الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

“انقلاب” في أميركا.. وبايدن يتقهقر!


منى فرح *
تعرض جو بايدن شخصياً، ومعه الحزب الديموقراطي، إلى ضربة سياسية في الصميم، عندما امتنع السيناتور الديموقراطي “جو مانشين” عن التصويت لصالح قانون وقعه الرئيس بنفسه. “تمنع” له عواقبه السياسية والاقتصادية بالنسبة لمستقبل بايدن، وحظوظ الديموقراطيين في الانتخابات النصفية عام 2022 ثم انتخابات 2024 الرئاسية. هو “علامة” على أن شيئاً أكبر يحدث أو ينتظر أميركا، بحسب م. ك. بهادرا كومار.
“اتخذت السياسة الأميركية منعطفاً دراماتيكياً، يوم الأحد 19 كانون الأول/ ديسمبر (https://www.manchin.senate.gov/newsroom/press-releases/manchin-statement-on-build-back-better-act)، بإعلان السيناتور الديموقراطي عن ولاية فرجينيا الغربية جو مانشين أنه “لا يمكنه التصويت” لقانون “إعادة البناء بشكل أفضل“(https://time.com/6121415/build-back-better-spending-bill-summary/)، وهو مشروع قانون وقعه الرئيس جو بايدن (بقيمة 2.2 تريليون دولار) لإصلاح قوانين الرعاية الصحية، التعليم، المناخ، قوانين الهجرة والضرائب.
عدم تصويت مانشين وجَّه ضربة سياسية في صميم أجندة بايدن الاقتصادية التي يعتمد عليها مصير رئاسته بشكل كبير. ويرى مراقبون أن مثل هذه الضربة “قد لا يمكن التغلب عليها”. يهدف مشروع القانون؛ الذي وقعه بايدن إلى توفير قسم كبير من دعم مالي إضافي لمساعدة الأميركيين ذوي الدخل المنخفض، وذلك من خلال توسيع نطاق مزايا الرعاية الطبية، وخفض أسعار الأدوية التي تُصرف بموجب وصفات طبية مُعتمدة، وجعل جميع الأطفال الأميركيين يستفيدون من مساعدات تُمنح لهم في مرحلة ما قبل الحضانة، بالإضافة إلى زيادة الاستثمار في كل ما يمكن أن يساهم في مكافحة تغير المناخ، وما إلى ذلك.
نكسة للديموقراطيين:
مجلس الشيوخ الأميركي هو مجلس منقسم بالتساوي (50 سيناتورا لكل من الحزبين الجمهوري والديموقراطي، ومن يحسم هو صوت نائبة الرئيس “كامالا هاريس”، فإذا خسر الديموقراطيون صوتاً واحداً يصبح من المتعذر تمرير خطة بايدن)، وقد أدى الموقف الذي تبناه مانشين إلى ترجيح الكفة ضد مشروع القانون – أي، ما لم يتم تقليم حجم ونطاق حزمة الإنفاق بشكل كبير، سيكون متعذراً على الديموقراطيين الإيفاء بالعديد من الوعود التي قطعوها على أنفسهم أثناء حملتهم الانتخابية عام 2020. وبالتالي ستكون هناك؛ بلا شك؛ آثار سلبية وخطيرة على مستقبلهم في انتخابات التجديد النصفي المرتقبة في خريف العام 2022.
رفض مانشين لقانون “إعادة البناء بشكل أفضل” جاء من منطلق أن مشروع القانون المُقترح يفتقر إلى الشفافية. وهو اتهم البيت الأبيض بمحاولة “إخفاء التكلفة الحقيقية للنوايا التي تقف خلف مشروع القانون هذا”، مشيراً إلى أن مكتب الميزانية؛ غير الحزبي؛ في الكونغرس حدَّد أن “التكلفة تزيد عن 4.5 تريليون دولار، وهو مبلغ أكثر من ضعف ما يزعمه مؤيدو مشروع القانون المتحمسين”.
وحذر مانشين من أن الدين القومي للولايات المتحدة في الوقت الحاضر يتجاوز حد الخطر (28.9 تريليون دولار أميركي)، وهو في تزايد مستمر. وشدَّد على أنه “مع تفاقم أزمة وباء كورونا، وارتفاع نسب التضخم عالمياً، وإزياد عدم اليقين الجيوسياسي حول العالم”، أصبح الدين القومي بمثابة “قطرس”(**) سياسي بالنسبة للولايات المتحدة. ويُشكل كلام مانشين “نقداً مدمراً” يُسلط الضوء على أن القوة العُظمى كانت تشق طريقها بلكمات تفوق وزنها، ولا تستطيع الدولة تحمل تكاليفها.
سيكون لمعارضة مانشين عواقب اقتصادية فورية وضارة للغاية بالنسبة لمستقبل رئاسة بايدن، لأن جزءاً من مشروع القانون يهدف إلى تمديد برنامج فيدرالي؛ سينتهي قريباً؛ يعمل على توفير مساعدات عينية لأكثر من 35 مليون أسرة أميركية لديها أطفال. إن حدود براعة بايدن التي يتبجح بها كثيراً كمفاوض تبدو مكشوفة. وتقول الصحافة الأميركية إن برنامج بايدن “هو أكبر برنامج للأشغال العامة في الولايات المتحدة منذ أن أنشأ الرئيس دوايت أيزنهاور شبكة الطرق السريعة بين الولايات عام 1956”.
لقد استهدف مانشين ؛ بشكل واضح؛ البنود الخاصة بقضايا المناخ والطاقة النظيفة في مشروع القانون، قائلاً إن هذه البنود “تخاطر بموثوقية شبكتنا الكهربائية، وتزيد من اعتمادنا على سلاسل التوريد الأجنبية”. سيكون من المستحيل عملياً الآن تحقيق أجندة(https://www.axios.com/biden-climate-policy-manchin-build-back-better-27ee45c1-1171-47f5-9b2a-7d05eb6bf6fc.html) بايدن الخاصة بالمناخ. وهذه نكسة كبيرة أخرى لبايدن شخصياً. فلطالما تفاخر الرئيس بأن التشريع سيخلق آلاف الوظائف في قطاع الطاقة النظيفة وصناعة السيارات، وسيساعد الولايات المتحدة في تعزيز منافستها مع الصين والاتحاد الأوروبي.
خيبة أمل الناخبين:
بعد عام واحد فقط من انتخاب بايدن رئيساً، انقلب الناخبون في ولاية فرجينيا مؤخراً ضده، وهي الولاية التي كان الديموقراطيون خلال السنوات العشر الماضية يفوزون في كل انتخابات فيها تقريباً. ويُعد هذا “الانقلاب” علامة على أن شيئاً أكبر كان يحدث في البلاد، ويعكس خيبة أمل الناخبين على المستوى الوطني. وثمة عوامل عدة تلعب دوراً في هذه المسألة.
أولاً؛ أعلن بايدن في 4 تموز/ يوليو، وبحماقة، أن الولايات المتحدة أصبحت “بمعزل” عن المخاطر التي تسببها جائحة كورونا. واليوم، يشعر الناس في أميركا بخيبة أمل(https://www.thenationalnews.com/world/us-news/2021/12/20/biden-to-issue-stark-warning-as-covid-19-cases-surge-in-us/)، مع تزايد التداعيات التي يسببها استمرار(https://edition.cnn.com/2021/12/16/health/us-coronavirus-thursday/index.html) انتشار الفيروس على كافة الأصعدة.
ثانياً؛ كان الإنسحاب الفوضوي من أفغانستان “وصمة عار” أخرى في صميم جاذبية بايدن كرئيس- أي الكفاءة. العامل الثالث هو التضخم وارتفاع الأسعار (أسعار المواد الغذائية والغاز على وجه الخصوص) والنقص الذي طال توفر كثير من المنتجات في أعقاب جائحة كورونا، مما أدى إلى انخفاض شعبية بايدن. في الواقع، يشعر الجمهور بالغضب الشديد بشأن الكثير من الأشياء – منها إلزامية ارتداء الأقنعة الواقية، والقلق المشروع بشأن اللقاحات المفروضة على الأطفال الصغار، ونقص النشاط الاجتماعي المُتاح للأطفال، وما إلى ذلك.
مراراً وتكراراً، كان المجتمع الأميركي عالقاً في “حرب ثقافية” منذ اختراع حبوب منع الحمل في عام 1961 وحركة حقوق المرأة التي أعقبت ذلك، والاستقلالية الشخصية، وحقوق المثليين، وما إلى ذلك من قضايا مثل السؤال المعقد الخاص بالمتحولين جنسياً، وما يسمى بـ”نظرية العرق النقدي“(https://www.nytimes.com/article/what-is-critical-race-theory.html).
“الجد الطيب”:
لقد أصبح كل هذا تحدياً إشكالياً صعباً للغاية بالنسبة للحزب الديموقراطي، كونه يتطرق إلى ما يعنيه أن تكون “ليبرالياً” في أميركا، وما يعنيه أن تكون “ديموقراطياً”، وهي قضايا موجعة لليسار على وجه الخصوص.
وتأتي المعركة داخل الحزب الديموقراطي إلى جانب خيبة أمل الناخبين من بايدن في وقت تُعتبر فيه سيطرة الديموقراطيين على مجلس الشيوخ ضعيفة. إن تصويت نائبة الرئيس كامالا هاريس في مجلس الشيوخ هو الخلاص الوحيد. وهنا أيضاً تكمن المشكلة الحقيقية: السلبية والقبلية هما من يقود السياسة الأميركية في السنوات الأخيرة.
التصور العام هو أن أداء بايدن وإدارته ضعيفان بشكل خطير في الوقت الحالي. فبايدن جاء إلى الرئاسة مع وعد كبير بأن يعيد لم شمل أميركا. لقد قدّم نفسه على أنه “الجد الطيب” الذي يحب جميع أحفاده وسيعتني بهم جيداً بعد فترة من السياسات الإلغائية لدونالد ترامب.
في البداية، بدا أن بايدن يفي بوعوده. ولكن مع مرور الأسابيع والأشهر الأولى من فترة رئاسته، بدأت الشكوك تحوم حول ما إذا كان هو المسيطر حقاً على الأحداث. وقد خضعت كفاءته لتدقيق صارم على عدة جبهات، أبرزها أفغانستان، كوفيد-19، قطاع التعليم، التضخم.. وأخيراً “قانون إعادة البناء”.
بالإضافة إلى ذلك، فإن كل خطأ يرتكبه بايدن يُعزى إلى تقدمه في السن. في قمة المناخ COP26 التي عُقدت في غلاسكو، تم تصويره وعيناه مغمضتان. ربما يكون الرجل الأصغر سناً (المصور) قد أفلت من العقاب، لكن بايدن ترك انطباعاً بأنه رجل عجوز لا يستطيع البقاء مستيقظاً!

تداعيات خطيرة داخلياً وعالمياً:
بدأ النقاش بجدية حول ما إذا كان من الحكمة أن يترشح بايدن لولاية ثانية. وقد أدرجت صحيفة “واشنطن بوست”( https://www.washingtonpost.com/politics/2021/12/18/non-biden-democrats-president-2024-ranked/) مؤخراً قائمة “أفضل 10 ديموقراطيين، ليس من ضمنهم بايدن” لتولي منصب الرئيس في العام 2024، “مُصنفين بالترتيب بحسب الأكثر احتمالاً للترشح”.
في الوقت نفسه، يتوقع معظم المحللين أن يفقد الديموقراطيون السيطرة على الكونغرس في انتخابات التجديد النصفي لعام 2022. وهذا يعني أن العرض قد انتهى بالنسبة لأجندة بايدن الخاصة بالشؤون الداخلية، ومن نواح كثيرة. ويعني كذلك أن الجمهوريين سيكونون في وضع يسمح لهم بعرقلة تقدمه في كل شيء في السنتين الأخيرتين من ولايته.
ويكفي القول، إن الاحتمال الكبير هو أنه في العام 2024، ستذهب أميركا مرة أخرى إلى الاقتراع غاضبة ومنقسمة كما كانت في عام 2016. وهو بالطبع السيناريو الأكثر إثارة للقلق بالنسبة لمستقبل الديموقراطية في البلاد. إن التطرف المتسارع بين الحزبين السياسيين الرئيسيين، وبين وداخل الولايات الزرقاء والحمراء، يُمكن أن يتحول وبسهولة إلى عنف سياسي ونشاط ميليشياوي، وأيضاً إلى نزع شرعية السلطة المركزية والحكومة.
كل هذا بطبيعة الحال له تداعيات خطيرة على السياسة الخارجية للولايات المتحدة والسياسة العالمية، وخاصة مثلث “أميركا- روسيا- الصين”.
ومع زعزعة استقرار الولايات المتحدة بشكل خطير على الجبهة الداخلية، فإن أصداء تداعيات هذه الزعزعة ستظهر وبوضوح في أوروبا وغرب آسيا ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ. إن شبح عودة ترامب، أو أي شخص من أمثاله في عام 2024، ينبغي أن يُثقل كاهل بعض الحلفاء الأوروبيين للولايات المتحدة (زدْ على ذلك أن العديد من حلفاء الولايات المتحدة وبينهم دول الخليج العربي يتصرفون على هذا الأساس منذ الآن).
من غير المُرجح أن تتعمد الولايات المتحدة أو الصين أو روسيا استهداف بعضها البعض بشكل مباشر. لكن الحرب بالوكالة(https://www.washingtonpost.com/opinions/2021/12/19/biden-ukraine-insurgents-russia/) تبقى الأكثر احتمالاً، وكذلك الحرب السيبرانية.
ومع ذلك، فإن جميع الرهانات ستنتهي في حالة وجود تهديد سياسي وجودي لأي من القادة الثلاثة. والتاريخ يشهد على ذلك. في الواقع، لا يمكن للحرب المباشرة إلَّا أن تكون حرباً شاملة، تسبب دماراً شبه كامل.
بيد أن الاحتمال الأكبر يكمن في التورط العَرَضي في الحرب، وذلك إما من خلال التوقع الخاطئ لهجوم ما، أو من خلال تقدير خاطئ للطبيعة المتشابكة بالفعل للنزاعات والتوترات الحاصلة في أوروبا الشرقية أو الشرق الأقصى وبحر الصين الجنوبي (الترجمة بتصرف موقع 180 بوست)”.
(-) النص كاملاً بالإنكليزية على موقع “إنديان بونشلين“:
https://www.indianpunchline.com/
(**) “القطرس” نوع من الطيور يرمز للحرية والأمل والقوة وحب السفر والملاحة. في العديد من الثقافات، يُعتقد أن هذه الطيور تمتلك خصائص سحرية يمكن استخدامها في الشفاء. في الأساطير القديمة، كان يُعتقد أن طائر القطرس يجلب الحظ للبحارة الذين يرصدونه.
ـــــــــــــــــــ
* كاتبة صحفية ومترجمة لبنانية
المصدر: 180 بوست

التعليقات مغلقة.