سمير خراط
بالعودة تاريخيًا إلى حركة الانسان وتطوره بالتدريج وكيف أنشأ تجمعات كبرت حتى أصبحت قبائل وعشائر وشعوب تتنقل سعياً وراء لقمة عيشها إن كان عبر الصيد أو الزراعة مما خلق تقسيمات بتلك التجمعات بين قوة عاملة وقوة حاكمة إدارية إلى قوة حماية لتلك التجمعات إن كان من هجمات الحيوان أو القبائل الأخرى، هذه الظروف خلقت لدى الإنسان رغبة شديدة للتحكم والهيمنة على القبائل الأخرى أو حتى على بعض أفراد تجمعاتهم وقبائلهم بالذات مما خلق فقدان شيء لهذا الانسان البسيط وهو القرار بالحركة وإدارة أموره أو حتى التعبير عن رأيه، وهو بالمعنى الصريح فقدان حريته الشخصية، ليتطور هذا الفقدان ويتحول إلى درجة من درجات الاستعباد، ونعلم جيداً كم من ثورة كتبها لنا التاريخ لشعوب ثارت على حكامها ومجتمعاتها تنادي بحريتها، حتى ظهر بالمجتمعات مفكرين وحكماء بدأت بوضع أسس يتوجب اعتمادها لمفاهيم الحرية وأبعادها بالمجتمعات، وهنا لا بد لنا أن نعود الى شعوب ما بين النهرين وتطور المفاهيم الاجتماعية ونظم القوانين لإدارة المجتمع بشكل أكثر عدالة، وبلا شك لا يمكن أن ننكر ثورة العبيد بروما وسبارتكوس أو حتى ثورة العبيد ببلاد مصر على الفراعنة حتى نصل الى الثورة الفرنسية التي أعطت المعنى الحقيقي للثورة الاجتماعية والمطالبة بالحرية والعدالة والمساواة والخلاص من الحكم الملكي المطلق حين ادعوا أنه ميراث من السلطة الربانية، بلا شك كانت تنظيرات مفكري ذاك العصر أكثر تأثيراً على مفاهيم الحرية انطلاقا من (فولتير) الى ( كانت ) عبوراً بكبار مفكري القرن العشرين الذين نادوا بحريات الشعوب حتى المرأة التي كانت أكثر تأثرا بظلم العبودية لأنها العنصر الأضعف في المجتمع ، ومن هؤلاء سيمون ديبيفوار وسارت وفلسفتهما الجديدة إلى مفهوم المجتمع وعلاقة الفرد به وحريته الشخصية، مما سيقودنا بلا شك الى تحديد مفهوم الحرية بالمعنى المطلق وأخص بهذا التحديد ( كانت ) الذي كان له تأثيره على المجتمع الأوربي ككل كي يتثنى لنا فهم الثورات التي سمعنا بها أو نعيشها اليوم وحتى التي قرأنا عنها.
في مفهوم الحرية يمكن القول: تعرّف الحرية على أنّها قدرة الفرد على اتخاذ القرار وتحديد خيارٍ معينٍ من بين مجموعةٍ من الخيارات المتاحة دون أيّ شكلٍ من أشكال الإجبار، والضغط، ووضع الشروط، كما أنّها تعني أيضاً إطلاق العنان لطاقات الإنسان وإنتاجيته في المجالات المختلفة دون أيّ نوعٍ من القيود المادية، أو المعنوية، فالحرية تشمل التخلّص من العبودية سواءً للذات أم الجماعة، وقد قسم المنظرون ومنهم (كانت) الحرية إلى عدة مفاهيم وأقسام منها:
الحرية السالبة:
يقصد بهذا النوع من الحرية الحقّ الطبيعيّ للإنسان باتخاذ قراراتٍ معينةٍ في مسيرة حياته، كما تعرف هذه الحرية أيضاً بالحرية الشخصية في العصر الحديث.
الحرية الموجبة:
هي الحرية المعطاة للإنسان حتّى يستطيع ممارسة الحرية الشخصيّة أو السالبة، فعلى سبيل المثال لو كانت الحرية السالبة هي حرية إبداء الرأي، فالحرية الموجبة تعني استخدام الإعلام لممارسة الحرية السالبة.
الحرية الخارجيّة:
هي الحرية الاجتماعية العامة والتي لها علاقةٌ بكلٍّ من الظروف الاجتماعية والسياسية المحيطة بالفرد.
الحرية الداخليّة:
هي الحرية المرتبطة بالشخص، فهي حريةٌ تنبع من نفسه الداخلية.
الحرية الفرديّة:
هي حرية قول وإبداء الآراء الشخصيّة ووجهات النظر المختلفة، بالإضافة إلى حرية الإنسان في اختيار مكان العيش، أو التخصّص المراد دراسته.
الحرية الاجتماعيّة:
هي تعني الحرية التي يجب أن يتمتّع بها أفراد المجتمع كاملاً.
أما إذا بحثنا بالإسلام وفلسفته الاجتماعية بمفهوم الحرية، لن نجدها متضاربة مع ما نادى به كبار فلاسفة العصور فقد أعطى الإسلام للفرد العديد من أشكال الحريات، ولعلّ أهمّ أشكالها هي الحرية الشخصية، وقد بدا ذلك جلياً واضحاً من خلال وضع الإسلام للعديد من التعاليم من ضمنها أنّ كلّ إنسان حرٌ بذاته، ولا سيادة لأحدٍ على أحدٍ تحت أي ظرفٍ من الظروف، كما لم يفرّق الإسلام بين الإنسان الحر أو العبد في الحقوق فقد عاملهم معاملةً واحدة، ومن المعروف أنّ الناس في الدين الإسلاميّ سواسيةٌ كأسنان المشط لا فضل لأحد على أحد إلّا بالتقوى والقرب من الله سبحانه وتعالى، وقد دعا الإسلام إلى تحرير رقاب العبيد والتخلّص من صور العبودية التي كانت موجودةً في الجاهلية من خلال العديد من التعاليم الدينية، بالإضافة إلى تقرير الإسلام لحرية العقيدة والتوحيد، وقد تمثل ذلك في قوله تعالى (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)، بالإضافة إلى حرية الكسب، والتملك، حيث أعطى الإٍسلام الحرية الكاملة للإنسان في التملك من خلال العمل المشروع، على عكس العديد من الأنظمة السياسية العالمية التي تحرّم امتلاك الممتلكات المختلفة وتنسبها جميعاً لدولةٍ معينةٍ، أو فئة محدّدةٍ، وبذلك يتبين لنا أن مفهوم الحرية منذ عمق التاريخ كان صريحاً بمعناه أن الانسان حر منذ ولادته حتى وصل الفرد بالمجتمع لدرجة أنه تنازل عنها بموجب ما نسميه اليوم بالعقد الاجتماعي الذي يفوض بموجبه فئة من المجتمع على إدارة شؤونه لتشعبها بالمجتمع وكثرة تداخلاتها والضرورة على قيام مختصين مختارين بإدارة أموره، ولكن هذا لا يعني أنه فقد حقوقه كونه قادر دوما على القيام بثورة من جديد للإطاحة بمن يشذ أو يسيئ في إدارة هذه الحرية الشخصية والحقوق بالشكل المكتسبة للمواطن.
سمير الخراط :
كاتب وباحث اقتصادي سوري، مقيم في باريس
التعليقات مغلقة.