الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

عندما تتحالف إيران وإسرائيل سراً

هديل الحسين *

  • مقدّمة
  • أولًا: إثنيّات و طوائف
  • ثانيًا: تقيّة سياسيّة
  • ثالثًا: سنوات اليمين
  • رابعًا: انحسار الحداثة
  • خامسًا: تحوّلات جديدة
  • سادسًا: الاتفاق الشامل
  • أخيراً: الهوامش

مقدّمة:

إن علاقتنا مع إيران كانت قوية ومتجذّرة جدًا في النسيج الاجتماعي لشعبينا” هذا ما قاله مسؤول كبير في العلاقات الخارجية الإسرائيلية بعد عودة آيت الله الخميني إلى بلاده عام 1979. في هذا الوقت كانت طهران تبدو كمحاور طبيعي بين كل من تل أبيب وواشنطن، وبعد ثلاثين عامًاً صار سياسيو الغرب يقولون ومعهم إسرائيل إنهم أساؤوا تقدير الثورة الإسلامية على حقيقتها.

كان دافيد بن غوريون مؤسس إسرائيل يقول: “دولة إسرائيل جزء من أوروبا وليست جزءًا من الشرق الأوسط، وُجدت دولة إسرائيل في هذا الشرق كحادثة جغرافية مغلوطة، ليس لدينا شيء مشترك مع العرب فثقافتنا، ونظامنا السياسي، وعلاقاتنا كلها ليست ثمرة هذه المنطقة ولا نتاجها، وليس بيننا تقاربات سياسية، ولا دعم دولي مشترك”(1).

أولًا: إثنيّات وطوائف

حاول بن غوريون إقناع واشنطن أن بلده إسرائيل يشكل لهم مكسبًا سياسيًا في الشرق الأوسط، ولكن إيزنهاور الرئيس الأميركي بين 1958و 1961 فضّل إهمال هذه الادّعاءات مقتنعاً أنه من الأفضل للولايات المتحدة الأميركية، أن تدافع بنفسها عن مصالحها في الشرق الاوسط من دون الحاجة إلى إسرائيل؛ فاخترع القائد الإسرائيلي بن غوريون- ردًّا على الرفض الأميركي- مفهوم “التحالفات المحيطية” لكسر ثقل الدول العربية، وذلك بالتقرب إلى إيران وتركيا وأثيوبيا، ليعزز قدرة إسرائيل على الإقناع وليخفف من عزلتها، ويدفع أميركا لتراها كمكسب لها في الشرق الأوسط، وإلى جانب هذه الفكرة فإن بن غوريون خطّط وهندّس لفكرة “تحالف الأقليات”، وفكّر في هذا التحالف، ليس في الأتراك والإيرانيين فحسب، إنما في اليهود والأكراد والدروز والشيعة والمسيحيين الموارنة في لبنان.

لقد زعم بن غوريون أن أغلبية أو أكثرية سكان الشرق الأوسط ليسوا عربًا، لذلك من الضروري تشجيع نزعات الانفصال الطائفي والعرقي عند كل الأقليات، ولا بدّ من خلق جزر من الموالين لإسرائيل في وسط محيط القومية العربية. وضمن هذا المنظور تطور التحالف الطبيعي بين إسرائيل وإيران؛ ففي كتابه(2) Treacherous Alliance كتب الأستاذ الجامعي “تريتا باريس” عن مظاهر التعاون بين  إسرائيل وإيران، وكتب عن المساعدة العسكرية للأكراد في العراق بين عامي 1970 و 1975 بهدف إضعاف العراق. و كانت إيران و إسرائيل تتقاسمان أيضًا شعور الفوقية (الفوقية الثقافية) بالنسبة إلى القومية العربية.

ثانيًا: تقيّة سياسيّة

لكن، كان لهذا التوافق حدوده [التي يقف عندها]، فإيران الشاه بلد مسلم؛ لذلك حاولت إيران، وأصرّت، أن يبقى هذا التوافق والتواصل سريّاً، ما أثار إزعاج تل أبيب، وعلى الرغم من أن هذا قد يبدو صعب التصديق، إلا أن هذه العلاقة والتقارب والانجذاب بين البلدين بقيت قائمة بعد الثورة الإيرانية؛ ما دفع سياسيين إسرائيليين- حتى من اليمين وخصوصًا رئيس الوزراء مناحيم بيغن- لأن يمد يده إلى حكام طهران الجدد، وكما أن ذرائعية آيت الله الخميني في سياسته الخارجية، كانت تبرر له موقفه هذا من إسرائيل؛ حيث كان يقول إنه مهدد من العرب المعادين له، وخصوصا أن الحرب العراقية الإيرانية كانت قد بدأت في أيلول 1980، حيث فهم الإيرانيون بشدة ضرورة المحافظة على علاقات الصداقة السرية مع إسرائيل، وما نتج عن هذه العلاقة من دعم تقني إسرائيلي لإيران، ولاسيما في مجال التسليح . يقول “يوسي ألفير“، مسؤول سابق في الموساد: “إنّ منطق تطوير العلاقات المحيطية بالدول غير العربية المحيطة بالعرب تأصّلت، وانغرست في العقلية الإسرائيلية حتى صارت غريزية”(3). لدرجة أن إسرائيل استطاعت أن تقنع أميركا في أواسط الثمانينيات بضرورة تزويد طهران بالأسلحة ضد العراق، وكان هذا مقدمة لفضيحة إيران غيت(4).

ثالثًا: سنوات اليمين 

عزز الانتصار الانتخابي لمناحيم بيغن واليمين الإسرائيلي عام1977، نظرة اليمين الراديكالية بالنسبة إلى حزب العمال، النظرة المستندة إلى أفكار زعيم صهيوني قديم هو “فلاديمير زيف جابوتينسكي” الذي كتب في مقال شهير له في عام 1923، عن جدار الحديد يقول فيه: “إن أي توافق مع العرب هو شيء مستحيل، وأن العرب فقط عندما يفقدون الأمل نهائياً في القضاء التام علينا سيتخلون عن قادتهم المتطرّفين، ويظهر قادة معتدلون يقبلون بتنازلات متبادلة”(5).

مثلْ ’جابوتينسكي‘، فإن بيغن كان مقتنعًا أنه ليس لإسرائيل خيارٌ آخر غير الهيمنة العسكرية على العرب بدعم أميركي طبعًا، وإلى جانب الهيمنة العسكرية، سيطرت على إسرائيل فكرة تحالف الأقليات في المنطقة و صارت تخطط لتنفيذها، ونتج عن ذلك غزو لبنان في عام 1982، بهدف طرد منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان وتثبيت سلطة الموارنة في بيروت، لكن حساب إسرائيل كان خاطئًا حيث أنها ساهمت في الإسراع بتدهور السلطة المارونية في لبنان. وبعد هذه التغيرات بدأ تشكّل حزب الله في جنوب لبنان وسهل البقاع، ما جعل فكرة تحالف الأقليات في هذه المرحلة تبدو وكأنها في خطر.

رابعًا: انحسار الحداثة

بعد خسارة المغامرة اللبنانية، هدأت العلاقة بين إسرائيل و إيران، و كان هذا الانعطاف ناتجًا عن قراءات مغلوطة، تتقاسمها إسرائيل وأميركا؛ فقد شكّلت الثورة الإيرانية نقطة القطيعة مع سردية الغرب ورغبته في تحويل إيران من التاريخ نحو الحداثة، فالغرب كان يعتقد أن جوهر هذه الثورة فارغ، وأن ذرائعية إيران ستعيدها من التاريخ نحو الحداثة، وأن ما يحصل كان خطأً، لابد للوقت من أن يكون قادرًا على معالجته، وكانت واشنطن- ومعها تل أبيب- تبحث بشكل حثيث عن كل سياسي معتدل في إيران، وعن علامات مصالح تقربها إلى إيران، علماً أن الدبلوماسيين الذين كانت ترسلهم إيران للغرب كانوا يعزّزون لدى إسرائيل فكرة هذه المصالح التي ستنتهي بكل تأكيد على المدى الطويل إلى حلف بين إسرائيل وإيران.

في الواقع، إن محاولة الغرب وإرادته في فرض مفهومه في الحداثة والعلمانية كان أكثر ما رفضه حكام إيران، فقد كان لهم مفهومهم الخاص عن الحداثة ونظرتهم الخاصة فيما يخص بناء مستقبلهم السياسي والاجتماعي كإيرانيين، وكانوا يريدون لهذا المفهوم أن ينتصر، فتصدى حكام إيران كليا لوجهة النظر الغربية للمجتمع، وأوقفوا كل محاولة غربية لنشر مفاهيم ثقافتهم العلمانية والمادية والاقتصاد الليبرالي، حيث يعتقد عدد من سياسيي إيران أن هذه المفاهيم صارت قديمة، وتفوح منها رائحة الكولونيالية، لكن هذا الرفض لنشر الفكر الغربي لم يعنِ أبدًا أن إيران كانت تريد سحق إسرائيل والقضاء عليها، فما سمي الثورة الإيرانية لم يكن لها نهج عدائي ولم تهدد حقاً لا إسرائيل ولا أميركا.

خامسًا: تحوّلات جديدة 

في عام 1988، بعد نهاية الحرب العراقية الإيرانية، وقعت إيران على قبول إنهاء حالة الحرب مع العراق، لكن حادثتين أساسيتين حدثتا بين عامي 1990و 1992 كان لهما أثر ووقع كبير على المنطقة؛ انهيار الاتحاد السوفياتي، وخسارة صدام حسين في حرب الخليج 1990-1991، وبهذين الحدثين اختفى خطران في الوقت نفسه؛ الخطر السوفياتي على إيران، والخطر العراقي على إسرائيل، فصارت إسرائيل وإيران الدولتين المتنافستين الوحيدتين على المنطقة، في الوقت الذي تأكدت فيه الولايات المتحدة الأميركية كقوة عظمى وحيدة وغير قابلة للجدل في العالم.

خافت إسرائيل خلال حرب الخليج أن تعدّها أميركا عائقًا معرقلًا لها، وضغطت واشنطن على إسحاق شامير بين عامي 1990 و1991 حتى لا يرد الجيش الإسرائيلي على ضربات صواريخ الجيش العراقي. ومن ناحية أخرى فإنّ فكرة الهيمنة الإيرانية على المنطقة كانت تزعج السيادة الإسرائيلية العسكرية على هذه المنطقة، لأنها أيضًا كانت تمثّل احتمالًا خطِرًا في التقارب بين واشنطن وطهران، وفي عام 1992، وعندما نجحت حكومة حزب العمال بقيادة إسحق رابين باستلام السلطة بعد نجاحها في الانتخابات، قرر رابين التخلي عن فكرة التقرب إلى الدول المحيطة بالدول العربية وقرر أن يصنع السلام مع العرب، ما أحدث تغييرًا جذريًّا.

أعلن ’ألفير‘، مستشار إسحق رابين وقتها لجريدة نيويورك تايمز أن إيران يجب أن تبدو في الصحافة كالعدو الأول، وصار موالو إسرائيل في أميركا يتحدثون عن قرب امتلاك إيران للقنبلة النووية، ونبّه شمعون بيريز المجتمع الدولي أن إيران قد تحصل على القنبلة النووية في عام 1999، ولكنّ أفرادًا كُثراً من إدارة كلينتون، ومن شخصيات المؤسسات الإسرائيلية، لم يأخذوا هذا الأمر على محمل الجدّ، وصارت القصة بينهم موضوعا للتندر: “بقي لإيران ستة أو سبعة أعوام لتحصل على القنبلة النووية”، وفي عام 2009 كانوا يكررون الأمر نفسه: “بقي لإيران ستة أو سبعة أعوام قبل أن تحصل على القنبلة النووية”. وقتها قررت إسرائيل أن تبدأ المفاوضات مع ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الذي خرج ضعيفًا بسبب خسارة العراق في حرب الخليج، قرر إسحاق رابين وشمعون بيريز أن يُلهيا اللوبي اليهودي في أميركا بشيطنة إيران حتى يبعدا الأنظار عن رغبتهما في التفاوض مع العرب. أراد رابين وبيريز توجيه طاقة اللوبي اليهودي الأميركي بعيدًا عنهما، فالتفت هذا اللوبي إلى الحديث عن الخطر المميت للسلاح النووي الإيراني بدلًا من الالتفات إلى هذين القائدين الذين تعشّيا مع ياسر عرفات، وخانا فكرة جابوتينسكي الكارهة للعرب.

وفي هذه الأثناء طوّرت الولايات المتحدة الأميركية استراتيجية موازية، حاولت بها حث الدول العربية على الاصطفاف خلفها، محارِبةً معها الدول المارقة (البربر الذين يهاجمون قيم الغرب ومؤسساته وحرياته وحضارته)، وعرفت هذه الاستراتيجية تسارعًا كبيرًا بعد انتصار بوش في انتخابات تشرين الثاني عام 2000.

سادسًا: الاتفاق الشامل

قال المعلق المحافظ البارز الأميركي “ويليام كريستول” عام 2003، يجب أن تكون أميركا الأداة التي تدق أجراس موت الثورة الإيرانية وبهذا نضرب عصفورين بحجر واحد، فيتحول حتى العرب في المنطقة إلى مطيعين محطّمين، وتسقط المنطقة كلها مثل أحجار الدومينو. وعلى الرغم من أن إيران حاولت التعاون مع واشنطن؛ فساعدتها في حرب أفغانستان عام 2002، وساعدتها في حرب العراق عام 2003، وعلى الرغم من محاولات إيران الحثيثة للوصول إلى اتفاق شامل مع أميركا، إلا أن أعضاء بارزين في حكومة بوش عطلوا هذه المحاولات، فعملت إيران جاهدة في عام 2003، لفتح حوار مع واشنطن في كل المواضيع؛ برنامج إيران النووي، التخلي عن حماس وحزب الله، الاعتراف بإسرائيل، مسألة التدخل الأميركي، ولكنّ جميع هذه المحاولات باءت بالفشل.

في عام 2003، عدّت أميركا استعداد إيران لفك ارتباطاتها مع حزب الله وحماس واستعدادها للقبول بإسرائيل دليلًا على ضعف إيران بسبب انتصار أميركا في أفغانستان والعراق، وأن موقفها هذا ناتج عن نجاح الضغوط عليها، وكانت واشنطن قد ارتكبت خطأً في رفضها التفاوض فانغلقت في نظرتها الحديّة المانوية، وقسمت الشرق الأوسط إلى معتدلين ومتطرفين، أخيار وأشرار، وكانت محاولة السياسة الأميركية في فرض رؤيتها الليبرالية للمستقبل على شعوب الشرق الأوسط، قد دفعت شعوب الشرق الى تبني سياسة معادية لمصالح، تكاد أن تتحول الى حقيقة.

اسم الكاتب: (ألاستير كروك  Alastair Crooke)

مكان و تاريخ النشر: جريدة اللوموند ديبلوماتيك في شباط/ فبراير ٢٠٠٩

رابط المادة الأصلية: https://www.monde-diplomatique.fr/2009/02/CROOKE/16771

والسيد ” ألاستير كروك ” كان المستشار السابق الخاص للسيد ’’خافيير سولانا‘‘ بين عامي ١٩٩٩ و٢٠٠٣، عضو سابق في هيئة ميتشل المسماة من الرئيس كلينتون للبحث في أسباب الانتفاضة الثانية بين عامي ٢٠٠٠ و٢٠٠١ .

الهوامش:

(1) كتبها أفي شلايم

Avi Shlaïm, « Israel, the great powers, and the Middle East crisis of 1958 », Journal of Imperial and Commonwealth History, في لندن عام ١٩٩٩

(2) Trita Parsi, Treacherous Alliance. The Secret Dealings of Israel, Iran, and the US, Yale University Press, New Haven, 2007.

(3) هذا ما كتبه تريتا بارسي Trita Parsi في الصفحة ٩١.

(4) هذه الفضيحة التي هزت أركان ادارة ريغان في منتصف عام ١٩٨٠. حيث وضعت تحت الشمس أن أميركا باعت الأسلحة إلى إيران على الرغم من منع الكونغرس. .

(5)  من الممكن قراءتها بشكل كامل في  Sionismes. Textes fondamentaux, التي قدم لها Denis Charbit Albin Michel, باريس ١٩٩٨.

(6) هذا ما كتبه تريتا بارسي Trita Parsi في الصفحة 167.

ــــــــــــــــــــــــ

* كاتبة ومترجمة سورية

المصدر: جيرون – 12 تشرين الثاني/ نوفمبر، 2016

التعليقات مغلقة.