الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

التعليم في “المحرر” إلى أين؟

ياسر الحسيني *

بعد الفضيحة المدوية التي عصفت في الداخل السوري “المحرر” حول كتاب السيرة النبوية الشريفة ، والأخطاء التي أغضبت الأهالي حين اكتشفوا الإساءات لسيرة الرسول (ص) من خلال الرسوم المرافقة للفقرات والتي تخلو من أي قيمة تاريخية أو حتى فنية لتفقد غايتها كوسيلة مساعدة لأطفالنا في المناطق المحررة، مما أدى إلى جمع النسخ وحرقها في الساحات أمام عدسات الإعلام.

لم يمر سوى بضعة أيام لنكتشف فضيحة أخرى في كتاب آخر لطلاب المرحلة الابتدائية وتحديداً في الصفحة التي تحمل الرقم (92) وفيها يطلب الوصل بين المعركة التي خاضها (بلدي) واسم المستعمر المحتلّ، والطامة الكبرى حين تجد أن السؤال قد حدد معركتين هما “معركة ميسلون” و”معركة القادسية”، وفي الطرف المقابل وضع اسم المستعمر “العدو الصهيوني” و”المستعمر الفرنسي” !!

هل يمكن اعتبار هذا الخطأ غير متعمّد؟.. في مفهوم (الهيمنة الدماغية) فإن هذا الخطأ يرتقي إلى حدّ الجريمة بحق أطفالنا، لأنّها ترتكز على مبدأ “الانطباع الأولي” للمعلومة في السن المبكرة، ويقول علماء الاجتماع والتربية بأن عملية إعادة تصحيح المعلومة الخاطئة لدى الأطفال هي أصعب بكثير من ترسيخ المعلومة الصحيحة عندما يتلقاها الطفل أول مرة.

لماذا هذا الاستهتار بالعملية التعليمية لأطفالنا في مناطق النزوح والتي هي أساساً تعاني من الانقطاع المتكرر للتعليم ونقص في الموارد البشرية والمادية، ناهيك عن الظروف الاستثنائية التي يعيشها أطفالنا في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام المجرم وميليشياته الإيرانية التي تعمل على بثّ سمومها الطائفية المقيتة، وعلى الطرف الآخر الميليشيات الكردية الانفصالية التي تبثّ سموم الفكر الأوجلاني الصهيوني، بعيداً عن الوطنية والإنتماء لبلد عريق مثل سورية، ليخرج في نهاية المطاف جيل بلا هوية تتلاعب به القوى الخارجية وتحوله إلى سلاح يقاتلوننا به.

من خلال متابعتي لحجم الدعم المقدّم من الأمم المتحدة والدول الداعمة للمناطق “المحررة”، وعدد المنظمات التي تعمل على الأرض تتخيّل أن مثل هكذا أخطاء لا يمكن أن تمرّ بسهولة، وخاصة بوجود حكومة مؤقتة وحكومة إنقاذ في مناطق إدلب وريف حلب التي تضم قرابة (4) مليون نسمة، وهناك وزارتان للتعليم في كلتا الحكومتين، فلماذا تتكرر مثل هذه الأخطاء التي تكاد تقوّض العملية التعليمية برمتها برغم الإنفاق الكبير عليها من خلال المنظمات التي تدعم تلك العملية وتمنح الرواتب لطاقم المعلمين والمدرسين، وتقدّم القرطاسية للطلاب، بالإضافة إلى المساعدات اللوجستية وصيانة المدارس وتأمين وقود التدفئة.

كلّ تلك الملايين من الدولارات المقدّمة باسم دعم التعليم، تفقد قيمتها إذا ما كانت المناهج لا توازي حجم الدعم المادي كي تصبح العملية متكاملة وتؤتي أكلها. والمتابع لسيرة المنظمات العاملة هناك يعلم تماماً أن هناك مشاريع عديدة في كافة المجالات وهناك وحدة خاصة مشكلة للتنسيق بين تلك المنظمات لمنع التداخل الإنساني- كما هي مسماةـ وفي مجالات حيوية هامة مثل: مشاريع المياه والنظافة والصرف الصحي، ومشاريع زراعية لدعم الأسر، ومشاريع الحماية التي تشمل الطفل والدعم النفسي، وإقامة مساحات آمنة للنساء والفتيات (WGSS)، وإقامة دورات توعية للمرأة في مجالات تنظيم الأسرة والمهارات الحياتية والحمل المبكر ومهارات التواصل، بالإضافة إلى المساعدات العينية التي تشمل السلال: منها الغذائية ومنها للمواد غير الغذائية وسلال مواد النظافة وسلال الكرامة (DK).

ولكن تبقى العملية التعليمية هي بيضة القبان في بناء جيل صحي جسدياً وعقلياً، لذلك نرفع صوتنا عالياً أمام أية هفوة أو خطأ تعتري التعليم وخاصة بالنسبة للمرحلة التعليمية الابتدائية، فكلّنا مسؤول عن ضمان وصول المعلومة الدقيقة والصحيحة لأطفالنا لأنهم اللبنة الأولى في إعادة بناء المجتمع السوري في سورية الجديدة على أسس متينة من الشعور بالإنسانية والإنتماء والدفاع عن الحياة الكريمة والحق والعدالة، بعد التخلّص من كلّ الآثار السلبية التي راكمها النظام المجرم خلال عقود من القمع والاستبداد والشحن الطائفي.

ختاماً أتمنى أن تستطيع المؤسسات التي تمثل الشعب السوري الثائر القيام بواجباتها في الرقابة والتدقيق في جميع المناهج التربوية والتعليمية توخياً لعدم تكرار مثل هذه الأخطاء التي تبعث برسائل سلبية للمجتمع الدولي لا يستفيد منها إلّا النظام المجرم وداعميه.

* كاتب سوري

المصدر: إشراق

التعليقات مغلقة.