سميح صعب *
قد لا يكون ثمة علاقة مباشرة بين الهزيمة القاسية التي تلقاها الديموقراطيون، في انتخابات حاكمية ولاية فرجينيا الأميركية، التي انعقد فيها الفوز للجمهوري ’غلين يونغكين‘ المدعوم من دونالد ترامب، ومسارعة إيران في اليوم التالي إلى تحديد التاسع والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، موعداً للذهاب إلى مفاوضات فيينا النووية، بعد ثلاثة أشهر ونيف من التمنع.
معظم التحليلات التي صدرت عقب انتخابات فرجينيا، يوم الثلاثاء في 02 تشرين الثاني/ نوفمبر، صبّت في اتجاه واحد، ألا وهو أن الرصيد الكبير الذي توّجهُ الديموقراطيون بدخول جو بايدن إلى البيت الأبيض بأعلى نسبة من الأصوات يحوز عليها رئيس أميركي، قد تبدد بعد تلقيه سلسلة من الضربات في الأشهر العشرة الأخيرة، والتي بدأت من الإنسحاب المذل من أفغانستان، إلى إخفاقه في إنهاء الانقسام بين الأميركيين، إلى عودة إصابات كورونا إلى الارتفاع، مضافاً إليها ارتفاع أسعار الوقود على أبواب الشتاء، إلى انتقال الخلافات إلى داخل الحزب الديموقراطي في الكونغرس حول خطة الاستثمار في البنى التحتية التي أعدها بايدن لتكون علامة تاريخية لرئاسته بكلفتها البالغة أكثر من 3 تريليونات دولار، بينما لم يحصد الأميركيون أي ثمار للحرب الباردة مع الصين، إلا إذا دخل في الحسبان صفقة الغواصات لأستراليا، والتي أتت على حساب العلاقات التاريخية مع فرنسا.
هذه الإخفاقات هوت بشعبية بايدن إلى مستوى قياسي، وكانت ترجمتها العملية في خسارة فرجينيا بعد ثمانية أعوام من سيطرة الديموقراطيين عليها، بينما بالكاد فاز حاكم ولاية نيوجيرسي المنتهية ولايته الديموقراطي فيل مورفي، الأربعاء الماضي، بولاية ثانية، بفارق 20 ألف صوت فقط أمام منافسه الجمهوري ’جاك تشيتاريللي‘، بيد أن الفوز في نيوجيرسي لا يعوّض خسارة فرجينيا.
بالمقابل، أنعشت فرجينيا آمال الجمهوريين بالفوز في انتخابات منتصف الولاية بعد عام من الآن وانتزاع السيطرة مجدداً على مجلسي النواب والشيوخ، مما يمكنهم من جعل بايدن “بطة عرجاء” في السنتين المتبقيتين له في البيت الأبيض، وتالياً تمهيد الطريق للعودة إلى البيت الأبيض. ولا يوجد مرشح لهم حتى الآن سوى ترامب، الذي لا يزال يمسك بتلابيب الحزب الجمهوري، ويحظى بتأييد 70 في المئة من قاعدته.
فهل التقطت طهران رسالة فرجينيا، حتى عمدت إلى ضرب موعد في فيينا؟ قد يكون ذلك تفسيراً مقبولاً إذا انطلقنا من فرضية أن طهران لا تزال راغبة بترميم اتفاق 2015، واستطراداً يقع في نطاق حساباتها أن التوصل إلى تسوية ما، مع بايدن، مسألةٌ بالغة الصعوبة، أما إذا عاد الجمهوريون إلى البيت الأبيض، وخصوصاً إذا بقي ترامب مرشحهم الوحيد، فإن التسوية ستكون مستحيلة، وبناء على هذا الاستنتاج كان لا بد من العودة إلى فيينا.
وأتاحت استراحة الأشهر الثلاثة لطهران من لحظة تولي إبراهيم رئيسي منصبه في الأسبوع الأول من آب/أغسطس الماضي، عودة الإيرانيين هذه المرة إلى فيينا، وفي جعبتهم 210 كيلوغرامات من الأورانيوم المخصب بنسبة 20 في المئة، و25 كيلوغراماً من الأورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة، وفق الناطق باسم المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية ’بهروز كمالوندي‘، يوم الخميس في 04 تشرين الثاني/ نوفمبر. وهذا ما يقربها أكثر من “العتبة النووية”. وسبق ذلك بيوم واحد الإعلان عن “مواجهة” في بحر عُمان بين زوارق إيرانية وبارجة أميركية. وبدا ذلك، وكأنه ردٌ على إعلان الولايات المتحدة عن دورية استراتيجية لقاذفة “بي- بي1 لانسر” فوق مضيق هرمز وعن مواكبة مقاتلات من السعودية ومصر والبحرين وإسرائيل للقاذفة لدى تحليقها في أجواء الشرق الأوسط. وقبل ذلك بيومين، تعرضت قاعدة التنف الأميركية في سوريا لهجوم بمسيرات مفخخة.
وفي خضم عروض القوة المتبادلة، فإن الكلام الأميركي في الآونة الأخيرة كان أكثر حدة في ما يتعلق بإيران، وبدأ التلميح يزداد إلى ضرورة البحث عن “خيارات بديلة” إذا ما أخفقت مفاوضات فيينا. وبدأت واشنطن حملة ديبلوماسية في اتجاه فرنسا وبريطانيا وألمانيا والاتحاد الأوروبي، لحملها على ممارسة المزيد من الضغوط على إيران. وأتى البيان الرباعي الأميركي ـ الفرنسي ـ البريطاني ـ الألماني على هامش قمة مجموعة العشرين في روما، الأسبوع الماضي، ليؤكد هذا المنحى.
وفي سياق الضغوط، لا يمكن إغفال إسرائيل التي استأنفت تدريبات سلاحها الجوي على قصف أهداف داخل إيران والمناورات الجوية التي شاركت فيها سبع دول في صحراء النقب أواخر الشهر الماضي، فضلاً عن تزايد الحديث عن تزويد الولايات المتحدة إسرائيل بقنابل جديدة قادرة على خرق تحصينات تحت الأرض، اكثر قوة من تلك التي استخدمتها إسرائيل في حرب أيار/ مايو الأخيرة ضد الأنفاق في قطاع غزة.
وفي سياق التحسب لما يمكن أن يلي ضربة إسرائيلية ضد المنشآت النووية الإيرانية، أجرت قيادة الجبهة الداخلية في أنحاء إسرائيل تمريناً لمدة أسبوع على احتمال نشوب حربٍ شاملةٍ، يطلق خلالها حزب الله ألفي صاروخ يومياً على أهداف إسرائيلية. كما شارك للمرة الأولى لواء “جفعاتي” للمشاة بكامله في تدريبات بشمال إسرائيل. وذهب رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت إلى قمة غلاسكو للمناخ للحديث مع قادة العالم عن إيران أكثر من الحديث في موضوع القمة نفسها.
التصعيد الأميركي خرقته رسالة مرنة، عندما أعلنت واشنطن أن المبعوث الأميركي للشؤون الإيرانية روبرت مالي، سيترأس الوفد إلى المفاوضات غير المباشرة في فيينا. وفي السابق، تولت “ويندي شيرمان” هذه المهمة. وسبق لمالي أن لعب دوراً رئيسياً في اتفاق العام 2015، فهل أتى التغيير بمثابة إشارة تطمين لإيران، أم أنه تعبير عن جدية أميركية بالتوصل إلى تسوية، وتجنب انهيار آخر في المنطقة بعد كارثة أفغانستان؟
في وضع بالغ التعقيد يتطلب سيراً على حبل مشدود، تقرأ إيران بقلق بعض التطورات الإقليمية، كتلك التي أفرزتها صناديق الاقتراع في العراق، والتي أتت كرسالة غير مطمئنة على الصعيد الشعبي، على رغم أنه من الصعب تجاوز دورها عندما يأتي الحديث الجدي عن المكونات التي ستضمها الحكومة المقبلة. وبعد هدوء استمر أربعة أشهر، عادت الصواريخ لتسقط قرب السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء “المطوقة” من “الحشد الشعبي” احتجاجاً على نتائج الانتخابات البرلمانية التي مني فيها بخسائر كبيرة.
وفي مخاض التطورات المتتالية في المنطقة، لا يبدو أن المفاوضات السعودية – الإيرانية على ما يرام، الأمر الذي انعكس تصعيداً في لبنان المنهار أصلاً. وهذا ما يعيد الأنظار لتتركز على طاولة فيينا وعلى ما يمكن أن تسفر عنه من رسم جديد لخرائط المنطقة.. وللاتفاق ثمن وكذلك للفشل ثمن.
وعلى وقع اختلاط رسائل فرجينيا مع تسارع الأحداث في ساحات بيروت وبغداد ومأرب، اختارت إيران توقيت العودة إلى فيينا.
* كاتب وصحافي لبناني
المصدر: بوست 180
التعليقات مغلقة.