سونيا العلي *
تستعين فاطمة بعكازين في الحركة والتنقل من مكان لآخر، ويبدو على وجهها التعب والإرهاق، وتجد صعوبة كبيرة في تأمين احتياجات أولادها الثلاثة وأداء واجباتها كأم وزوجة، بعد أن تسبب قصف جوي ببتر قدمها منذ أكثر من سنتين.
فاطمة الدياب(30 عاماً) نازحة من مدينة سراقب إلى مخيم كللي بريف إدلب الشمالي هي واحدة من النساء اللواتي أرخت الحرب السورية بظلالها عليهن، وحولهن قصف نظام الأسد وحلفائه إلى معاقات سيحملن إعاقتهن مدى الحياة، فيما تحولت بعض الإصابات إلى عاهات مستديمة نتيجة الإهمال ونقص الرعاية الصحية. فاطمة تتحدث لإشراق عن معاناتها بالقول: “في شهر كانون الأول/ديسمبر عام 2019 كنت في طريقي إلى السوق حين سقط بقربي صاروخ من طائرة حربية وتناثرت الشظايا في المكان، وتسببت إحداها ببتر قدمي وإصابة آخرين”.
تبين الدياب أن الإعاقة شكلت نقطة تحول صعبة في حياتها، وباتت بغمضة عين بحاجة للمساعدة في كل تفاصيل حياتها، وتضيف: “حاجة أولادي لي جعلتني أنهض من جديد وأتماسك وأتظاهر بأنني أقوى من أي وقت مضى.”
تخلى الكثير من الأزواج عن النساء بعد الإصابة، بحجة عجزهن عن الاهتمام بالبيت والأولاد، لتترك المرأة لمصيرها، دون حصولها على أي تعويض مادي يمكنها من العيش بكرامة، فيما يصعب على الكثيرات العمل جرّاء تأثير الإصابة التي تجعل المصابة من ذوي احتياجات خاصة غالباً. سمية الجاسم (29 عاماً) نازحة من مدينة معرة النعمان إلى مخيم “مشهد روحين” شمال إدلب، أم لطفلين، تعرضت للإصابة بشظية قذيفة من قبل حواجز نظام الأسد على منزلها عام 2018، ما أدّى لتضرر عمودها الفقري، تقول لإشراق: “انقلبت حياتي رأساً على عقب، وأصبحت عاجزة، أعتمد على كرسي متحرك في التنقل في أرجاء منزلي، وأطلب مساعدة والدتي وأخواتي في إنجاز أعمال المنزل والاهتمام بالأطفال .”تؤكد الجاسم أن زوجها تعاطف معها في البداية، ثم ما لبثت أن شعرت ببرود مشاعره تجاهها، ولم تتفاجأ حين سمعت بخبر زواجه من امرأة أخرى، مؤكدة أنها تركت منزل زوجها، وانتقلت مع طفليها للعيش في منزل أهلها، وتضيف: “المرأة حين تتعرض للإعاقة لا يكفيها الألم الذي تلاقيه، بل تعاني من نظرة المجتمع لها، بالشفقة حيناً والتهميش أحياناً، وكأنها يجب أن تموت قبل أوانها أو تصبح مثل أي شيء جامد لا دور لها في هذه الحياة.”
وتواجه الكثيرات من مصابات الحرب عجزاً عن تأمين أطراف صناعية بسبب أوضاعهن المادية المتردية، في الوقت الذي لا يوجد فيه أي جهة أو منظمة تهتم بتقديم أطراف صناعية مجانية لهن.
علية الدغيم(25 عاماً) نازحة من بلدة جرجناز إلى مخيم في أطمة الحدودية مع تركيا، بترت قدمها نتيجة شظية من برميل متفجر أواخر عام 2019، تتحدث لإشراق عن وضعها الحالي بالقول: “كنت أدرس التمريض قبل إصابتي، واليوم أواجه آلاماً لا تطاق، حيث أعيش في مخيم للنازحين، وأحاول أن أتأقلم مع حياتي الجديدة، وأتمنى أن أعود إلى دراستي وحياتي السابقة يوماً .” الشابة تستخدم عكازين في التنقل، وتنتظر دورها للحصول على طرف صناعي من إحدى الجمعيات الخيرية، لأنها وضعها المادي لا يسمح لها بشرائه على نفقتها الخاصة، وتشكو من انعدام مقومات الحياة في المخيم العشوائي الذي تقطنه، وبعد المراكز الصحية، وغياب مراكز الدعم والتأهيل اللازمة للمصابين. وعن أمنيتها تقول: “أتمنى الحصول على طرف صناعي يتناسب مع إصابتي بمساعدة المنظمات الإنسانية مما يساعدني على استعادة حركتي ولو بشكل جزئي”.
لا تقف إعاقة النساء عند حدود الجسد، بل تقع الكثير من النساء المصابات في الحرب فريسة الأمراض النفسية، باعتبار مأساة الإعاقة تقع على النساء بشكل أقسى وأصعب، لأن المرأة تتحمل في الحياة مسؤوليات كبيرة، قد لا تستطيع النهوض بها مع وجود إعاقة في جسدها، فالمرأة ليست مسؤولة عن نفسها فقط، بل عليها أن تعتني بمن حولها من أفراد أسرتها.
نور التيزري(42 عاماً) من مدينة إدلب، مختصة بالإرشاد النفسي تتحدث لإشراق عن الآثار النفسية للإعاقة: “تتركُ الإعاقة معاناة أكثر تعقيداً وعمقاً مما نتخيل، تتعدى كونها آثاراً جسدية أو عضوية، وتمتد إلى الآثار النفسية التي قد تبقى وتمتد سنين طويلة حتى بعد أن تشفى الجراح وتختفي”.
وتؤكد التيزري أن الإعاقة تجعل المرأة مع حاجتها للعون الخارجي تشعر بالخيبة والإحباط، كما تعاني من الأعراض النفسية كاضطراب ما بعد الصدمة، والاكتئاب والقلق نتيجة الشعور بالخسارة لفقدان عضو من الجسد، والعجز عن رعاية أسرتها”. وتنصح التيزري بضرورة توفير فرص تدريب وتأهيل النساء بهدف دمجهن في المجتمع، وتركيز الجهود على التوعية المجتمعية للتعريف بحقوق ذوي الإعاقة وتغيير النظرة السلبية.
تعاني النساء ذوات الإعاقة في إدلب من صعوبات وعوائق في الوصول لحقوقهن في العيش الكريم والرعاية الصحية، ويكن أكثر عرضة للعنف والإهمال والاستغلال، وسط ظروف حياتية صعبة.
* صحافية سورية
المصدر: إشراق
التعليقات مغلقة.