عمر علي الحسن *
بجانب أحد أفران التنور القريبة من قرية أرمناز يجلس عهد وزملائه لتناول خبز التنور وفطائر الجبنة والفليفلة وتتكرر العملية كل يومين أو ثلاثة وأحياناً كل يوم، فطيرة عطانه وفطيرة فليفلة تكفي الشخص الواحد منهم ويعودون بعدها إلى المشفى في مدينة أرمناز حيث مكان عملهم.
تكثر أفران التنور على امتداد الطريق من قرية ملّس حتى مدينة سلقين، ويوجد عشرة أفران لبيع الخبز والفطائر موزعة على أطراف الطريق بمسافات متفاوتة وتكثر في مدينة أرمناز لشهرتها بصناعة الفخار وأفران التنور الطيني.
يقصد الموظفون في مشفى هاند الجراحي الواقع في قرية أرمناز تنور أحمد القريب من القرية لتناول وجبة الافطار الطازجة، ينتظرون دورهم، لكن أحمد يراعي لباسهم الأخضر ويعرف أنهم ملزمون بدوام فلا يتأخر عليهم.
المُهجَّر من قرية (تل منّس) أبو أحمد وزوجته يقومون بالتجهيز للعمل قبل شروق الشمس من تجهيز العجين وتشغيل التنور، لأن أغلب بيع الخبز يكون بين الساعة السابعة والنصف حتى التاسعة وهي فترة ذهاب الموظفين لمكان عملهم وغالباً يتم توصيتهم على كمية كبيرة من الخبز لأن معظم العوائل اتجهت إلى خبز التنور كبديل عن خبز الأفران اللذي يرتفع سعره كل يوم ولا يقيت كخبز التنور على حد قولهم.
بعد تراجع الليرة التركية أمام الدولار وارتفاع الأسعار بشكل جنوني وغياب الرقابة وخاصة على الأفران التي تديرها هيئة تحرير الشام بات من الصعب تأمين مادة الخبز.
إبراهيم الخضر ( 35 عاماً) يقول: “كنت في السابق أشتري الخبز كل يوم من الفرن الآلي في مدينة كفر تخاريم ومرة في الأسبوع أقوم بشراء كمية من خبز التنور، أما في الوقت الحالي فقد تقارب السعر وأقوم بشراء خبز التنور بكثرة لأن هبوط الليرة التركية رفع سعر ربطة الخبز لأكثر من الضعف والحكومة غير مُكترثة، ينبغي على حكومة الإنقاذ دعم الخبز لأنه مادة أساسية للمواطنين وعليها مساعدة الشعب لتخطي هذه المحنة”.
يشتهر الريف السوري بخبز التنور، وهو خبز مائل لونه للسمرة يتناول في جميع الوجبات. بعد طحن القمح يصبح جاهز للخبز مع مكونات العجين من خميرة ومياه وطحين، والكثير من الناس يقومون بطحن ذرة أو أرز وخلطها مع طحين القمح، والبعض يشتري طحينًا جاهزًا وتكون حبة القمح مقشورة فيختلف لون الخبز ليصبح أبيض اللون.
شروف الخضر (60 عاماً) زوجها متوفي وتعيش مع ابنها عزت في مدينة سلقين وهي مريضة لا تقوى على المشي إلا بمساعدة شخص وتشتاق كغيرها إلى منزلها وحارتها التي هُجرت منها.
تقول شروف: “لا أملك سوى الدُعاء على من أوصلنا لهذا الحال، فكيف أستطيع التغلب على شيطاني والعيش في شقة ضمن بناء كبير لا يوجد فيها شرفة تطل على حديقة أو شارع للتسلي، فقد كنت أعيش في منزلي أزرع الخضار في حاكورته الصغيرة وأقوم بالخبز على التنور كل ثلاثة أيام ولم أشتر خبز من الفرن الآلي طوال حياتي، أما في الوقت الحالي لا أشتري إلا خبز الفرن”.
و تستذكر شروف الأيام الخوالي قائلة: “كنت أقوم بالتجهيز للخبز في الصباح الباكر بعد صلاة الفجر، وأقوم بخلط الطحين مع القليل من الخميرة والمياه وبعد عجنها ببعضها أتركه لمدة ساعتين ليختمر بدرجة حرارة معينة ليصبح جاهز للتقطيع والخبز”.
التنور ركن أساسي من التراث الريفي:
أم عهد ((66 عاماً) تضع تنورها الصغير الذي قام بصنعة مرعي الخضر (47 عاماً) على شرفة منزلها المطلة على الطريق الرئيسي، وسوف تأخذه معها في حال تغيير سكنها.
ورث مرعي مهنة صناعة التنور عن والده وهي الآن مصدر رزق بالنسبة له.
يقول مرعي: “بعد خلط تراب “الحال” الخاص بصناعة التنور مع تربة بيضاء تستخرج من آبار المياه الارتوازية وخيوط الخيش التي تستخرج من أكياس العلف لجعل قوامه متماسكاً وصالحاً لصناعة التنور. وبعد أن تصبح العجينة جاهزة يتم تشكيلها بحلقات دائرية تبنى على قوالب خاصة وتوصل الحلقات فوق بعضها وتصقل بواسطة اليد، ثم تترك ليوم كامل لتجف، يجب أن يكون قطر فتحة التنور من الأعلى أصغر من قطر القاعدة، ويستغرق صنع التنور من أسبوع حتى شهر وذلك بحسب حجم التنور وطبيعة الجو، وبعد أن ينشف التنور يحتاج للتفخيـر عن طريق إيقاد النار داخله على مدار يومين قبل إعداد الخبز فيه”.
لا خبز كخبز أمي:
أبن مدينة كفرنبل مسؤول المشتريات في مشفى الهاند الجراحي عهد الحسين (47 عاماً) يقول: “نقصد تنور أحمد لتناول وجبة الفطور بشكل يومي لأن أحمد مُهجر من قرية قريبة من مدينتي التي تركتها قسراً قبل عامين ونصف، والخبز الذي يخرج من تنوره يشبه الخبز الذي كنت أتناوله سابقاً في المنزل على تنور أمي فعندما أقترب من التنور أستعيد ذكريات جميلة وفي كل مرة أذهب إليه أشعر أنها المرة الأولى، لكن لا خبز كخبز أمي”.
أما رامي الفارس فملتزم بأكل خبز النخالة ليحافظ على وزنه، وفي كل مرة يكسر الريجيم ويأكل من خبز أحمد فهو تراث يذكره بمدينته.
* كاتب سوري
المصدر: إشراق
التعليقات مغلقة.