الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

كيف أصبحت تايوان أخطر مكان على وجه الأرض؟

محمد المنشاوي *

وصفت مجلة «إيكونوميست» (The Economist) البريطانية الشهيرة فى تموز/ يوليو الماضي تايوان بأنها «أخطر مكان على وجه الأرض»، لما تمثله من معضلة كبيرة للصين وللولايات المتحدة معا.

وتبعد جزيرة تايوان عن الأراضي الصينية بأقل من 200 كيلومتر، وتعتبرها بكين مقاطعة منشقة يجب عودتها للبيت الصيني الواحد، فى حين تُدعم واشنطن تايوان عسكريا وتمدها بأحدث ما لديها من أسلحة لردع الصين.

وخلال الأشهر الماضية، لا يمر أسبوع دون أن ترسل بكين عشرات الطائرات العسكرية إلى منطقة الدفاع الجوي المحاذية للمجال الجوي لتايوان، وقال الرئيس الصيني “شي جين بينج” قبل أشهر إنه سيكمل «المهمة التاريخية» المتمثلة فى إعادة توحيد الجزيرة مع الصين، «بالطرق السلمية»، إلا أن ’شي‘ رفض فى وقت سابق استبعاد القيام بعمل عسكري.

وبسبب التوترات المرتبطة بتايوان التي تضاعفت عقب توتر العلاقات المستمر بين واشنطن وبكين، يخشى كثير من المراقبين سيناريو كارثيا يتمثل فى غزو الصين للجزيرة، واضطرار الولايات المتحدة للتدخل، وهو ما يهدد بإشعال حرب بين القوتين الكبريين فى عالم اليوم، وهو سيناريو يصعب معه تخيل وجود طرف منتصر فى نهايته حيث لحرب بينهما أن تفنى البشرية.

  • ••

ويُجرى البنتاجون كثيرا من المناورات العسكرية التي تحاكى القتال مع الصين، بخاصة مع إيمان أغلب المحللين والباحثين فى واشنطن أن غزو الصين لتايوان ما هو إلا مسألة وقت، ويترك ذلك التحرك حال حدوثه متخذ القرار فى البيت الأبيض أمام خيارات مصيرية، فقد تعهدت واشنطن بدخول الحرب إذا أقدمت الصين على ضمّ تايوان بالقوة المسلحة. ومن جانبها يحاكى الجيش الصيني باستمرار هجمات تُشن على حاملات طائرات أمريكية.

وخلال جلسة استماع أمام لجنة فى مجلس الشيوخ الأمريكي، حذر الأدميرال الأمريكي فيليب ديفيدسون من احتمال غزو الجيش الصيني تايوان. وكان ديفيدسون، قائد القوات الأمريكية فى منطقة المحيطين الهندي والهادي، قد توقع أن الصين قد تغزو تايوان فى غضون 6 سنوات، وأشار إلى خشيته من أن يكون الصينيون بصدد تسريع مشروعهم الرامي للحلول محل الولايات المتحدة بصفتها أكبر قوة عسكرية فى تلك المنطقة.

من هنا تضع الإدارات الأمريكية المتعاقبة مواجهة الصين فى قلب أجندتها السياسية والاستراتيجية، بوصفها التحدي الأكبر فى هذه الحقبة. وجاء الإعلان عن الاتفاق الأمني الثلاثي الذى يجمع بين واشنطن ولندن وكانبيرا، وما سبقه من تكتل رباعي تقوده الولايات المتحدة مع اليابان والهند وأستراليا، ليدفع الصين إلى اتهام الولايات المتحدة مجددا بشن حرب باردة جديدة عليها.

ويرى الصينيون أن بلادهم محاصرة بهلال عسكري أمريكي من الشرق والجنوب. ويتوقع كثير من الخبراء أنه مع الزيادة الضخمة فى حجم الاقتصاد الصيني وتراكم الثروة، ستتجه الصين إلى توسيع قدراتها العسكرية وستبدأ بمحاولات الهيمنة على جيرانها أولا.

  • ••

ولأكثر من 7 عقود، هدد الحزب الشيوعي الصيني بغزو تايوان، وتتزايد الآن المخاوف بين المحللين والمسئولين والمستثمرين من تنفيذ الحزب تهديده خلال السنوات القليلة المقبلة.

وعلى مدى 30 عاما بعد استيلاء الحزب الشيوعي على السلطة فى الصين عقب حرب أهلية مع منافسه الحزب القومي، لم تعترف واشنطن به بوصفه حكومة شرعية للصين، وبدلاً من ذلك، كان لها سفارة فى تايبيه، حيث أقامت بقايا جمهورية الصين- التي كان يديرها القوميون- دولة بعد فرارهم إلى تايوان عام 1949.

ومع التحولات الجيواستراتيجية فى سبعينيات القرن العشرين، أرست واشنطن وبكين الأساس للتقارب بينهما لمواجهة الاتحاد السوفييتي. وفى بداية عام 1979، اعترفت الولايات المتحدة اعترافا دبلوماسيا رسميا بجمهورية الصين الشعبية التي يديرها الشيوعيون، وقطعت علاقاتها الدبلوماسية الرسمية مع تايوان، لكنها احتفظت بعلاقات قوية ومتينة معها.

وبذلك اعترفت واشنطن بجمهورية الصين الشعبية باعتبارها الحكومة القانونية الوحيدة للصين، كما اعترفت بموقف بكين من أنه لا توجد سوى صين واحدة وأن تايوان جزء منها.

غير أن الولايات المتحدة لم تؤيد مطلقاً ادعاء الحزب الشيوعي بأن جمهورية الصين الشعبية تتمتع بالسيادة على تايوان، ويعرف هذا باسم «سياسة الصين الواحدة»، وتعتبر بكين الجزيرة التي تضم نحو 24 مليون نسمة مقاطعة ضالة يجب إعادتها إلى الحظيرة، ويفضل أن يكون ذلك بطرق سلمية، أو بالقوة إذا لزم الأمر.

  • ••

وترى الكثير من المدارس الفكرية استحالة قيام نزاع عسكري بين الصين والولايات المتحدة اعتمادا على حجم وكثافة العلاقات التجارية والاقتصادية التي تخطت قيمتها 700 مليار دولار العام الماضي، إضافة إلى امتلاك الطرفين أسلحة نووية وصواريخ عابرة للقارات.

لكن هذه المدارس تتجاهل التجارب التاريخية التي كشفت أن ضخامة العلاقات التجارية والاقتصادية بين ألمانيا وبريطانيا وبقية جيرانها قبل الحرب العالمية الثانية لم تمنع من دخول الحرب. فالاعتماد المتبادل فى الجانب التجاري والاقتصادي ليس كفيلا بضمان السلام، فالسياسة هي من يحرك الاقتصاد وليس العكس.

من ناحية أخرى، يمكن أن تقع الحرب على نطاق بحرى فقط أو فى منطقة جغرافية محددة بما لا يستدعى اللجوء إلى الأسلحة النووية. وعرفت الحرب الكورية هذا النموذج، إذ شاركت الولايات المتحدة داعمة للجنوبيين، وتدخلت الصين مع الشماليين ولم تستخدم الأسلحة النووية. كما حدثت مواجهات غير مباشرة مختلفة بين الاتحاد السوفييتي السابق والولايات المتحدة فى عدد من بقاع العالم دون أن يتم اللجوء إلى السلاح النووي.

وهكذا تعد تايوان آخر وأول وأهم ساحة للتنافس بين الصين وأمريكا، ورغم أن الولايات المتحدة ليست ملزمة بموجب معاهدة للدفاع عن تايوان، فإن الهجوم الصيني سيكون اختبارا للقوة العسكرية الأمريكية وهيمنتها الدبلوماسية والسياسية، فهل تدافع واشنطن عن الجزيرة التي تبعد عنها ما لا يقل عن 13 ألف كيلو متر، أم ستتركها لمصيرها وتتنازل عن هيمنتها العالمية؟.

* كاتب صحفي مصري متخصص في الشئون الأمريكية

المصدر: الشروق

التعليقات مغلقة.