الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

أحداث مروعة على وسائل التواصل الاجتماعي

رياض معسعس *

هذا القرن يعتبر، إعلاميا، قرن التواصل الاجتماعي، والذي سيشهد خلاله تطورات كبيرة وتشعبات كثيرة، لم تشهدها الحضارات الإنسانية من قبل. فهو ما فتئ يبرهن أنه ثورة حقيقية قلبت موازين وسائل الإعلام التقليدية رأسا على عقب وتدخلت في شؤون الناس، وتغلغلت في خلايا المجتمع، وصارت الشغل الشاغل للعالم أجمع.

وهذا ما لم تحققه أي وسيلة إعلامية سالفة. بيد أن هذه الوسائل التي تقدم خدمات لا حصر لها على جميع المستويات، فإن الجوانب الإيجابية التي لا تخطئها عين يقابلها أيضا بعض الجوانب السلبية التي تبلغ خطورتها في الأحيان إلى حد ارتكاب (جرائم القتل، والنصب، والدعارة، وانتشار الأخبار الكاذبة والشائعات، تأثر الخصوصية وتدخل البعض في شؤون الآخرين، وظاهرة التنمر والتهديد والابتزاز مما قد يؤدي إلى الجريمة والانتحار، واستغلال المنصات الاجتماعية للترويج السياسي، والتجاري الذي لا يصب بالضرورة لصالح الفرد والمجتمع، واستخدام صفحات هذه الوسائل للشتائم وتراشق الاتهامات بين الأشخاص، وظهور “البودكاست” الذي يتم بواسطته بث معلومات ليست دائما هادفة أو صحيحة بل فقط لإظهار الذات عند البعض، أو ترويج صور فاضحة فقط لكسب لايكات تدر بعض الأرباح)

وهنا نورد بعض الأمثلة التي هزت المجتمعين المصري والسوري مؤخرا لإعطاء صورتين متناقضتين حول وسائل التواصل الاجتماعي.

“ماما يا ريت تفهميني أنا مش البنت دي، ودي صور متركِبه والله العظيم وقسماً بالله دي ما أنا.. أنا يا ماما بنت صغيرة مستهلش اللي بيحصلي ده أنا جالي اكتئاب بجد.. أنا يا ماما مش قادرة أنا بتخنق وتعبت بجد.. حرام عليكم انا متربية أحسن تربية”.

كانت هذه الكلمات آخر كلمات تقولها الشابة المصرية بسنت خالد البالغة من العمر سبع عشرة سنة قبل أنت تنتحر.

وانتحارها أشعل تفاعلاً كبيراً على وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا التفاعل الكبير كان بمثابة ضغط على السلطات المصرية لاتخاذ إجراءات عاجلة قبل أن تتحول إلى غضب شعبي، كما حصل بانتحار “محمد البوعزيزي” في تونس الذي تحول إلى ثورة كبيرة تبعها ثورات في العالم العربي.

وقصة هذه الفتاة المنتحرة كانت بسبب الاستخدام الخاطئ لوسائل التواصل الاجتماعي من قبل البعض لتشويه سمعة هذه الفتاة.

والقصة باختصار هي أن مجهولين اخترقوا هاتف بسنت المحمول واستولوا على صورها، وباستخدام تقنية فوتوشوب قاموا بتركيب صورة وجهها على جسد عار بأوضاع مختلفة، وأرسلوا لها هذه الصور لابتزازها جنسيا، الأمر الذي رفضته، وتحولت القضية بين الضحية ومبتزيها إلى قضية تنمر وتهديد لم تثمر في ثنيها عن الرضوخ لرغباتهم، فقاموا بنشر هذه الصور في كل مكان، وعلى هاتف أبيها أيضا، وقام أستاذها في المدرسة بالتنمر عليها بعد أن شاهد الصور المفبركة، الأمر الذي فاقم من حالتها فأنهت حياتها من شدة الاكتئاب، ثم توفي جدها بعد أيام قليلة لحزنه عليها، وقد قامت السلطات المصرية بالتحري حول هذه الجريمة التي ضجت بها وسائل التواصل، وتبين أن الفاعلين هما طالبان في الأزهر أحدهما في الجامعة والآخر في الصف الثالث الثانوي.

هذه الحادثة بالطبع لم تكن الأولى، ولن تكون الأخيرة، لكن ما ساعد على انتشارها كونها انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، وكان لها صدى واسع في المجتمع المصري.

وهذه الحالة تبين سلبيات هذه الوسائل باستخدامها السيئ من قبل الجناة، واستخدامها الجيد من قبل المجتمع الذي ثار ضدهم ونادى بتطبيق العدالة.

آيات الرفاعي:

الشابة السورية آيات الرفاعي البالغة من العمر تسع عشرة سنة، وهي أم لرضيعة، تعرضت للضرب الشديد من قبل زوجها وعائلته ما أدى إلى وفاتها ليلة رأس العام.

هذه الحادثة لاقت تفاعلا كبيرا على وسائل التواصل الاجتماعي. ولولا هذه الحملة لكانت طمست هذه الجريمة كمئات آلاف الجرائم التي ارتكبت وترتكب في سوريا، كون مرتكب الجريمة زوج الضحية يتبع لجهاز الحرس الجمهوري في دمشق، إذ بعد يومين من إطلاق حملة للكشف عن ملابسات الحادثة، تنبهت السلطات لخطورة القضية، وقامت على الفور باعتقال الجناة، وأعلن المحامي العام الأول في دمشق أن تقرير الطب الشرعي أثبت الاعتداء على الشابة بالضرب الذي أدى إلى مقتلها، وجاء في التقرير أن الوفاة كانت بسبب ضربات شديدة على الرأس، وجاء في بيان لوزارة العدل على موقع الفيسبوك أنه ألقي القبض على القاتلين، وأن التحقيقات جارية في الموضوع.

وكان وزير داخلية النظام السوري محمد رحمون قد استقبل عائلة آيات الرفاعي، واستمع لمطالبهم بشأن حادثة مقتلها، وأخبرهم بإحالة الموضوع لفرع الأمن الجنائي للتوسع بالتحقيق ومتابعة كل المتدخلين، وقامت صحيفة “الوطن” الموالية بنشر اعترافات الجناة بشريط مصور على وسائل التواصل، حيث ظهر الزوج القاتل ووالداه يدلون باعترافات صادمة، تعكس إلى أي مدى وصل العنف الزوجي في سوريا خلال الفترة الأخيرة لانعدام الأمن والمحاسبة والتحايل على القانون.

واعترافات الجناة كشفت أن آيات تعرضت ثلاث مرات للضرب من قبل والد الزوج بعصاة خشبة يغطي رأسها المسامير، وضرب زوجها رأس الضحية على الجدار مرات عدة وتركها مغشيا عليها لعدة ساعات، تبين بعدها أنها فارقت الحياة ونقلت إلى المستشفى متوفاة.

وساعدت شاهدة عيان في المستشفى على كشف الحادثة على وسائل التواصل التي تفاعلت سريعا وأحدثت ضجة كبرى حاولت السلطات سريعا “لفلفة” الموضوع، ولولا ذلك لطمست القضية كآلاف القضايا المشابهة.

فوزية الخلف:

فوزية الخلف من أهالي ريف حمص. وأم لثمانية أبناء، إحدى الناجيات من مجزرة الحولة، تعود بالذاكرة إلى تلك الليلة في 25.5.2012 لتستعيد وجوه أحبتها الذين قضوا ذبحا وإعداما واغتصابا وانتشرت اعترافاتها على كل المواقع إذ تقول:

“قتلوا عشرين شخصا في بيتنا، زوجي وبناتي الأربع ( سوسن 21 سنة، هدى 18 سنة، ندى 12 سنة، والصغيرة 10 سنوات)، قتلوا زوجة ابني الحامل في شهرها السابع، وطفلا كان على صدرها، وأختي وكنتي وأولادهما، وابنة عمي وأولادها الأربعة، وسلفتي وابنتها.

جمعونا في غرفة متطرفة وفتحوا علينا النار بشكل عشوائي، ثم هجم أربعة منهم على من بقي حيا بالضرب والإهانة والرفس والاغتصاب.

كان زوجي على الأرض حين توسلت إلى أحدهم أن يدع ابنتي سوسن وكان يهم باغتصابها، شققت عباءتي وعرضت نفسي بدلا منها. اغتصبني اثنان منهم، ثم اغتصبوا ابنتي سوسن أمام زوجي الذي كان يصرخ ويبكي قبل أن يطلقوا النار على رأسه. كنا 27 شخصا في ذلك البيت، الأطفال والنساء ومن باقي من الأحياء كانوا يجهزون عليه بالسكين،.

عذبونا بشكل سادي، وتحرشوا بالصغيرات بوحشية، داسوهن بأقدامهم، شدوا شعرهن إلى حد الاقتلاع، ومزقوا ملابسهن الذي قام باغتصاب ابنتي سوسن قتلته رصاصة في رأسه أطلقها رفيقه بالخطأ، ليقوم أحد العناصر بذبح ابنتي سوسن بالسكين وهو يشتمها ويشتم الله أمام عيني.

لازلت أذكر ولن أنسى كيف كان أطفالي. يتمسكون بي ويستغيثون بي ويصرخون “ماما ” لكني كنت عاجزة أمامهم بينما كان أبوهم مقتولا عند الباب.

لا أتمنى ما عشته لأحد، ولا أريد لأحد أن يرى جزءا صغيرا منه، لم أكن أصدق أن البشر يمكن أن ينحطوا إلى هذا الدرك من السفالة والحقد الطائفي والوحشية، سأروي قصتي دائما منتظرة العدالة التي ستعيد لأبنائي الحياة وسأحيي ذكرى المجزرة ما حييت”

* كاتب سوري

المصدر: القدس العربي

التعليقات مغلقة.