حازم الأمين *
عمال سوريون كانوا على مدى سنوات طويلة هدفاً لكراهية طرف سياسي لبناني وصلت إلى حدود العنصرية، هم من أوائل من وصل لمباشرة رفع الركام.
أن يستيقظ رجل مثلي أتى التفجير على معظم مسرح حياته اليومية من الأشرفية إلى الجميزة ومار مخايل وصولاً إلى مركز عمله في القنطاري، ويتوجه في الصباح الثاني للتفجير لتفقد حطام منازل الأصدقاء وأحيائهم وشوارعهم، وأن يلاحظ أن عمالاً سوريين باشروا رفع الركام من الشوارع، فمن الصعب عليه أن يتجنب مفارقة يستدرجها هذا المشهد. عمال سوريون كانوا على مدى سنوات طويلة هدفاً لكراهية طرف سياسي لبناني وصلت إلى حدود العنصرية، هم من أوائل من وصل لمباشرة رفع الركام.
لكن المفارقة ليست هنا. فالحدث، أي التفجير، هو حدث عوني بامتياز. فهو حصل في ظل رئيس عوني، وحكومة للعونيين حصة الأسد فيها، والأهم أن التفجير حصل في منشأة يرأسها مسؤول عوني. التفجير عوني ومهمة رفع الركام يتولاها خصوم العونية من عمال ولاجئين سوريين! هذه المفارقة من الصعب أن تخطئها العين في صباح اليوم الثالث للانفجار.
نحن هنا لسنا حيال عامل في ورشة جاء ليتقاضى أجراً لقاء عمله. في لبنان لا أحد اليوم يستطيع أن يدفع أجراً لعامل. قد نكون حيال وعد بالدفع، أو حيال عمل لقاء وجبة طعام، لكننا بالتأكيد حيال عمال يشعرون بأن من واجبهم المشاركة في رفع الأنقاض، وحيال مشهد لا يمكن البقاء على الحياد حياله. هذا ما يشعر به هؤلاء في صبيحة هذا اليوم، وهذا ما يجب تسجيله في ظل حقيقة لا يمكن دحضها وتتمثل في أننا شهدنا انفجاراً شبه نووي ونحن نعيش في ظل الجمهورية العونية.
العودة إلى مربع كراهية السوريين، لاجئين وعمالاً، له وظيفة أخرى في لحظة اقتربت فيها بيروت في زمنها العوني من مصير مشابه لمصير هيروشيما، وهي مرة أخرى تعيدنا إلى حقيقة الغنائم التي تقاضاها وزراء العونية ومديروها من المساعدات الدولية للاجئين، وتوليهم في الوقت نفسه حملة عنصرية عليهم. اليوم يرتسم المشهد نفسه مضافة إليه حقيقة أن فساد السلطة وارتهان العونية وسلطتها لطبقة الفاسدين هو من تسبب بهذا الانفجار غير المسبوق على الكوكب منذ هيروشيما.
العمال السوريون سيرفعون الركام الذي خلفه اهتراء الإدارة العونية وفسادها! أيهما أكثر فائدة للبنان؟ لا يمكنك تفادي هذا السؤال حين تستيقظ في الصباح وتقصد الشوارع المنكوبة بعد ليلة من مراكمة الغضب الذي لم ينفجر بعد. الأرجح أن مشاعرنا هذه ستكون وسيلتنا لتنفيس الاحتقان. فهذا ما سبق أن قالته سيدة في بيروت تذهب كل يومٍ إلى المصرف وتُخرج فيه منسوب غضبها على المدير والموظفين بعدما حجزوا على مدخراتها. قالت “أنا أفعل ذلك بدلاً من أن أقصد طبيباً نفسياً يساعدني على معالجة الغضب”. يجب أن نُشهر في وجه هذه السلطة القبيحة كل ما نشعر به حيالها. الكلام كما هو، من دون مواربة أو مداراة. لقد فعلوا بنا ما فعلوه من دون أن يرف لهم جفن. هم يكرهوننا ويكرهون العمال واللاجئين السوريين، ويكرهون بيروت ويكرهون الحياة في الحمراء وفي مار مخايل لأنها مسرح لشباب وشابات لا يشبهونهم، تماماً مثلما لا تشبههم مأساة السوريين مع بلدهم ونظامهم.
العامل السوري الذي كان يرفع ركام الزجاج في مار مخايل قال إنه لا ينتظر أجراً. لم يأتِ تطوعاً، إنما القدر ساقه إلى مسرح الجريمة التي ارتكبتها هذه السلطة القبيحة. لا أحد اليوم يمكن أن يدفع له أجره، ذاك أن الجميع مفلس اليوم في بيروت. المباني في مار مخايل مفلسة أيضاً، مبانٍ جميلة ولكن مفلسة، وجاء الانفجار ليتوج هذا الإفلاس! فمن لها غير العمال السوريين؟
* صحافي وكاتب لبناني
المصدر: درج
التعليقات مغلقة.