محمد علاء *
– قدمنا دراسة علمية بحتة ليس لها اتجاهات أو تحركها توجيهات
– رصدنا بعض المشكلات التي تحتاج إلى رد ولا نجزم بانهيار السد
– رصدنا هبوطًا مستمرًا غير متساوٍ على جانبي السد الرئيسي ونشاط زلزالي عالٍ أسفل «المساعد».. والقيادة السياسية على علم بالدراسة ونتائجها
– الملء الأحادي أثر سلبًا على مصر والسودان.. ولا بديل عن الإدارة المشتركة للسد
– التغيرات المناخية تنذر إثيوبيا ومنطقة سد النهضة بالجفاف
– سدان في البرازيل وعلى نهر الدانوب انهارا بسبب الهبوط الأرضي
قال أستاذ علوم نظم الأرض والاستشعار عن بُعد بجامعة تشامبان الأمريكية، الدكتور هشام العسكري، إن أمان سد النهضة الإثيوبي محل تساؤلات، وإنه لو تضرر بعد اكتمال البناء والملء “فليرحم الله أهل السودان”.
وتحدث العسكري، في حوار لـ«الشروق»، عن دراسة «أمان سد النهضة»، والتي رصدت هبوطًا أرضيًا غير متساوٍ بين الجانبين الشرقي والغربي مع عدم تطابق سلوك المياه عند حافة السد، وهو ما اعتبره إنذارًا بمخاطر يجب على القائمين على السد نفسه تفنيدها ببيانات على الأرض.
وأكد العسكري، وهو الباحث الأول بالدراسة التي شارك في إعدادها باحثين دوليين ومصريين، بينهم وزير الري محمد عبد العاطي، أن النتائج التي توصلت إليها تثير تساؤلات حول أمان السد ولا تجزم بانهياره.
وأوضح أن التغيرات المناخية تهدد منطقة «سد النهضة» في إثيوبيا بالجفاف خلال السنوات القليلة المقبلة؛ ما يؤثر سلبًا على كمية المياه الواردة إلينا، مؤكدًا أهمية تشكيل لجنة مشتركة من القاهرة والخرطوم وأديس أبابا لإدارة عملية ملء السد وتشغيله.
وإلى نص الحوار:
< البعض يقول إن دراسة «أمان سد النهضة» لم تحظَ بصدى رسمي موازٍ للزخم الإعلامي الكبير لها.. ما تعليقك؟
– ليس بالضرورة أن تلقى الدراسة صدى رسميًا؛ فهي دراسة علمية بحتة ليس لها اتجاهات أو تحركها أية توجيهات، وفي ظل اعتماد مصر في تدبير احتياجاتها المائية على النيل بنسبة 97%؛ كان علينا التحقق من تداعيات أي منشأ ضخم على ضفاف النهر.
والدراسة اضطلعت برصد علمي من خلال الأقمار الصناعية لأمور معينة تتعلق بمدى أمان سد النهضة، تحتاج إلى الرد عليها بدراسة علمية مماثلة، وليس مجرد تصريحات، والنتائج يتم التعامل معها على أصعدة مختلفة في الدولة، وأعتقد أن القيادة السياسية على علم بالدراسة وبالنتائج التي تم رصدها.
< بموجب نتائج الدراسة.. ما احتمالات انهيار سد النهضة؟
– أنا متخصص في علوم الأرض والاستشعار عن بعد، لذا فمن الخطأ أن أصرح بأن الدراسة تجزم أو تشير إلى انهيار سد النهضة، هي فقط تطلق تحذيرا عن وجود بعض المشكلات، وأجرينا رصدًا دقيقا جدا، من خلال 109 صور باستخدام الأشعة الردارية خلال 5 سنوات من ديسمبر 2016 حتى يوليو 2021، ورأينا أمورًا ما كان يجب أن تكون موجودة؛ فالدراسة رصدت إزاحة رأسية أو هبوطًا أرضيًا مستمرا غير متساوٍ في جانبي سد النهضة، مع عدم تطابق سلوك المياه عند حافة السد.
الدراسة رصدت قدرًا عاليًا من النشاط الزلزالي وحركة أرضية زائدة أسفل السد المساعد (الركامي) حتى قبل أن تصل إليه المياه، والتي ستشكل بالطبع ضغطًا على طبقات الأرض. و”الله أعلم” بآثار ذلك كله في المستقبل، لكن ليس من المفترض أن يكون الوضع بهذا الشكل.
وكما قال وزير الري هناك احتياطات معينة تتخذها الدولة المصرية تحسبا لانهيار السد، حتى لو كان هذا الاحتمال واحد في المليون، ويفترض أن سدا بهذا الحجم وبكمية المياه المتوقع تخزينها، تكون نسب الأمان عالية؛ فليس هناك مجال للخطأ، ولا يمكن القبول بحدوث خطأ ما في موضوع أمان السد؛ فلو كان مكتملا البناء والملء وتعرض لأي ضرر “فليرحم الله أهل السودان”.
< ما مدى دقة التقنيات المستخدمة في الدراسة والنتائج المستخلصة منها؟
– الدراسة استخدمت تقنية الأشعة الرادارية التي تعتمد على إرسال نوع معين من الأشعة تجاه جسم السد تعكس لاحقا صورة عن المنشأ والموقع بشكل عام، وهذه التقنية مستخدمة في نماذج عديدة حول العالم ولديها القدرة على اختراق طبقات الأرض، والصور التي اعتمدنا عليها متاحة لدى وكالة الفضاء الأوروبية.
وللعلم.. أنا متأكد بنسبة 100% من دقة التقنية المستخدمة في الدراسة وأيضًا الأرقام التي استخلصناها، والتي تثير تساؤلات حول مدى استقرار وأمان السد، وتمثل إنذارا بمخاطر يجب تفنيدها من القائمين على السد نفسه ببيانات أرضية تمثل الإزاحات والارتفاعات والانخفاضات، والعلاقة مع مراحل الملء المختلفة.
ونأمل في الفترة المقبلة أن تتوصل الدول الثلاث لاتفاق على طرق التشغيل والملء وأمان السد، ومصر والسودان طالبتا بدراسات حول أمان السد، وكان يفترض إجراؤها قبل البدء في إقامة المشروع، ولو تمت بالفعل فكل المطلوب الاضطلاع عليها.
< هل من وقائع سابقة لسدود انهارت نتيجة عيوب مشابهة رصدتها هذه التقنية؟
– هناك حالات مشابهة بالفعل لسدود انهارت بسبب هبوط أرضي وأمور أخرى، استخدمت هذه التقنية فيما قبل لرصد أمور وبالفعل تحققت، ومنها سد في البرازيل وآخر على نهر الدانوب.
< شاركت أيضا في إعداد دراسة عن مخاطر ملء السد وتشغيله دون اتفاق.. ماذا كانت أبرز النتائج؟
– تابعنا في العام الماضي الملء الأول لسد النهضة ووجدنا بعض التأثيرات على السودان ومصر، ففي فترة من الفترات السودان كان يعاني لتدبير المياه الصالحة للشرب؛ نتيجة لغلق بوابات السد، وفي مرحلة التجريب فتحت إثيوبيا البوابات دون تنسيق فوجدنا عكارة شديدة في المياه فاقت قدرة بعض محطات التنقية في السودان على التعامل معها، وبالتزامن مع موسم الأمطار الداخلية في السودان فتحت إثيوبيا بوابات السد بعد اكتمال الملء؛ ما أدى إلى غرق بعض الأراضي؛ فأصبح عدم التنسيق في حالات شح المياه أو كثرتها يؤثر سلبا على دول المصب.
وبالتالي لا بد من التعاون والأخذ في الاعتبار أن إدارة السد لا يجب أن تكون منفردة، فرغم أن السد بالكامل مقام داخل الأراضي الإثيوبية لكنه يقع على مجرى مائي دولي عابر للحدود ولا بد من إدارة هذا الملف من خلال الدول الثلاث، عن طريق لجنة مشتركة تدير أعمال ملء السد وتشغيله.
< بوصفك أحد علماءنا في الولايات المتحدة.. ما موقف المجتمع الأمريكي من الأزمة؟
– قد يهيأ للبعض أن الموضوع يحظى بزخم دولي كبير جدا، ولكن المشكلة لأهل إفريقيا ومصر تحديدا تمثل أهمية كبيرة جدا لكنها لا تمثل نفس الأهمية بالنسبة للمجتمع الدولي؛ إلا إذا نوقش في مجلس الأمن وما شابه.
المجتمع الأمريكي غير مطلع على الأزمة بشكل واضح، ونحاول من خلال الجاليات المصرية الموجودة في الخارج التوعية والتعريف بالقضية.
< التغيرات المناخية إحدى التحديات التي تواجه العالم حاليًا.. كيف تؤثر على مصر وعلى دول حوض النيل؟
– التغيرات المناخية ظاهرة عالمية، لها أثار سلبية كبيرة جدا على جميع مناحي الحياة ورصدنا في السنوات القليلة الماضية العديد من الظواهر المتطرفة؛ فهناك ارتفاع مطرد في درجات الحرارة وانخفاض كبير في مرات أخرى وأمطار غزيرة جدا وجفاف شديد.
والتغيرات المناخية ستؤدي إلى شح مائي كبير؛ لأن هناك ظواهر عالمية تتصل معها مثل «النينو»، وهي تنشأ نتيجة خلل في العلاقة بين الغلاف الجوي والمائي والحيوي، بما يؤدي إلى حدوث بعض الكوارث الطبيعية، مثل ازدياد درجات الحرارة في أماكن وتناقص شديد في أماكن، وحرائق غابات في مناطق أخرى.
ويتأثر بظاهرة “النينو” منطقة وسط إفريقيا وإثيوبيا، بما في ذلك المنطقة الواقع فيها سد النهضة، ومن المتوقع نتيجة لها أن يحدث جفافا على المنطقة في السنوات القادمة، فمن المتوقع جدا أن تنخفض كمية المياه الواردة من إثيوبيا بشكل طبيعي، حتى دون وجود سد النهضة.
وبحسب دراسة انتهينا منها قبل 3 سنوات، توصلنا إلى احتمالية حدوث جفاف في إثيوبيا بحلول عام 2022، وبحسب الأرقام التي رصدناها فإن كمية الأمطار هذا العام، وإن كانت أعلى من المعدل، لكنها أقل من العام الماضي.
وبناءً على ما سبق، من الطبيعي أن تقلق الدولة المصرية على كمية المياه الواردة إليها وأمان أي منشأ يقع على مجرى النيل، وهو قلق مشروع.
< أخيرا.. ما حقيقة دخول مصر حزام زلازل بعد الهزات الأرضية التي شهدتها مؤخرا؟
– الألواح الأرضية موجودة منذ قديم الأزل، وأماكنها معروفة، ومعظم الزلازل التي تحدث في مصر، سببها حمل مائي وأمور مستحدثة ليس سببها وقوع مصر في منطقة زلزالية نشطة، على عكس إثيوبيا التي تقع على الفالق الإفريقي العظيم، ما يجعلها أكثر دولة نشطة زلزاليًا في إفريقيا.
* كاتب صحفي مصري
المصدر: الشروق
التعليقات مغلقة.