الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

المجلس العسكري والهواجس المشروعة

خالد المطلق *

تتداول وسائل الإعلام وبعض اللاعبين في الملف السوري في الفترة الماضية سيناريو قديم جديد طُرح من خلاله تشكيل مجلس عسكري يحكم سورية مرحلياً يمكن أن يكون حسب من روج له بداية حل يضع حد لمعاناة الشعب السوري تحقيقاً لجزء من تطلعاته المشروعة، وليس الغريب أن يأخذ تشكيل هذا المجلس العتيد صدى واسعًا على كافة المستويات ولأسباب أصبحت واضحة للقاصي والداني وعلى رأس هذه الأسباب فشل من تمترس خلف مؤسسات الثورة في تحقيق ولو جزء بسيط من حقوق الشعب السوري وأهداف ثورته وانفضاح أمر هؤلاء بُعيد تصريحات رئيس الائتلاف حول اللجنة الانتخابية التي كان من المقرر أن تشارك من خلالها مؤسسات المعارضة في انتخابات المجرم بشار الأسد وما تبعها من ردود أفعال من جمهور الثورة السورية على مختلف مشاربهم ولم يتوقف هؤلاء عند هذا بل زاد في فضحهم المعلومات المسربة من اجتماعات اللجنة الدستورية حول تماهي رئيس اللجنة الدستورية مع طروحات وفد الأسد في اللجنة وظهر وكأنه ضمن وفد يمثل نظام العصابة في دمشق الأمر الذي أثار الغضب العارم في الشارع السوري والذي تُرجم إلى احتجاجات من قبل التجمعات والهيئات الثورية السورية بإصدارها الكثير من بيانات الرفض لهذه اللجنة ولمن يمثل الثورة السورية فيها على مختلف وسائط التواصل الاجتماعي، وتبعها خطوة بالغة الأهمية قام بها شعبنا في المخيمات من خلال رفع شعارات تسقط هؤلاء وتطالب بمحاسبتهم، ولعل هذه السقطات المبرمجة التي تجلت فيما ذكرنا هي من أدت إلى الارتياح الواسع الأولي لطرح مشروع المجلس العسكري وهذا أعطى بدوره فسحة واسعة من النقاش بين مختلف مكونات الشعب السوري بل اهتمت به بعض الدول الغارقة في الملف السوري كروسيا على الرغم من نفيها وجود هذا المقترح وسيناريو المجلس، إلا أن ما نُشر عن أحدى الشخصيات في إحدى منصات المعارضة أكد أن هذا المشروع تم طرحه على الروس منذ أكثر من ثلاث سنوات ومن أكثر من جهة تمثل الثورة السورية زارت موسكو ولم يلق هذا المقترح أي رد من القيادة الروسية.

وفي تفاصيل تشكيل المجلس العسكري وحسب ما رشح بأنه سيكون بمثابة هيئة حكم انتقالية هدفه السيطرة على السلاح وتفكيك الفصائل والميليشيات غير المنضبطة وطرد المحتل الإيراني من الأراضي السورية وتهيئة الظروف لإقامة دولة مدنية من خلال أحزاب سياسية لا تملك أي جناح عسكري تخوض هذه الأحزاب انتخابات نيابية ورئاسية نزيهة وتتاح فُرص متساوية لجميع مكونات الشعب السوري للمشاركة في هذه الانتخابات بعيداً عن الضغوطات الأمنية والعسكرية وبالتالي تسليم السلطة لِمن سيختاره الشعب السوري وانكفاء العسكر بعد ذلك إلى إعادة هيكلة الجيش والأمن لحماية الوطن والشعب من الأخطار الداخلية والخارجية وبالتالي الحفاظ على وحدة سورية بكافة مكوناتها الدينية والعرقية والطائفية، كل هذا طرحه من تبنى فكرة هذا المجلس من مختلف الأطراف إلا أن هؤلاء جميعاً اختلفوا وكان هناك تباين واضح في طرح البنية التنظيمية لتشكيل هذا المجلس حيث طرح البعض مجلس عسكري يضم الضباط المنشقين فقط وإعلانه الجسم الوحيد الممثل للثورة السورية بهدف سحب البساط من تحت الائتلاف لوضع حد لمزيد من التنازلات المذلة التي كان آخرها ما نتج عن مؤتمر أستانا الأخير والذي أسقط ورقة التوت الأخيرة وعرى هؤلاء تماماً و كشف تماهيهم مع تطلعات وآمال المجرم بشار الأسد في البقاء في السلطة، وللأسف هذا المقترح لم يلق صدى في الأوساط الرسمية العربية والدولية حتى أن بعض الضباط لم يقبلوا بأن يشاركوا به دون وجود غطاء دولي أو عربي لهذا المجلس وهذا ما قوض الفكرة في مهدها، إلا أن البعض ذهب إلى تطوير هذه الفكرة إلى مقترح تشكيل مجلس عسكري يضم ثمانية ضباط من جيش الأسد وثمانية من الضباط المنشقين وأربعة ضباط من قوات سورية الديمقراطية وقد لاقى هذا المقترح ارتياحاً مقبولاً منذ لحظة الإعلان عنه لدى مختلف التكتلات والأجسام الثورية في حاضنة الثورة خاصة أنه يشترط عدم وجود بشار الأسد ومن تلوثت يداه بدماء السوريين، أما المقترح الآخر فكان تشكيل مجلس عسكري مشترك مع ضباط الأسد بنسبة ثلثي ضباط المجلس من جيش الأسد العاملين والمتقاعدين والثلث الأخير من الضباط المنشقين الذين لم تتلوث أيديهم بالدماء مع بقاء بشار الأسد في المرحلة الانتقالية وهذا المقترح للأسف طرح على الجانب الروسي من قبل أشخاص في منصة القاهرة المحسوبة على المعارضة وأعتقد أن هذا السيناريو هو ما تسعى إليه موسكو وستعمل على تنفيذه في حال فشلت في إقناع الأمريكان في بقاء بشار الأسد في السلطة.

من خلال هذه المقترحات والسيناريوهات لتشكيل هذا المجلس نجد أن الجميع بما فيهم الولايات المتحدة الأميركية مصرين على إبعاد بشار الأسد وزمرته من القتلة عن المشهد السوري في أي حل للقضية السورية باستثناء الجانب الروسي والإيراني وحلفائهم في المعارضة والتي ثبت من خلال مؤتمر اأستانا الأخير تماهيهم مع الحل الروسي الإيراني وقبولهم ببقاء بشار الأسد رئيساً لسورية على الرغم من حجم الجرائم التي ارتكبها وهذا يرجع كما أعتقد إلى أسباب عدة لسنا بوارد تفنيدها الآن، أما فرص نجاح هذا المجلس فأعتقد أنها كبيرة نتيجة الظروف الموضوعية التي تمر بها الثورة إذا تحقق شرط إبعاد الأسد وزمرته الحاكمة عن الحكم وأعتقد أن صمت أميركا عن التحركات الروسية وبنفس الوقت منعها تمرير أي حل يُبقي الأسد في السلطة عاملاً هاماً وركيزةً أساسيةً في نجاح هذا المجلس فلا حل يمكن أن ينقذ الشعب السوري من براثن الأسد وعصاباته إلا هذا المجلس لكن وفق شروط دقيقة من أهمها أن يكون هذا المجلس مؤقتًا يحكم البلاد في مرحلة انتقالية ويهيئ الظروف الملائمة لتشكيل أحزاب سياسية وطنية وبيئة مناسبة لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية ديمقراطية ومن ثم يلتفت هذا المجلس أو من سيتولى حقيبة وزارة الدفاع والأركان إلى بناء مؤسسة عسكرية محترفة مهمتها الأساسية حماية سورية وشعبها من الأخطار الخارجية والداخلية، وأيضاً بناء مؤسسة أمنية مهمتها حماية الدولة السورية وتحقيق الأمن والأمان للشعب السوري على المستوى الداخلي والخارجي ومنعها من التدخل في الحياة العامة للمواطن السوري، أما ما يتداول عن أسماء أشخاص يمكن أن يقودوا هذا المجلس العتيد فأعتقد أن هناك هواجس لدى أغلب الشعب السوري من وجود مناف طلاس ابن وزير الدفاع السابق واليد اليمنى للأسد الأب وعراب الأسد الابن مصطفى طلاس في قيادة هذا المجلس نتيجة التجارب المريرة التي مرت بها سورية في عهدي الأسد الأب والابن ودور والده مصطفى طلاس في تنصيب الأسد الابن وتثبيت حكمه ناهيك عن دوره في ارتكاب جرائم بحق الشعب السوري ابتداءً من مجازر حماه في الثمانينات وتفاخره على العلن بأنه كان يوقع عشرات قرارات الإعدام بحق أبناء الشعب السوري الثائر على الأسد ونظامه الإجرامي وهذا ما يجعل الكثير من أبناء الشعب السوري يرفضون وجود طلاس الابن الذي تربى في كنف الأسد وبين أبنائه في قيادة هذا المجلس على الرغم من كثير من إشارات الاستفهام التي تلف شخصيته إلا وفق شروط أهمها عدم توليه أي منصب بعد إجراء الانتخابات النيابية والرئاسية وبهذا يمكن الاطمئنان بأن مناف لن يقوم بما قام به والده ويعيد إنتاج عائلة الأسد من خلال تنصيب حافظ بشار الأسد، وبهذا ستعود سورية إلى ما كانت عليه قبل اندلاع الثورة وسيعود القتلة من نافذة طلاس الابن كما حدث ونُصب بشار الأسد من بوابة طلاس الأب، وأعتقد أن هذا الهاجس يراود أغلب شرائح الشعب السوري على مختلف انتماءاتهم سواء في المناطق المحررة أو في مناطق سيطرة الأسد وعصاباته التي لم تسلم من جرائمهم  وتسلطهم على هذا الشعب المسكين الذي تحمل ما لم تتحمله الجبال من هؤلاء القتلة، وأعتقد أن القبول بهذا الدور لمناف ليس لقناعة كل الشعب السوري بشخصيته باستثناء مجموعة من أصحاب المصالح الشخصية والمناطقية إنما أحد طرق الخلاص من جحيم المعارضة الرخيصة التي باعت دماء الشعب السوري ومعاناته بثمن بخس تحقيقاً لمصالحهم الشخصية والحزبية العقدية المتماهية مع عقيدة نظام الملالي في طهران متغافلين عن حجم الإجرام الذي قام به الأسد وحلفائه الإيرانيون بحق الشعب السوري المكلوم.

* كاتب سوري

المصدر: إشراق

التعليقات مغلقة.