أحمد مظهر سعدو
قامة وطنية سورية، ورجلاً عروبيًا متمسكاً بمبادئه، رحل عن عالمنا إلى جوار ربه أول أمس، هو الأخ الكبير الأستاذ مروان الخطيب/ أبو صفوان ابن مدينة حماة البار لمدينته ووطنه وأمته. (أبو صفوان) التحق بالرفيق الأعلى عن عمر يناهز 85 عامًا أمضاها بالكد والجهد والنضال ضد نظام الطغيان الأسدي، لم تنل منه الآلام، ولم تنحن له هامة، ولا هانت عزيمته يومًا، وهو المثقف العروبي الديمقراطي المنتمي لقيم الحق والعدل والعزة والكرامة. وهو من سارع للالتحاق بثورة السوريين منذ أواسط آذار/ مارس 2011 وبقي منتمٍ إليها حتى آخر لحظة في حياته.
نودعه اليوم ومازال الحلم باقيًا ومازال فكره النير متواصلًا عبر الأجيال من أجل الوحدة العربية التي حلم بها، ومن أجل دولة المواطنة بلا آل الأسد.
في هذه اللحظة التاريخية وفي ساعة الوداع الكبير لهذه القامة الوطنية، نتوقف مع بعض أصدقاء الراحل مروان الخطيب، حيث أكد المهندس والكاتب ورفيق الراحل السيد مازن عدي قائلًا: ” أحزنني كثيرًا رحيل أبو صفوان/ مروان الخطيب المبكر دون أن يرى تحقيق أحلامه العريضة والجميلة، لكن عزاءه كان بمشاهدة مئات الألوف من أبناء مدينته التي لم يغادرها حماة، قد هبوا في صيف عام 2011 ينشدون الحرية.. لم يتوقف يومًا عن العمل العام والنضال من أجل وطن ديمقراطي معافى، والحلم بأمة عربية موحدة تعيش كابوس التمزق والتخلف.. كانت ابتسامته لا تغادره يشع طاقة وحيوية. عرفته من ثلاثة عقود في نشاطه في فرع التجمع الوطني الديمقراطي في حماة وفي المكتب الاعلامي للتجمع، كان لدى أبو صفوان أمل كبير بالانتصار مهما طال الزمن رغم كل الهزائم والانكسارات.. كان محبًا للحياة ومحبوبًا لكل من عرفه عن قرب. نخسر أحبتنا واحدًا تلو الآخر.. وداعًا أبا صفوان “.
أما السيد عزت شيخ سعيد رفيق درب الراحل في العمل الوطني فقد قال عنه ” من الصعب أن يكتب الإنسان تحت تأثير صدمة الرحيل، رحيل من يحب عمن يحب، يُغيب الموت الأهل والأحبة، دون أن نستطيع وداعهم في رحلتهم الأخيرة، وهو ما يزيد من حزننا ولوعتنا، يمتد شريط الذكريات وتتداعى الصور متتالية، ويبقى لأبي صفوان مكانته فيها؛ وجهه البشوش، والابتسامة التي لا تغادر محياه، مهما اشتدت الصعاب وتكالبت الهموم، يزرع الفرح والبسمة والأمل في كل مجلس يكون فيه . عندما قرر الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي، إعادة تشكيل اللجنة الفكرية، لإصدار نشرة العربي، (تشكلت اللجنة في بداية التسعينيات من القرن المنصرم بإدارة الأخ محمد عمر كراس/أبو محمود، وعضوية الأخ أحمد مظهر سعدو/أبو محمد، وشهيد الثورة السورية محمد سعيد فليطاني/أبو عدنان، وعزت الشيخ سعيد، وآخرين ربما لا يرغبون ذكر أسمائهم) ، وكان أبو صفوان، أحد تلك الأقلام التي باشرت بالكتابة لها، ورغم بُعد المسافة بين حماة ودمشق، لم يتأخر يومًا عن حضور الاجتماعات الشهرية . أذكر في إحدى المرات، أعطاني المادة التي تم تكليفه بكتابتها، وقرأتها على عجل، وقلت له: ربما تحتاج إلى بعض التعديل، فأجابني: افعل ماتراه مناسبًا؛ وبعد صدور العدد سألني: أين مادتي يا أبا صلاح؟. فقلت له: ها هي، أجابني متسائلًا: نعم هو العنوان ولكن المادة؟!. ابتسمت وقلت له: أنت فوضتني بإجراء التعديلات، ضحك كعادته، وأكمل: بتمون أبو صلاح، وبعدها كففت عن أي تعديل لمادته . زرته أكثر من مرة في مدينة حماة، وكان أهل الحي الذي يسكنه ينادونه بالعم أبو صفوان، قال لي: أتدري، ربما كل الذين في عمري في هذا الحي استشهدوا في جريمة العصر التي شنها الأخوين الوحشين (حافظ ورفعت) في 2 شباط/ فبراير من عام 1982، ولذلك يناديني الجميع بالعم والخال . طاف بي أبو صفوان في أحياء حماة وأزقتها، مستذكرًا تلك الجريمة التي لا يمكن للنسيان أن يطويها مهما طال الزمن، وهو يؤشر بيده، تحت هذه المؤسسة يوجد مقبرة جماعية، وتحت هذا الفندق مقبرة جماعية، وتحت ذلك المبنى الحكومي أيضًا مقبرة جماعية . كانوا يعتقدون أنهم بذلك يُخفون أدلة جريمتهم، لكن هيهات، كل حجر في حماة سيشهد عليهم، وعلى ما اقترفت أيديهم من جرائم . عند اندلاع المظاهرات في سورية، وانتقالها من مدينة إلى مدينة، ومن قرية إلى قرية، ومن شارع إلى شارع، اتصلت به وسألته رأيه، كان التفاؤل بقرب الخلاص واستعادة الحرية والكرامة والحقوق المستلبة وتحقق الحلم الذي ناضلنا عمرنا من أجله . وعندما اشتد الصراع وبسبب مرضه، استدعاه ابنه للسفر إلى الإمارات حيث يعمل . بعد أشهر قليلة اتصل بي، سألته عن حاله في غربته، وهي أقل بؤسًا من غربتنا، فاجابني: أتحدث إليك من حماة، ومع استغرابي لعودته في هذه الظروف، قال: والله يا أبا صلاح أنا مثل السمكة لا تستطيع العيش خارج الماء، وأنا لا أستطيع العيش بعيدًا عن سورية وحماة . قبل سنتين رحلت أم صفوان، شريكة عمره ورفيقة نضاله ودربه، اتصلت به لأعزيه، كان حزنه عميقًا، ولكن تسليمه بقضاء الله وقدره أقوى من حزنه . رحل أبو صفوان وكلنا راحلون، ويبقى الذكر الطيب والنقاء والمسيرة العطرة، لرجل عاش عمره يحلم ويعمل من أجل حرية بلاده ووحدة شعوب الأمة العربية . نستودعك يا أخا الأحرار عند من لا تضيع عنده الودائع، وإنا لله وإنا إليه لراجعون . عزاؤنا لأسرته ورفاق دربه، ولكل الذين ما يزالون ممسكين بحبل لا انفصام له، حبل الحرية وثورة الأمل، بتحقق الوعد الذي خرج الناس من أجله، وضحوا ويضحون بكل غال من أجل تحققه، في سورية الوطن الصغير، والوطن الأكبر وطن العرب . في البال والذاكرة يا أبا صفوان، ذاكرتنا، وذاكرة الأجيال القادمة المتطلعة لغدٍ أكثر إشراقًا وأمنًا، عبر بناء الدولة الوطنية المدنية الديمقراطية الحديثة، والتي هي القاعدة والأساس، لبناء دولة الوحدة، التي حلمت وعملت وناضلت من أجلها عمرك ” .
السيد أحمد قيمة صديق الراحل أبو صفوان قال: ” رحل الأخ والصديق المناضل العروبي الوحدوي الأصيل الثابت في حبه للعروبة والحرية ونضاله ضد الإستبداد والظلم والقهر ومناصرته لحقوق الشعب مهما تكن الظروف عن عمر قارب 85 سنة أقول سنة لأن السنة في العربية تعبر عن الأيام الشديدة الصعبة والعام يعبر عن أيام الرخاء والنعيم، وهذه في القرآن العظيم ورد مرات عديدة. منذ بداية عهد الإستبداد في مطلع ستينات القرن الماضي كان أبو صفوان رحمه الله مناضلاً عنيدًا ضد الإستبداد وأصبح يحمل إضافة لهم العروبة والنضال لتحقيق الوحدة الكاملة للوطن العربي هم مقارعة الظلم والاستبداد الذي كان ومايزال واقع الحال في وطننا حيث حرم من حقه بالعمل الوظيفي وتعويضاته، وأصبح عاطلًا عن العمل غالبًا بسبب فكره الوحدوي ونضاله لتحقيق الحرية والعزة والكرامة له ولأبناء الوطن، واضح الرأي نقي السريرة صامدًا كالجبل لا يتزحزح عن قناعاته مهما تكن الظروف والأحوال رغم قسوة الحياة عليه بحرمانه من حقه بالعمل الثابت كباقي أبناء الوطن . كان دائم الابتسامة رغم الصعاب والهموم، أنيق المظهر صاحب ذوق عال في التعامل مع أصدقائه وافقوه الرأي أو خالفوه تنصت إليه بدون ضيق أو ملل ويسمعك رأيه بشكل محبب وابتسامته الدائمة لم يتغير أبدًا ولم تتغير أفكاره أو تتلون مخلصًا للوطن والعروبة والحرية والفكر الأصيل . أبو صفوان مناضل كبير يبقى حاضرًا في الذاكرة لايغيب أبدًا. رحم الله مروان الخطيب/ أبو صفوان وتجاوز عنه وأسكنة فسيح الجنان… انا لله وانا اليه راجعون “.
التعليقات مغلقة.