الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

بايدن يشارك عمدًا في الإبادة الجماعية

محمد المنشاوي *

احتفل الرئيس الأمريكي جو بايدن بمرور نصف العام على دعمه غير المشروط لحرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية ضد شعب غزة من خلال التظاهر بأن خلافات واسعة تضعه في مواجهة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

عَرف بايدن منذ اللحظات الأولى للهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة بالضبط كيف ستكون حرب الإبادة الإسرائيلية غير المبررة والهمجية على غزة، ومع ذلك حرص بايدن على أن يكون لدى صديقه نتنياهو، منذ أربعة عقود، أسلحة أمريكية لتنفيذها، مع توفير الدعم الكامل من قدرات أمريكا الاستخباراتية والسياسية والدبلوماسية، دون وجود أي “خطوط حمراء” لما يمكن أن تقوم به إسرائيل. ولم تُفوت إسرائيل فرصة الدعم الأمريكي، وقامت على مدى الأشهر الستة الماضية بقتل ما يقرب من 34 ألف فلسطيني، أغلبهم من النساء والأطفال، أي بمعدل يتخطى 180 شخصاً يومياً.

ونتيجة العدوان الإسرائيلي نزح ما يقرب من 90% من سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، ويعيشون الآن جوعى مشردين في خيم ومراكز إيواء وفي الخلاء. حرص بايدن منذ بداية العدوان على تكرار أكاذيب وادعاءات إسرائيل مهما كانت كبيرة أو فاحشة، وتم الترويح لهذه الأكاذيب من منصات وزارة الخارجية والبيت الأبيض كل يوم. ولا يبذل بايدن أي جهد حقيقي وبصورة عملية لوقف إطلاق النار بصورة شاملة ودائمة.

  • • •

ما نشهده خلال الأيام الأخيرة من الترويج لقصص على شاكلة أن بايدن “يفقد صبره” مع نتنياهو، وكيف يشعر أنتوني بلينكن، وزير خارجيته، بالقلق إزاء أعداد الضحايا الفلسطينيين المتصاعدة، لا يعكس موقف الإدارة السياسي المتمثل في دعم إسرائيل ومدها بالسلاح، وتجنب تعرضها لأي إحراج على المستوى الدولي.

سخِرت إدارة بايدن مما قامت به محكمة العدل الدولية تجاه قيام إسرائيل بإبادة جماعية في القطاع، وقدمت دفاعاً علنياً عن سلوك إسرائيل في مواجهة أدلة واضحة على نيتها في الإبادة الجماعية المقدمة إلى المحكمة الدولية، وأوقفت إدارة بايدن، وضغطت على حلفائها، لوقف التمويل عن منظمة الأونروا، مع علمها بالدور المحوري الرئيس الذي تقوم به هذه المنظمة في هذه الظروف الاستثنائية القاسية على ملايين الفلسطينيين.

وتعرف إدارة بايدن جيداً ما هو القانون الدولي، وتعرف ما هو القانون المحلي الأميركي، إلا أنها لا تتردد في مخالفة هذه القوانين لدعم حليفتها إسرائيل. وتحايلت إدارة بايدن على الكونجرس للحفاظ على تدفق الأسلحة لإسرائيل، ثم عارضت علناً قراراً سعى إلى دعم القانون الأمريكي الذي يهدف إلى ضمان عدم استخدام الأسلحة، وغيرها من المساعدات الأمريكية، لارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان. تلك هي الحقائق التي اتبعها بايدن في الواقع بعيداً عن خطابه اللغوي الذي يراه البعض متغيراً خلال الأيام الأخيرة.

  • • •

على مدى نصف العام الأخير، مرت أحداث ومناسبات لا حصر لها كان يمكن لكل منها أن يبرر لبايدن وقف الدعم السياسي والتسليحي الأمريكي لعدوان إسرائيل على شعب قطاع غزة. ويدرك بايدن أنه لا توجد دولة على وجه الأرض تتمتع بنفوذ أكبر على إسرائيل من أمريكا، ولا يوجد سياسي يتمتع بنفوذ أكبر من بايدن. وإذا كان بايدن حقاً غير راضٍ أو نفذ صبره، أو أي عبارات أخرى يتم تقديمها إلى وسائل الإعلام حول قلقه المفترض من مسار العدوان الإسرائيلي، لكان بإمكانه التصرف. لكنه لم يفعل.

  • • •

ولا يسعى بايدن من كل تحركاته ومواقفه الأخيرة إلا لإنجاز أهدافه التي لم تتغير منذ بدء العدوان، ألا وهي الإفراج عن الأسرى والمحتجزين، خاصة الأمريكيين منهم، وهناك ما بين 5 إلى 9 أمريكيين حالياً لدى حركة حماس. وثاني الأهداف القضاء على حركة حماس تماماً، وأن يوفر المزيد من المساعدات كي تتحسن الصور القادمة من داخل القطاع، والتي تضر بحظوظ إعادة انتخابه.

لا يكترث بايدن لاستشهاد وإصابة أكثر من 100 ألف شخص بأسلحة أمريكية، ولا يكترث لتدمير قطاع غزة بقنابل أمريكية، لكنه يكترث بتأثر ذلك على الرأي العام الأمريكي الذي يتغير ميله تدريجياً للجانب الفلسطيني خاصة بين الشباب التقدمي بالحزب الديمقراطي. وبعثت نتائج الانتخابات التمهيدية بعدة ولايات رسالة خطيرة لبايدن، إذ امتنع أكثر من ربع مليون مصوت ديمقراطي من الالتزام بالتصويت لبايدن.

ومن شأن ذلك أن يضر بحظوظ بايدن الانتخابية في نوفمبر القادم خاصة في ولايات مثل ميشيجان وويسكونسن، حيث يمكن لأصوات المسلمين والعرب الأمريكيين حسم سباق الانتخابات الرئاسية.

  • • •

حاول جو بايدن إصلاح العلاقات مع الأمريكيين المسلمين من خلال دعوة بعض أعضاء الجالية لعقد اجتماع، لكن انقلب السحر على الساحر نتيجة لتجاهل الرئيس لحياة الفلسطينيين.

غادر الاجتماع بعد خمس دقائق أحد الضيوف، الدكتور “ثائر أحمد”، الذي عاد مؤخراً من قطاع غزة حيث كان يقدم المساعدة الطبية، وكان الدافع وراء تصرف ‘أحمد’ جزئياً هو حقيقة أن بايدن يواصل إرسال الأسلحة لإسرائيل، ومع نية الدكتور ‘أحمد’ العودة إلى غزة لتقديم المساعدة الطبية، يعلم جيداً أنه يمكن أن يُقتل بالقنابل التي توفرها حكومته (إدارة بايدن) لإسرائيل. ووفقاً لاستطلاع للرأي أجرته مؤسسة جالوب في 27 آذار/ مارس الماضي، فإن 75% من الديمقراطيين يعارضون عدوان إسرائيل على غزة (مقابل تأييد 18% فقط).

ومن بين الناخبين المستقلين، يعارض 60% العدوان، وحتى بين الجمهوريين- المجموعة الوحيدة الأكثر ولاء لإسرائيل- يتقلص الدعم للحرب بنسبة تصل حالياً إلى 64% بعد أن كانت 71% قبل أسابيع قليلة.

لقد خلق جو بايدن فقاعة أيديولوجية حول نفسه تشير إلى رسوخ إيمانه بالنظرة الصهيونية للشرق الأوسط لدرجة أنه على مدار نصف العام لم يهزها شيء! لا احتجاجات ولا استقالات من بعض المسؤولين الحكوميين، ولا النشاط الشعبي والحراك الطلابي والمظاهرات في مختلف أنحاء أمريكا، لا أرقام استطلاعات الرأي السلبية، ولا حتى صور الأطفال القتلى والمشوهين والجائعين.

* كاتب صحفي متخصص في الشؤون الأمريكية، يكتب من واشنطن

المصدر: الشروق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.