
داود رمال *
ربما يظن البعض ان ما نشهده من “عقم” في توليد الحلول واستقالة من “الحس الوطني” محصور فقط بصراع الأشهر الاخيرة من نهاية عهد العماد ميشال عون، لكن من يضمن أن تبقى الأمور قيد السيطرة؟
لم يعد من أمر غير مباح، أو شيء يمكن ستره بين “الحلفاء” أو “حلفاء الحلفاء” أو بين “الخصوم” و”خصوم الخصوم”. كل شيء صار على المكشوف وفوق الطاولة لا بل “يجري نشره على ما تبقى من صنوبر لم يحترق بنيران الفساد الذي دمّر كل شيء”.
يقولها ميشال عون بالفم الملآن “أريد جلسة لمجلس الوزراء الأمس قبل اليوم واليوم قبل الغد وبمن حضر”، هذا الكلام المباح يظن كثيرون أنه موجه فقط إلى غريمه المعلن منذ لحظة انتخابه الأولى وحتى ما قبلها رئيس مجلس النواب نبيه بري. هذا الظن صحيح، ولكن العارفين ببواطن الأمور يعلمون علم اليقين أن المقصود الأول والمباشر هو “الشريك في تفاهم مار مخايل أي حزب الله وعلى وجه التحديد أمينه العام السيد حسن نصرالله”، لأن كرسي الرئاسة التي كان يأمل عون أن تكون “جسر عبور من مرحلة إلى أخرى جديدة” تحوّلت وباعتراف “التياريين” قادة وكوادر وجمهوراً إلى “قفص محكم غير قابل للفتح أو الإفلات منه بفعل صلاحيات معدومة وتوافقات غير ممكنة وانكفاء للشريك (أي حزب الله) لأن أولوياته ليست لبنانية إنما استراتيجية وعابرة للحدود”.
من حيث لا يتوقع وجد نجيب ميقاتي نفسه يقف في المنتصف، “صحيح هو ينتهج الوسطية سلوكاً ومنطقاً وممارسة، لكن موقع المنتصف في وضعه الراهن يضعه بين مفترقات ثلاثة، إما أن ينحاز إلى إصرار عون على الدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء لان تكريس مراسيم الموافقات الاستثنائية في ظل حكومة دستورية وقانونية قائمة أمر لا يركب “على قوس دستور”، وحينها تفتح الأبواب على كل الاحتمالات، وإما يبقي على محاولاته التي لن تصل إلى أي نتيجة إذا لم يسبقها تطيير المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، وفي ذلك خطورة مماثلة لأن التطورات المرتبطة بالانهيار المعيشي والاقتصادي والمالي والنقدي دراماتيكية، وإما أن يبقي خطوط أصدقاء الخارج وتحديداً فرنسا والفاتيكان مفتوحة للتدخل . إلا أن هذه الخطوط طوّقت ببيانات مشتركة صوّبت على صاعق التفجير اللبناني، بدأت في الرياض خلال قمة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان وجالت مع الأخير على كل عواصم دول الخليج، وهي بيانات تعتبر مفتاح الحل بحسم حصرية السلاح في لبنان بيد الدولة واستكمال تنفيذ القرار الدولي الرقم 1559 والتعامل مع حزب الله بوصفه “منظمة ارهابية”، وهذا بحد ذاته إشعال للنار وأمرٌ لا يحتمله أحد في الداخل اللبناني”.
هذه التعقيدات المتعاظمة تؤشر إلى حقيقة مرّة يحاذر أي من الفرقاء في السلطة النطق بها وهي “أن القوى الأساسية في الحكومة الحالية وخارجها لا تريد إجراء الانتخابات النيابية وتتوجس من نتائجها حتى لو لم يتغير الكثير إنما من مقاطعة تفضي إلى فقدان المشروعية الشعبية، والتفاوض غير المعلن هو هل يكون التمديد لسنة أو سنتين؟ وهل يكون تمديداً شاملاً بدءاً بالمجلس النيابي ورئاسته حكماً، وصولاً إلى رئاسة الجمهورية وبينهما بالتأكيد الرئاسة الثالثة (رئاسة الحكومة) مع الحفاظ على تركيبة الحكومة الحالية ولكن بعد إدخال تعديلات عليها إذا أمكن ومن باب التنويع، أم يذهب الجميع إلى فراغ يعشعش في كل المواقع الدستورية من خلال تحلل كل المؤسسات بحيث يصبح الجلوس إلى طاولة المؤتمر الوطني (التأسيسي) أمراً محتوماً لا مفر منه من أجل التوصل إلى صيغة سياسية جديدة تؤمن استمرارية للكيان الذي عادت لتتقاذفه طروحات الفيدرالية والكونفيدرالية؟”.
بين إصرار عون على عودة مجلس الوزراء للانعقاد، ورفض ثنائي “أمل” و”حزب الله” تسهيل الأمور قبل “تطيير” طارق البيطار وكل مفاعيل قراراته التي يرتابون منها، وإصرار ميقاتي على تدوير الزوايا لمنع جعله طرفاً مع جهة ضد جهة أخرى، فإن مسارات الانهيارات الداخلية وعلى كل المستويات ستتسارع، بينما سيبقى العالم ينصح ويحذر ويؤشر إلى حيث يجب أن يبدأ الحل، من دون أن يحرّك ساكناً لاستنقاذ جزئي للوضع المتهالك”.
“لقد وفى اللبنانيون وكفوا بحق بلدهم. دمروا اقتصادهم ووظيفة بلدهم وعاثوا فساداً كما لم يشهد نظامهم الطائفي من قبل”، يقول مرجع لبناني، ولا ضير عند بعض دول القرار الكبرى “أن ينتهي الوضع في لبنان إلى دمار شامل من دون إطلاق طلقة نار واحدة، بعد اكتشاف السلاح الأمضى وهو الحصار والعقوبات وتدمير الاقتصاد والنقد الوطني”، وما يُدلّل على ذلك هو ما تُردده شخصية لبنانية زارت واشنطن مؤخراً وخلاصته، “أولوية الأولويات هي الصين والضغط المباشر على روسيا عبر الجبهة الأوكرانية لتقديم تنازلات في ملفات استراتيجية، أما لبنان فليس في خارطة الاهتمام الأميركي، من الآن وإلى ما بعد التسويات على مستوى الإقليم . بالإمكان أن تنتظروا على البارد أو على الحامي، وفي كلا الحالين مشهدية الانهيار اللبناني الشامل لن تتبدل أو تتوقف”. “متغير وحيد قد يقلب الموازين، وهو نار عابرة للحدود وفي أكثر من اتجاه”، يقول الزائر نفسه!
* صحافي لبناني
المصدر: 180 بوست
التعليقات مغلقة.