الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

ماذا جرى في سورية في 16 نوفمبر/ تشرين ثاني 1970

محمد عمر كرداس

 خاص _ الحرية أولاً..

      في صبيحة يوم 16 نوفمبر/ تشرين ثان أذاعت وسائل الاعلام الرسمية السورية بيانا صادرا عن {القيادة القطرية المؤقتة لحزب البعث العربي الاشتراكي في سورية} حلت بموجبه القيادتان القومية والقطرية لحزب البعث الحاكم في سورية ليؤول الحكم إلى القيادة المؤقتة التي بررت انقلابها على القيادات {الشرعية} بأنها عقليات مناورة ومتسلطة قطعت جسور التواصل مع الاشقاء العرب وعزلت سورية عن محيطها الإقليمي والعربي مما  أساء لسورية واضعف دورها ومنعها من تحقيق أهدافها المعلنة. كان صاحب الانقلاب هو اللواء حافظ أسد وزير الدفاع وقائد سلاح الطيران وعضو القيادة القطرية التي حلها، وهو نفسه وزير الدفاع عام 1967 الذي خسر الحرب أمام إسرائيل بجيشه العقائدي الذي لم يحارب  وكان بيان سقوط القنيطرة الذي أعلنه قبل دخول العدو إليها يكفي ليعطي مدلولات عن ما كان يخطط له وما رتب له منذ زمن ،وجاء ذلك بعد ثلاث سنوات من الصراع بين الأجنحة الحاكمة في الحزب حيث انحاز الجهاز المدني في المؤتمر الأخير للحزب الذي جرى قبل الانقلاب ضد العسكر وقرر تجريدهم من صلاحياتهم وإحالتهم إلى التحقيق وعلى رأسهم وزير الدفاع حافظ أسد الذي اعتقل المؤتمرين وأصدر بيانه الذي تولى به الحكم مع مجموعة من محازبيه العسكريين والمدنيين…ووضع رفاقه البعثيين من القيادتين  في السجن لمدة تزيد عن عشرين عاما لم تنفع وساطات القادة والرؤساء العرب بالإفراج عنهم وكان بعضهم قد أصيب بأمراض خطيرة، وحسب مقولته المعروفة أنه طالما هو الرئيس هم في السجن…

      اذا أردنا أن نضع الأمور في سياقها التاريخي نقول أن انقلاب حافظ أسد على رفاقه قد دشن مرحلة الردة في الوضع العربي بعد وفاة عبد الناصر المفاجئة فعاجلت القوى العظمى والرجعية العربية الحاكمة الوضع العربي استباقا لاستمرار نهج عبد الناصر بوضع مخططاتها للمنطقة موضع التنفيذ ، فأتت بحافظ أسد وأنور السادات ليقودا مرحلة الردة والانقضاض على منجزات ثورة عبد الناصر وليحكما في ظل القيادة السعودية التي أصبحت هي القائدة في مرحلة الردة..

     لم يكن حكم البعث قبل حافظ أسد ذلك الحكم الوطني الجماهيري بل كان حُكماً مزاوداً على القيادة الثورية في المتحدة رافعاً شعار تجربته الخاصة بعد أن حكم في سورية والعراق، ولأنه حزب سلطوي استبدادي لم يستطع انجاز أيٍ من شعاراته في سورية أو العراق حتى بلغ العداء بين القطرين المحكومين من حزب واحد إلى كسر العظم ولتصل الأمور بحافظ أسد إلى أن يزج بحيشه في حرب ضد العراق تحت قيادة الجيش الأمريكي..

      منذ وصوله إلى الحكم في سورية حكم حزب البعث منفردا متخلصا من شركائه ورفاقه بالانقلابات التي أدت في أغلبها إلى مجازر راح ضحيتها الالاف من كل المدن السورية وفتحت المعتقلات وشرد المعارضون حتى وصل عدد أجهزة الأمن التي تطارد المواطن السوري إلى 16 جهازا لا تكترث للأمن الوطني بل همها الأساسي أمن النظام وأزلامه.

      ما نريد قوله في هذه العجالة أن 16 نوفمبر/ تشرين ثاني 1970 لم تكن انقلاباً من انقلابات البعث بل كانت تدشيناً لحقبة استمرت إلى الآن قائمة على الظلم والاستبداد والنهب والفساد المنظم لتكون لبنة في نظام دولي جديد ستفرضه القوى العالمية الفاعلة بما فيها الصهيونية على المنطقة منعاً لأي نهوض أو أي نظام وطني ديمقراطي يحقق طموحات شعوب المنطقة التي طال توقها للحرية والكرامة والعدالة، لقد أعطى مفكرو هذا النظام إشارة البدء وها نحن في خضم هذه المعاناة التي يجب أن نعمل جميعا ليكون هذا المخاض في اتجاه معاكس لما يريدون وليكون لبنة في بناء عالمنا الجديد الذي سيحقق طموحاتنا، فتحية للشعوب الناهضة في السودان وتونس وفي سورية ولبنان والعراق وفي كل أرجاء الوطن العربي نحو الحرية والكرامة والعدالة.

التعليقات مغلقة.