الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

قمة بايدن للديمقراطية ومعتقل جوانتانامو

محمد المنشاوي *

بدأت الخميس (9 كانون الأول/ ديسمبر 2021) فى العاصمة الأمريكية أعمال قمة افتراضية حول الديمقراطية والتي يستضيفها الرئيس جو بايدن، فى الوقت ذاته لا يزال معتقل جوانتانامو يعمل بعيدا عن أي التزام بالقوانين والقواعد القضائية الأمريكية.

يهدف بايدن من قمته تعزير إدارته بجعل الديمقراطية وحقوق الإنسان فى قلب السياسة الخارجية الأمريكية، وتعكس هذه القمة إيمان الرئيس بايدن الراسخ بضرورة أن تتوحد الديمقراطيات وتتعلم معا وتقف معا وتعمل معا لمواجهة التحديات الدولية الأكثر إلحاحا.

وقبل 20 عاما عمدت إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش الابن إلى استخدام معتقل جوانتانامو الواقع جنوب شرقي جزيرة كوبا، بصورة مؤقتة، كمركز اعتقال للمتهمين بارتكاب أعمال إرهابية ضد الولايات المتحدة عقب بدء الحرب فى أفغانستان والتي شنتها واشنطن بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001.

لم يستغل بايدن وجود أغلبية ديمقراطية فى مجلسي الكونجرس، الشيوخ والنواب للدفع بغلق معتقل جوانتانامو، ووضعه ضمن أولويات إدارته، ولم يستغل بايدن كذلك انتهاء الحرب الأمريكية على الإرهاب الدولي بالانسحاب العسكري الأمريكي من أفغانستان فى شهر آب/ أغسطس الماضي للدفع بغلق المعتقل الذى مرت قبل أيام الذكرى العشرين لبدء استخدامه.

جمع بايدن ممثلي 110 دول من مختلف بقاع العالم، إضافة لمجموعة واسعة من المدافعين عن الديمقراطية والصحفيين وأفراد من القطاع الخاص وأعضاء المجتمع المدني، وكذلك مشرعين ومسئولين حكوميين محليين ضمن فعاليات جانبية رسمية حول التجديد الديمقراطي. ويهدف بايدن إلى تحفيز العمل عبر عدة ركائز، منها تعزيز الديمقراطية والدفاع ضد الاستبداد، ومحاربة الفساد، وتعزيز احترام حقوق الإنسان.

                                                                                   *           *            *

كررت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي أن بايدن يريد إغلاق معتقل جوانتانامو، وقالت إن إغلاقه «بالتأكيد هدفنا ونيتنا».

ومنذ استخدام جوانتانامو معتقلا للمشتبه فى تورطهم بقضايا إرهابية عقب هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001 مر المعتقل بالعديد من المراحل، وفشلت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما ــ الذى كان بايدن نائبا له ــ فى إغلاقه على الرغم من تعهده بذلك.

وأصبح المعتقل علامة شديدة السلبية على سمعة الولايات المتحدة عبر العالم، وتعترض مساعي إغلاق المعتقل 3 عوائق أساسية هي موافقة الكونجرس ومصير المعتقلين والمحاكمات العسكرية. ويُعتقد على نطاق واسع أن إغلاق المعتقل سيساعد على تحسين بيئة الأمن الأمريكي مع استعادة واشنطن دور القيادة الذى تخلى عنه ترامب فى الكثير من الملفات الدولية.

وكانت إدارة أوباما وضعت عملية قانونية وسياسية صارمة لفحص كل سجين واقتراح نقل بعض السجناء للخارج، ولم يبق عند مغادرة أوباما البيت الأبيض فى 20 كانون الثاني/ يناير 2017 إلا 41 سجينا فقط بالمعتقل.

وحتى اليوم، لا يزال المعتقل موجودا ويقبع فيه عدد من المتهمين بالإرهاب، على رأسهم خالد شيخ محمد الذى يوصف بأنه العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر.

وشهد المعتقل حالات واسعة من انتهاك حقوق المعتقلين وحرمانهم من محاكمات عادلة، إضافة لممارسة التعذيب فى أقبح صوره.

يتطلب إغلاق معتقل جوانتانامو اليوم التعامل مع ملفات 41 سجينا متبقيا فقط، وبوسع إدارة بايدن أن تكمل هذه المهمة بأمان من خلال إدراك الثمن السياسي الكبير للإغلاق، والعمل على إقناع الكونجرس بجدوى هذه الخطوة.

                                                                                   *           *            *

تطرح قمة الديمقراطية فى حد ذاتها عدة أسئلة منها:

هل تعكس قمة الديمقراطية انقساما معاصرا جديدا بين الدول الديمقراطية والسلطوية، أم أنها محاولة لتطبيق نموذج الحرب الباردة على وضع مختلف وأكثر تعقيدا بحيث يُظهر واشنطن فى جانب وموسكو وبيكين فى جانب آخر.

ما هو منطق إدارة بايدن التي تسعى للتعاون بشكل عملي وناجح مع الصين وروسيا تجاه قضايا عالمية مثل تغير المناخ، فى الوقت الذى تُقسم العالم فيه إلى ديمقراطيات وديكتاتوريات، وأن الديمقراطيات وحدها هي التي تتمتع بمصالح مشروعة حقا، وأنه يجب التضييق على النظامين السياسيين الروسي والصيني؟

ما هي جدوى وطبيعة وفعالية سلاح العقوبات الاقتصادية التي تنوى واشنطن توسيع استخدامه ضد منتهكي حقوق الإنسان فى العديد من الدول. ومنذ وصوله للحكم، فرض الرئيس بايدن عقوبات على جهات ومسئولين فى عدة دول منها إيران ولبنان وروسيا والصين وإريتريا وأثيوبيا وروسيا البيضاء؟

ما مصير التناقضات والنفاق من خلال تسييس الأطراف المشاركة فى القمة (دعوة الهند وعدم دعوة تركيا). الهند حليف هام فى المواجهة الأمريكية مع الصين، وتغاضت واشنطن عن انتهاكات الحكومة الهندية لحقوق الإنسان واستهداف المعارضين والأقليات غير الهندوسية، فى وقت تم استبعاد تركيا- العضو بحلف الناتو- بسبب سجل الحكومة التركية فى التضييق على المعارضين وعلى حرية الصحافة؟

هل ستعزز قمة الديمقراطية القيادة الأمريكية فى العالم؟ أم أنها ستؤدى بدلا من ذلك إلى زيادة الحديث عن نفاق واشنطن والمعايير المزدوجة الانتقائية التي تستخدمها الولايات المتحدة لخدمة مصالح سياستها الخارجية!؟

هل تعزيز الديمقراطية فى العالم هو حقا مصلحة حيوية للولايات المتحدة، وهل هذا الهدف فى الواقع قابل للتطبيق؟ وهل توفر القمة فرصة مفيدة لإصلاح الأنظمة السياسية الاستبدادية لمنافسي واشنطن الأساسيين مثل الصين وروسيا، وحلفاء واشنطن الإقليميين فى الشرق الاوسط؟ أم أنها تؤدى إلى تفاقم العلاقات المتوترة تجاه عدد من الملفات بالفعل مع هذه الأطراف؟

                                                                                    *           *            *

فى النهاية، هل يمكن لبايدن أن يتجاهل إغلاق معتقل جوانتانامو فى وقت يحاضر فيه العالم عن ضرورة الالتزام بحقوق الإنسان وسيادة القانون؟

* كاتب صحفي مصري متخصص في الشئون الأمريكية

المصدر: الشروق

التعليقات مغلقة.