سونيا العلي *
تشهد محافظة إدلب أزمة سكن خانقة، وخاصة مع وجود آلاف النازحين في المنطقة، إلى جانب أجور المنازل المرتفعة، واكتظاظ المخيمات العشوائية التي تفتقر لأدنى مقومات الحياة، ما دفع الكثير من الأسر النازحة للسكن في بيوت غير مجهزة بسبب الفقر والرغبة بالحصول على مأوى، والتخلص من الازدحام السكاني واستغلال أصحاب المنازل المؤجرة، رغم المخاطر وإمكانية سقوط الأطفال من النوافذ والشرفات الغير مكتملة البناء.
سعيد ديب (49 عاماً) نزح من مدينة سراقب بداية عام 2020، ولجأ للعيش في أحد المخيمات الواقعة في مدينة سرمدا، ولكن بعد المعاناة من حياة الخيام، وغرق خيمته بمياه الأمطار، انتقل للسكن إلى منزل غير مجهز وعن سبب ذلك يقول: “السّكن في خيمةٍ لا تمنع عن ساكنها برد الشتاء الصعب جداً، وفي ظلِّ عدم الاهتمام بالمخيمات وسوء الإدارة، فضَّلت السكن في هذا المنزل غير المكسي الذي يفتقر لوجود الأبواب والنوافذ، ويحوي شرفة غير مسورة لم يكتمل تأهيلها، ولكن ليس لدي القدرة على ترميم البيت أو استئجار منزل آخر”.
لا يبدو النازح جمال القشاش (36 عاماً) أفضل حالاً، حيث يعيش مع أسرته المكونة من زوجته وخمسة أطفال، إضافة إلى والده ووالدته وشقيقه، في “شبه منزل” في مدينة أريحا، بعد أن دمرته آلة الحرب، فالجدران متصدعة، والسقف أعيته التشققات، تمسك بها قضبان حديدية منعتها من السقوط لفترة من الزمن، يصف حاله بالقول: “بين ليلة وضحاها وجدنا أنفسنا أمام حقيقة مريرة وهي النزوح والتشريد، ليصبح الحصول على منزل هو صراع الحياة بالنسبة إلينا في بلد فقد الأمن والأمان”.
يتابع القشاش: “المنزل يشكل خطراً على حياة أولادي، لكن الفقر وعدم قدرتي على السكن في بيوت عادية، دفعني إلى ذلك، وأتمنى أن يكون نزوحنا مؤقتاً، وأن نعود إلى منازلنا قريباً”.
كذلك عائلة يوسف التناري (60 عاماً) خرجوا من مدينة معرة النعمان قبل عدة أيام من دخول قوات الأسد إليها، وقصدوا مدينة حارم، وهناك مكثوا في منزل أحد الأقارب بشكل مؤقت، ولكن عجز الأب عن إيجاد مأوى آمن للعائلة دفعه للإقامة في مبنى غير مجهز بأي خدمات تذكر؛ فلا خزان للماء ولا حمام ولا كهرباء، حتى الأرض بحاجة لتسوية حتى يتمكن مع أسرته من الجلوس أو النوم، وعن ذلك يتحدث لإشراق بقوله: “حملنا في رحلة النزوح بعضاً من أثاث المنزل إلى مناطق ريف إدلب الشمالي، حيث بقينا لمدة عشرة أيام دون أن نتمكن من إيجاد منزل من أجل استئجاره بسبب الاكتظاظ السكاني في المنطقة، لذلك وجدت في إحدى الشقق غير المجهزة في مدينة حارم مكاناً مؤقتاً نؤوي إليه بعد قيامي بوضع بعض التجهيزات البسيطة من أجل المعيشة.”
يبين التناري أنه وضع أبواب خشبية رخيصة الثمن وتم تغليفها بالنايلون لمنع تسرب الهواء، في حين تم إغلاق النوافذ بالأغطية لمنع تسرب الهواء، إلى جانب تجهيز الحمام وتمديد شبكة صرف صحي لدورة المياه من النوع الرديء وكذلك بعض أسلاك الكهرباء.
زوجة التناري تشير إلى أن العيش في الشقق غير المجهزة صعب للغاية، لأنها تفتقر لأدنى مقومات المعيشة، ولا تمنع دخول الأمطار أو تسرب الهواء البارد، ولكنها في هذه الأيام تعتبره أفضل من حياة الخيام، أو دفع مئات الدولارات كبدل لإيجار منزل مجهز “بحسب تعبيرها”
الطفلة رنا الحسين تبلغ من العمر سنتين، سقطت من شرفة الطابق الأول جراء سكن أسرتها في منزل غير مجهز وعن ذلك تتحدث والدتها بالقول: “نزحنا من بلدة كفرنبودة بريف حماة إلى مدينة إدلب، واضطررنا للسكن في شقة غير مجهزة، وكانت النتيجة أن رنا وهي أصغر أولادي، سقطت من الشرفة لأنها غير مسورة، وكادت تفقد حياتها نتيجة جرح في رأسها وكسر في يدها اليسرى، حيث بقيت في المشفى لمدة عشرة أيام لمراقبة حالتها الصحية، وما تزال تعاني من الأوجاع حتى اليوم .”
لجأت بعض العائلات النازحة إلى أنقاض المدارس المدمرة، واتخذت من بقايا جدرانها مأوى لهم. أم عبد القادر (44 عاماً) من بلدة جرجناز، تعيش مع أولادها وثلاثة من أحفادها الأيتام في مدرسة مدمرة بمدينة بنش وعن معاناتها تتحدث لإشراق بقولها: ” نزحنا منذ أكثر من سنتين من بيوتنا إلى المخيمات ونتيجة العواصف لجأنا إلى هذه المدرسة، رغم أنها مدمرة جزئياً وغير صالحة للسكن، ونعيش على ما يصلنا من مساعدات إنسانية”.
معاناة كبيرة تلاحق النازحين في ظل بعدهم عن بيوتهم وأرزاقهم، تضاف إلى ما مر بهم من مشاهد القتل وجحيم القصف، حيث لم يعد هاجس الموت تحت القصف والبراميل المتفجّرة هي المشكلة الوحيدة، بل يتعرضون للاستغلال في بحثهم عن مكان آمن يؤوي أولادهم وبقايا أحلامهم بحياة الأمان والاستقرار.
* كاتبة سورية
المصدر: اشراق
التعليقات مغلقة.