الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

“7 أشهر على حرب غزة و76 عاماً على الصراع”.. ومازالت الإبادة برعاية أمريكية

 

يبدأ شهر أيار بيوم العمال العالمي ولا عمالاً فاعلين بعالمنا العربي الآن، وفي 6 منه ذكرى الشهداء ممن أعدمهم ‘السفاح’ عام 2016، وبعد اسبوع واحد من اليوم تدخل الحرب على غزة شهرها الثامن وكأنّها 76 عاماً، هي عمر الصراع العربي- الصهيوني؛ فمحصلة ما جرى في تلك الأشهر الخوالي لا يقلّ عمّا جرى في تلك السنوات العجاف، بعد أن تجاوز عدد القتلى الفلسطينيين أكثر من 34 ألفًا أكثرهم من النساء والأطفال وكلهم من المدنيين، لتشتعل المظاهرات في شوارع وجامعات الدول الأوربية والغربية، وبالأخص الأمريكية، نصرةً لفلسطين وحمايةً لشعبها كما فعل طلابها في الستينيات ضد الحرب على فيتنام، ليقوم أحفادهم بالثورة على الحرب على فلسطين رافضين الإبادة في غزة والضفة.

فيما أغلب طلابنا بالجامعات العربية فضلاً عن الباحثين والأساتذة، مهمومون بـ“التيك توك وغرس الرؤوس” في الرمال، والتبرير بسؤال مُكرر «ماذا نستطيع أن نفعل بمجتمعاتٍ عربية مغمسة بالقمع وانتهاك الحريات؟»، فالبطش الذي مارسته الأجهزة الأمنية الأمريكية وبعض الدول الأخرى يذكرنا بوقائع عشناها بشوارعنا في سورية وجميع مدننا العربية على أيدى رجال الأمن وجلاوزة النظم وطُغمها، التي أسقطت حرب غزة كلَ أقنعتها، إذ لم نُشاهد للجامعات العربية أي فعلٍ أو تأثيرٍ «مُشابه» بسبب القمع لدولٍ وأنظمة عربية لا دور لها سوى أن تلعب دور الوسيط مع هذا الجنون القائم للإبادة «رضوخاً» للصهاينة.

نكبة جديدة عاشها الفلسطينيون وما زالوا، لا تختلف عن نكبتنا نحن السوريين، وعن مجمل نكباتنا نحن العرب بحكوماتنا الوظيفية المُرتهنة، لكنها حملت في طياتها شكلَ انتصار ربما لم يتحقّق في النكبة الأولى في 15 أيار/ مايو 1948 ولا طيلة سنوات الصراع الـ 76، فلا يمكن الحديث عن الرابح والخاسر بمعركة لا زالت رحاها تدور، ولكن هناك مؤشرات مؤكّده تُرجح صمود الشعب الفلسطيني المناضل مقابل آلة الحرب الصهيونية الأمريكية الغربية التي فشلت في تحقيق أياً من أهدافها المُعلنة، وما إعلان أمريكا عن الميناء العائم مقابل غزة إلا استلام أمريكي مباشر تنفيذاً لمخططها الذي فشل الكيان الصهيوني بتحقيقه.

إن حجم الإحباط والخسران الإسرائيلي كان أكبر من أن تُصدّقه القيادات السياسية والعسكرية الفاشية داخل تل أبيب، ولعلّ هذا سبب استمرار العملية البرّية التي خرجت منها إسرائيل صفرَ اليدين دون أن تقضي على حركة المقاومة الفلسطينية أو أنّ تُحرر أسراها، وهذا دفع حكومة الإحتلال الصهيوني لعقد صفقة أولية لتبادل للأسرى، التي مازالت مستمرة بالتفاوض ولما تصل بعد، مع التهديد باجتياح رفح مُدعّماً بوقاحة أمريكية وغربية.

لقد نُشر “كاريكاتير” يجيب فيه بشار أسد على سؤال علي خامنئي عمّن أعطى الإحداثيات لإسرائيل لتقصف الإيرانيين بدمشق، ليرد بشار أنه علينا أولاً أن نقوم بتعريف معنى الإحداثيات، في لقطةٍ ساخرة للفذلكات التافهة التي يمارسها في كلامه وتصريحاته، لذلك أصبح المُحتل الإيراني ومرتزقته متوجسين فعلاً من الاختراقات الأمنية التي حصدت قياداتهم في دمشق وعموم سورية، فنشرت وسائل إعلام أن إيران أجرت تحقيقات مستقلة عن بشار ونظامه- بعد مشروع الرياضة البدنية «العسكرية» بين إيران والكيان الصهيوني من مناوشات، وَردْ وَردٌ مقابل، الذي ما كان إلا «رياضة» محسوبة بدقة برعاية أمريكية تامة على أن لا يحصل انزلاق لحرب كبرى بين الحلفاء التاريخيين، لأنها ستكون فاحشة وهائلة الخسائر- ولكن الإشارات المتواصلة التي يُطلقها رأس العصابة الأسدية تعبّر بوضوح عن موقفه الحقيقي وموقف حلفه المشبوه مما يجري للفلسطينيين والسوريين معاً.

فإن «عيد المساخر» المستمر الذي يعيشه بشار أسد هو، في الحقيقة، موقف سياسي واضح موجّه لأمريكا وإسرائيل ورعاة النظام من التطبيعيين العرب بأن كل ما يهمه هو استمرار نظامه ولا بأس في سبيل ذلك لو استمر الخراب السوري، والمذبحة الفلسطينية، أو حتى قامت حرب إقليمية أو حتى عالمية، لهذا تمت دعوته لحضور ما يسمى مؤتمر القمة العادية التي ستعقد بالبحرين بما يوافق اغتصاب فلسطين وطرد أهلنا يوم 15 أيار/ مايو 1948، دون أن يرعوي هذا الثرثار لمطالب شعبه، وللحراك السلمي المستمر منذ 9 أشهر في السويداء، وهي الانتفاضة المُمسكة بشعلة الحرية استمراراً لنهج الثورة السورية، التي جذبت أنظار عديد المحافظات السورية بالانضمام إليها، وإلى «مبادئها الخمسة» غير آبهة بتهديدات نظام الجريمة العميل بحشوده الإرهابية العسكرية المفضوحة؛ فالمطلوب انضمام جميع المناطق والمحافظات السورية على طريق التحرر من الاستبداد وجميع الاحتلالات.

فالعالم يعيش خلال هذه المرحلة حروباً عسكرية، ونزاعات سياسية، واختلالاً بالمفاهيم والمعايير الإنسانية، كما هو الأمر في اعتماد المعايير المختلفة، أمريكياً وغربياً، لحربي «غزة وأوكرانيا»، فمفهوم الإبادة الجماعية للسكان المدنيين هنا يختلف عنه هناك! كما هو الفرق في مفهوم تجويع المدنيين ما بين الحربين، وأصبح واضحاً أن «المعايير الإنسانية الحديثة» محصورة لبعض سكان المعمورة عن غيرهم، رغم كل التشدق بمفاهيم حقوق الإنسان الناجمة عن تأسيس الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، وبفهم تاريخ الحروب والسيطرة، نستطيع فهم كيف تدخل الشعوب في حروب، وماذا يحصل في بداياتها؟، لأننا كما يبدو داخلين على حربٍ كبيرة شرسة، أكبر مما عشناه في سورية خلال الـ13عاماً الفائتة، وكذلك العالم كله، هنا يجب أن نفهم كيف تشتعل الحروب، وما أفضل طريق تسلكه الشعوب، أفرداً وجماعات، كي تحافظ على مصالحها قدر الإمكان خلال هذا الطريق!

يبدو أننا، جميعاً، داخلين على حرب غير مقصودة، والطرف الرئيسي فيها هي الولايات المتحدة قائدة الغرب المتوحش، والأخطر أنه لا وجود لطرف مقابل للولايات المتحدة، لا الصين ولا روسيا ولا كل هؤلاء مجتمعين! وقد ينجر لمواجهتها طرفين منهما أو أكثر، فنحن في وسط كل ذلك كعالم عربي أو أشباه دول عربية، ماذا سيحصل لنا فرادى ومجتمعين، تأثراً بهذه الفوضى المُقبلة المتوقعة؟ وهو الموضوع الأهم والأخطر على دول وشعوب داخلة فيها غير مستعدة، وغالباً هو ما سيحصل أو حاصل بالمنطقة العربية بأيدي دول إقليمية لا تقل توحشاً عن الغرب ونعني الأعدقاء: (الكيان الصهيوني وإيران الملالي)!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.