تطبيق أياً من إجراءات “الخط الأحمر” الذي أُعلن ضد نظام بشار الأسد عندما استخدم الأسلحة الكيماوية ضد شعبه. واصل بايدن هذا الاتجاه، مُقلّلاً من التركيز على الشرق الأوسط بعدما جعل المواجهة مع الصين على رأس أولوياته. وعندما أنهى “الحرب” في أفغانستان وأعاد ما تبقى من القوات والمواطنين الأميركيين إلى الوطن في انسحاب مُذل، توصل قادة الشرق الأوسط إلى نتيجة مشتركة: لم تعد الولايات المتحدة شريكاً موثوقاً به في أمن المنطقة.

ولأن هذا التوجه الأميركي الجديد المتمثل في الإنسحاب الأميركي من الشرق الأوسط كان يتطور على مدار العقد الماضي، ولأن قادة المنطقة كانوا دائماً حسَّاسين تجاه التحولات في ميزان القوى، فقد ظلّوا يبحثون عن “بدلاء” لضمان أمنهم؛ ولو لبعض الوقت.

هنا، سارعت روسيا إلى رفع يدها استعداداً، وتدخلت عسكرياً في الحرب السورية عام 2015 لإنقاذ نظام بشار الأسد (https://www.foreignaffairs.com/articles/middle-east/2022-01-25/assad-here-stay)، بينما كانت الولايات المتحدة تسعى لتغيير النظام في مصر وليبيا وسوريا. هذا التناقض لم يغب عن الزعماء العرب في المنطقة: لقد أصبحت روسيا “قوة الوضع الراهن” في الشرق الأوسط، بينما أصبحت الولايات المتحدة وكأنها تروّج لعدم الاستقرار.

ومع ذلك، فذكريات السلوك السوفييتي المزعزع للاستقرار، والأمل في أن يأتي رئيس جديد في واشنطن يقلب الأمور رأساً على عقب، جعل أصحاب القرار في الشرق الأوسط أكثر حذراً. وبمرور الوقت، أصبح القادة العرب أكثر ميلاً لتبني استراتيجية التحوط التي تنطوي على علاقات أكثر دفئاً مع روسيا.

حان وقت التراخي:

بالنسبة للإسرائيليين، الحسابات ليست مختلفة، برغم اعتمادهم الشديد على الولايات المتحدة. التهديد الوجودي هو إيران. فعلى طول ثلاثة من أربعة حدود لإسرائيل، يحشد وكلاء إيران قوتهم: حماس في قطاع غزة، وحزب الله في لبنان، والميليشيات التي تسيطر عليها إيران في سوريا. وتخوض إسرائيل ما تسميه “الحرب بين الحروب” لمنع نقل الصواريخ الإيرانية المتطورة وأنظمة التوجيه عبر سوريا إلى حزب الله في لبنان، وإحباط محاولات الميليشيات المدعومة من إيران فتح جبهة أخرى معها في مرتفعات الجولان.

إن وجود روسيا عسكرياً في سوريا يجعلها لاعباً في هذا الصراع أكثر بكثير من الولايات المتحدة التي تحتفظ فقط بقوة محدودة في شرق سوريا، لمحاربة ما يُسمى بـ”تنظيم الدولة الإسلامية” (داعش)، لكنها تركت إسرائيل لتدافع عن نفسها في بقية المناطق السورية. ولكي تستطيع إسرائيل مواصلة هجماتها الجوية المتكررة على أهداف إيرانية في سوريا، فإنها تحتاج لموافقة القوات الجوية الروسية حتى تستخدم المجال الجوي السوري. لهذا السبب، قام رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو بعشر زيارات إلى روسيا بين عامي 2015 و 2020 لتقبيل خاتم بوتين، وتأمين تعاونه مع إسرائيل، والتأكد من أن القوات الجوية الروسية والإسرائيلية في سوريا لا تعترضان طريق بعضهما البعض في سوريا. وبالمثل، بمجرد أن أصبح بينيت رئيساً (https://www.foreignaffairs.com/articles/middle-east/2022-01-25/assad-here-stay ) للوزراء العام الماضي، لم يضع أي وقت في إعادة تأكيد تلك الترتيبات خلال زيارة قام بها إلى الكرملين في تشرين الأول/أكتوبر 2021.

لكن في كانون الثاني/يناير من هذا العام، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن طائرات روسية وسورية نفذت دورية مشتركة فوق مرتفعات الجولان، مشددة على أن هذه الدوريات ستستمر. كانت هذه طلقة تحذير رمزية عبر قوس إسرائيل، ما يشير إلى أنه إذا أراد بوتين (https://www.foreignaffairs.com/articles/ukraine/2022-01-27/putin-doctrine) ، فيمكنه بسهولة إنهاء العمليات العسكرية الإسرائيلية في سوريا. وإذا كانت إسرائيل تفكر في الانحياز علناً إلى جانب الولايات المتحدة بشأن أوكرانيا، فإن موسكو قد أشارت للتو إلى أنه سيكون هناك ثمن استراتيجي باهظ يجب دفعه.

عندما يتكلم الصمت:

لا يلعب حلفاء الولايات المتحدة وشركاؤها في الشرق الأوسط دوراً مهماً أو حاسماً في الجهود المبذولة لردع روسيا عن غزو أوكرانيا. قد يكونون على استعداد لتقديم بعض المساعدة وعلى الهامش، مثل: أن تتولى قطر تحويل إمدادات الغاز من العقود طويلة الأجل في آسيا إلى السوق الأوروبية. ويمكن للسعودية والإمارات المساهمة في تخفيف الضغط على أسعار النفط في حال حدوث غزو. أما إسرائيل فيمكنها الاستمرار في تمرير رسائل خاصة إلى الكرملين، للحث على التهدئة.

لكن الصمت العام الذي تمارسه كل تلك الدول تجاه الأزمة الأوكرانية يُخبر الكثير عن الجغرافيا السياسية الجديدة للشرق الأوسط. لقد أصبحت روسيا لاعباً أساسياً في المنطقة، وملأت جزئياً الفراغ الذي خلفه تقليص الإنفاق الأميركي. وبالنسبة لبعض حلفاء الولايات المتحدة، تبدو موسكو أكثر موثوقية من واشنطن. لا مجال للالتفاف حول هذه المقايضة الأساسية بالنظر إلى حقيقة أن الصين الصاعدة وروسيا العدوانية يتطلبان اهتماماً أكبر من الولايات المتحدة. وبدلاً من مطالبة شركائه وحلفائه في الشرق الأوسط باتخاذ موقف علني، فسيتعين على بايدن أن يريحهم بعض الشيء، وهذا يتجاوز التصريحات والإدانات بشأن أوكرانيا. قد يضطر إلى إطلاق سراح ولي العهد السعودي من “منطقة الجزاء” إذا احتاج إليه لخفض سعر النفط. وقد يضطر أيضاً لإيقاف الضغط على السعودية والإمارات وإفساح المجال لهما في متابعة حربهما في اليمن. وقد تضطر واشنطن كذلك إلى الاستمرار في منح إسرائيل حرية التعامل مع التدخل الإيراني في الإقليم حتى مع عودة بايدن إلى الإتفاق النووي مع طهران. وقد يكون للتعاون مع مصر في غزة وليبيا الأولوية على المطالب الأميركية بأن يخفف السيسي من إجراءات القمع التي يرتكبها في الداخل المصري.

لقد سلطت الأزمة الأوكرانية الضوء على مفارقة قاسية للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط (https://www.foreignaffairs.com/articles/middle-east/2021-12-02/iran-middle-east-all-against-all). فبرغم أنها قلَّلت من شأن مصالحها هناك؛ الأمر الذي كان يجب أن يسمح بتأكيد أكبر للقيم الأميركية؛ فإن عودة الجغرافيا السياسية تُجبر إدارة بايدن على تبني وتقبل واقعية جديدة. فمهما كانت نوايا الولايات المتحدة حسنة في المنطقة، فإن الأولوية تبقى لمصالحها حتى ولو على حساب قيمها.

() النص كاملاً بالإنكليزية على موقع “الفورين أفيرز”: (https://www.foreignaffairs.com/articles/middle-east/2022-02-14/price-retrenchment) وهو من إعداد “مارتن إنديك”، عضو مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك. أحدث مؤلفاته كتاب بعنوان: (https://www.amazon.com/Master-Game-Kissinger-Middle-Diplomacy/dp/1101947543)Master of the Game: Henry Kissinger and the Art of Middle East Diplomacy

ــــــــــــــــــــــــ
* صحافية ومترجمة لبنانية

المصدر: 180 بوست

التعليقات مغلقة.