الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

في التضامن مع شعب غزة

التضامن

خولة مطر *

كما في الإيمان والشطارة والنجاح لسنا جميعاً على درجة واحدة وليس المطلوب أن نكون كذلك.

وأيضا في التضامن هناك من يبحث عن إنسان بحاجة إلى دعم أو مساعدة، وليس الدعم والمساعدة المادية فقط بل هناك كُثر ممن هم بحاجة إلى كلمة طيبة أو مساندة أو فقط تفهم للموقف.

هو أو هي يبحثون عن ذاك “المحتاج”- إذا سميناه مجازاً- ليس لطلب الشهرة ونشر إنهم يقدمون “الحسنات” والصدقات بل فقط لأنهم ملتصقون بإنسانيتهم، أو ربما أحياناً من منطلق ديني يلامس عمق الدين وليس قشوره من لبس وطقوس وصلوات فقط! هم يريدون أن يكونوا أقرب إلى إنسانيتهم أو أن يحافظوا عليها في مثل هذه الأوقات الصعبة حيث تمتحن الإنسانية والإبادة مستمرة فوق أرض فلسطين، والمجازر تطارد الأرواح الرافضة للخنوع والعبودية.

  • • •

لذلك لا نتوقع أن كل فرد أو إنسان يتضامن مع أهلنا في فلسطين ولبنان وسورية واليمن وكل البلاد والعباد التي استباحتها آلة الصهاينة، لا نتوقع أن يكون التضامن على نفس الدرجات. بعضنا يكتفي بالمقاطعة وآخر يقوم بالمتابعة والنشر، وآخر بالتظاهر، ورابع بالاعتصامات والإضراب عن الطعام، وأكثرنا شجاعة والتصاقاً بإنسانيته ربما ذاك الذي رفض الحياة بعد أن أصبحت حياة الآلاف من سكان غزة وفلسطين تُنتهك في كل لحظة وعلى مرأى ومسمع من العالم، وتحت أنظار حُماة حقوق الإنسان ومنظمات دولية تقول إنها جاءت من رحم الحروب لتمنع تكرارها! يتنوع ويتفاوت التضامن هناك في موريتانيا ودول أخرى تبرع كُثر بمصروفات العيد وتنازلوا عن ولائم عيد الفطر وحتى الملابس الجديدة لأطفالهم من أجل وصول رغيف خبز وبعض الحليب والدواء لأهلنا في غزة.

وهناك من قال لا عيد والفلسطينيات والفلسطينيون يبادون، والموت يسقي الأرض أكثر من الماء، والحصار المتعمد والتجويع أسلحة حرب قذرة رغم أنها ليست حرباً بين طرفين بل هي إبادة المحتل لأصحاب الأرض في محاولة أخيرة لإنهاء آخر صوت يطالب برحيله، هو الذي تعلم في مدارس الصهيونية على نازية دموية تنظر للآخر على إنه “إنسان أقل” أو ربما هو حيوان أو حتى أقل منه.

  • • •

لم يطلب الشعب الفلسطيني منا أن نزحف نحو غزة بالملايين كما كانت الشعارات قبل سنين، ولم يطلبوا أن نمتنع عن الأكل والشرب تضامناً وإحساساً معهم، ولم يُطالبوا أن لا نعالج مرضانا لأن مرضاهم مصيرهم بتر الأطراف دون مسكنات أو حتى الموت البطيء والدواء يترقب السماح بفتح المعابر ليمر هو وكثير من الطحين والأكل والماء! لم يطلب سكان غزة كل ذلك ولم يقولوا لماذا لا تتظاهرون؟! ولم يكرروا، أو ربما يأسوا، لماذا لا تلغون اتفاقياتكم أو تتوقفون عن النقاش لتوقيع اتفاقيات جديدة مع دول عربية أخرى. هم لم يُطالبوا بكل ذلك، لم ينتظروا منا أي عمل للمُناصرة رغم أن ذلك حقهم كما كان حق شعب جنوب أفريقيا مع نظام الفصل العنصري..

  • • •

هم لم يطالبوا ولم يتوقعوا بل وقفوا لأكثر من نصف عام وحيدين يتصدون للصواريخ بصدورهم وعزيمتهم وإيمان أطفالهم قبل شيوخهم بأن هذه الأرض لهم، ومن يترك أرضه فلا بيت له في أي مكان، يبقى لاجئا حتى آخر رمق.

ولكنهم أيضاً لا يتوقعون أن يبقى بعضهم هناك في تلك المدينة البعيدة عن العالم ليس جغرافيا بل في تفاصيلها، والذي “يفتي” في تغريدات مستمرة أن غزة ستكون أفضل لو منحت إدارتها لهذه البلد وستتحول إلى جنة يقصدها السياح من بقاع الكون وبإمكان الغزاويين الرافضين أن يغادروا! أو حتى تلك السيدة الجالسة في بلدها التي لا تتوقف صواريخ الصهاينة عن انتهاك حرمته وهي تفاجأنا كل يوم بمقابلة هنا أو هناك!! حديث بثقة متناهية عن أن سكان غزة لا يريدون الحرب أو إنهم يكرهون حماس أو.. أو.. وكأنها أكثر من يعرف ماذا يريد أهل غزة؟ بل تتمادى لتقول إن أهل غزة كانوا في وضع أفضل قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر وكانوا يعيشون “سعداء”.

  • • •

العيد على الأبواب ونحن نردد تلك العبارة المتكررة “أي عيد؟” وصور الذبح والإبادة تسبق غداء العيد أو تُحوله إلى وليمة من الدم المعجون بأشلاء أهلنا هناك.. ليتهم والعيد يقترب وحتى ما بعد العيد يتوقفون عن الإدلاء بآرائهم حول ما هو الأفضل لأهل غزة، أو الحديث نيابة عنهم أو حتى التمثيل أنهم حزينون على ما يجري لأنهم باختصار كذابون ومنافقون بل هم أكثر من ذلك كما كان حملة الأختام في تلك الأزمنة البعيدة أو شعراء البلاط.. أو ربما هي العبودية الطوعية التي كتب عنها، “ايتيان دولا بويسيه”، كتابه الشهير “مقالة العبودية الطوعية” والتي يستغرب فيها الإذلال الذي يقدمه الناس لملوكهم أو حكامهم أو للأنظمة المستبدة فهو يرى أن على الفرد الذي حتماً يولد حراً أن يدافع عن حريته ويحميها.

هو من أبدع في وضع “المواطن المستقر” وهو التعبير الأنسب لكثير من الذين يواجهون ما يجري اليوم في غزة بكثير من الحزن طبعاً ولكن وهم يرددون “ماذا نستطيع أن نفعل؟” أو “كل ما سنقوم به لن يفيد شيئاً”، ربما خوفاً من ذاك الاستقرار الهش أو الوهمي.. ربما!

*  كاتبة صحفية من البحرين

المصدر: الشروق

https://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=07042024&id=b5874912-aff6-45eb-aa40-4efdb007ce7b

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.