الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

«النظام فعل أكثر مما فعلت إسرائيل في غزة»

من «شهبا» مع “مروان حمزة”: عن انتفاضة الجبل المستمرة منذ 4 أشهر

  

ليس “مروان حمزة” جديداً على “الشفاف”، بل هو من المؤسّسين. لكن “انقطعت أخباره عنا” مثل كثير من أبناء سوريا الذين لم نعد نعرف من بقي منهم في بلده، ومن “تغرّب”ّ! و”الفضل” طبعاً للقاتل بشار الأسد الذي قتل مئات الآلاف وشرّد نصف الشعب السوري في أصقاع العالم.

هذا الحوار مع ابن “شهبا”، “مروان حمزة”، موضوعه “ثورة الجبل” المستمرة، أسبابها وتطوراتها:

كيف بدأت الإنتفاضة؟

قامت السلطة في 16 آب/ أغسطس برفع اسعار المشتقات النفطية حوالي 300 بالمئة. وسبق ذلك قبل يوم واحد إعلان رأس النظام رفع رواتب الموظفين والعسكريين  100 بالمئة. خُذ بالاعتبار أن دخل الموظف قبل الزيادات الأخيرة كان 120 إلى  150 ألف ليرة،  أي ما بين 12 و16 دولار. مع الزيادة الأخيرة بلغ المعدل الوسطي لراتب الموظف ما بين 25 و30 دولار. يضطر الموظف أحيانا أن يقوم بـ 4 أو 5 وظائف لكي يؤمن لبيته مؤونة أكل فقط، دون تدفئة، أو أدوية.

جاء الغلاء في 15 آب، من 4 أشهر. في حينه، دعوت «من يحب» أن يلاقيني في الغد، أعتقد كان يوم خميس، للتظاهر احتجاجاً الساعة 12 ظهرا أمام المحافظة. فوجئت بأن آخرين دعوا لمظاهرة في نفس الوقت ولكن في « ساحة الكرامة » التي اعتُمدت أخيراً. طبعا، الشباب جاؤوا أيضاً بسبب الغلاء الذي فرضته السلطة على رسوم الجمارك على الموبايلات حتى تلك التي استوردتها السلطة قبل 10 سنوات. بدأت المظاهرات بانتفاضة عارمة أدت إلى إقفال الطرق وإلى إغلاق كل المكاتب الحكومية القريبة من ساحة الكرامة. أي البلدية والمالية والمصارف والتربية، ثم أغلب المؤسسات في كامل المحافظة.

والشعارات؟

في اليوم الأول كانت الشعارات «معيشية» ضد الغلاء، ولكن كان هنالك شباب رفعوا شعار «إسقاط النظام». يوم الجمعة والسبت كانا ايام عطلة. في يوم الأحد، بدأ تنفيذ المقررات التي اتفق عليها الشباب وهي إغلاق كل الطرق المؤدية إلى وسط السويداء، وإغلاق كل الطرق الموصلة إلى المحافظة، ومنع نقل الموظفين، وإغلاق كل الدوائر الحكومية في المحافظة. ينبغي أن تأخذ بالاعتبار أن الغلاء الذي نتج عن قرارات الحكومة طال حوالي 1000 سلعة، وأن سعر الدولار ارتفع إلى ما بين 12000 إلى 14000 ليرة.

الإنتفاضة عمت كل محافظة السويداء:

الإنتفاضة شملت السويداء وشهبا وكل القرى. بدأ إغلاق كل البلديات ولم يُفتح أي مركز حكومي. وحتى بعض المحلات التجارية خلال 10 ايام الأولى. وترافق ذلك مع مهرجانات ومظاهرات، كل قرية على طريقتها.

طرد القوات الأجنبية، الروس والإيرانيين وميليشياتهم:

ورُفِعَت شعارات إسقاط النظام والإفراج عن المعتقلين، و“طرد القوات الأجنبية” وخاصة الروسية والإيرانية والميليشيات التابعة لها وبتحرير سوريا من الإحتلالات التي بلغت 5 أو 6 احتلالات. طبعاً سوريا كلها مقسمة، وهذا النظام باع كل خيرات، وكل مدخرات البلد، لروسيا وإيران سداداً لفاتورة الأسلحة التي استقوى بها على شعبه، سواء بالطائرات الروسية التي كانت تدك بها المدن أو بالصواريخ  التي استوردها من إيران  واستخدمها لدكّ الأهالي الأمنين في ريف دمشق ودرعا وإدلب وحمص وحماه.

إغلاق مقرات البعث:

ممثلو السلطة لم يتم إخراجهم. في الأسبوع الثاني أغلقوا مركز الحزب ومنعوا أمين الحزب، وهو اللواء «فوزات شقير» الذي منعوه من الخروج من «القرية». وأغلقت كل المقرات البعثية في المحافظة. كما أغلقت كل شعب وفرق البعث في القرى. وتم تحويلها إلى منتديات اجتماعية وروضات أطفال.

بعثيون كُثر نزلوا معنا وطالبوا بإسقاط النظام.

ما هي مطالب الناس وما هي الشعارات التي تم رفعها؟

من اليوم الثالث، أصبحت مطالب الناس سياسية. تنادي بإسقاط النظام، بإسقاط سلطة حزب البعث، بإسقاط رأس النظام. عندما يرتفع في ساحة الكرامة شعار «إرحل إرحل يا بشار، سوريا لنا ما هي لبيت الأسد». هذه الشعارات ترددت في كل المحافظة. وصلنا أحياناً انه كانت هنالك في وقت واحد 40 نقطة تظاهر في المحافظة. وأحيانا تدعو قرية  6 أو 7 قرى محيطة، ليقوم الشباب مسائيات لرفع نفس الشعارات السياسية.

وكنا، حينما تتم «مركزية» في السويداء نهار الجمعة، كان أهالي القرى يأتون إلى السويداء رغم أزمة البنزين، وكان العدد يصل أحيانا إلى 10 آلاف في السويداء، ولكن العدد كان ينخفض في موسم قطاف الزيتون والتفاح.

هذه الشعارات انتشر صداها في كل أنحاء العالم، وتحولت إلى القرار 2254، الذي لم يتم تطبيقه بسبب إيران وروسيا، وربما حتى معظم الدول العربية وتركيا كذلك لا تريد إسقاط نظام الأسد. ولكن كلمة السر لهذا النظام هي في إسرائيل، وهي التي تحافظ على نظام بشار الأسد.

ما دور رجال الدين في الإنتفاضة؟

نحن نعتز برجال الدين وعلى رأسهم سماحة الشيخ الهجري، الرئيس الروحي للطائفة، الذي بعد أيام من بدء الإنتفاضة أعلن وقوفه إلى جانب الشباب المنتفضين وقال «أنتم أصحاب مطلب حق، وهذه السلطة هي السبب بكل ما وصلت إليه المحافظة من تهميش وإقصاء ومن بيع مخدرات». وكمان نحيي الشيخ حمود الحناوي الذي كان له تأثير على الحراك، وكان دائماً يقول أنتم على حق وهذا النظام الفاسد هو الذي أوصل البلاد إلى حد الهاوية. وقام الشيخان بتحذير الأجهزة الأمنية من أن أي تدخل بالحراك ستدفع السلطة ثمناً باهظا له.

هل هناك لجان لقيادة الحراك؟

طبعاً، هنالك لجان على مستوى القرى تنظم التظاهرات ورفع الشعارات وتدبير المستلزمات وتأمين الباصات لنقل كل من يريد الذهاب إلى مركزية السويداء، كل «يوم جمعة» من الساعة 10 صباحاً وتنتهي الساعة 1 بعد الظهر.

لا توجد قيادة مركزية للانتفاضة، ولكن  توجد مجموعة من الشباب قادرة بكل رجاحة عقل. وللعلم، لم يحدث أي إشكال منذ بدء الإنتفاضة.

السويداء مجتمع حضاري وعلماني:

طبعاً، ما ميز ساحة الكرامة، ونحن هنا نرفع القبعات،  هو وجود السيدات، وجود الحرائر، اللواتي كن إلى جانب الشباب. وأنت تعرف أن السويداء هي مجتمع حضري، مجتمع حضاري، مجتمع علماني، مجتمع مدني، هذا الاحترام بين الرجل والمرأة، تجسد بكل قيمه في ساحة الكرامة في هذه الأشهر الأربعة.

في هذه المحافظة التي كانت تشهد كل يوم عمليات سرقة سيارات او خطف تجار ودفع ديات، بعد الإنتفاضة إلا ما ندر عن حالات سرقة وخطف. لأن القوى الأمنية هي التي كانت تساعد العصابات. وصارت حالة أمن لم تشهدها المنطقة منذ 2011. خذ مثلاً ما حصل في 2018 حينما استخدم النظام عصابات “داعش” للهجوم على قرى الجبل. وقام  النظام بذلك لأن أكثر من 30 ألف شاب لم يلتحقوا بالخدمة العسكرية. وقد قالها بشار بصراحة «صار فيكن هيك لأنكن ما بعتوا أولادكم للجيش».

ماذا عن التضامن بين الأهل في لبنان والمهاجر؟

أنا لا احب الألفاظ الطائفية، ولكن نحن كنا نناشد الشعب السوري في كل المحافظات بالوقوف إلى جانب الإنتفاضة في السويداء. ونحن نحيي كل الإنتفاضة التي قامت سابقاً في درعا وإدلب وحمص حماه وحلب والحسكة ودير الزور وريف دمشق. طبعاً، هذا النظام، بإجرامه، دمّر المدن وجعل الناس تخاف من العودة للمظاهرات حالياً. لأن البراميل ما تزال في الذاكرة. عدا أن الشباب بتلك المحافظات اغلبهم هاجر أو هو معتقل أو استشهد. نادراً ما تجد قرية لم يُهاجر أكثر من 50 بالمئة من أهلها.

أشقاؤنا في لبنان مشكورة مواقفهم وهم كانوا دائماً يقولون “نحن مع موقف أهل السويداء المُحق ضد هذا النظام”، وكذلك الإخوة في الأردن، أو في فلسطين، أو في المهاجر الذين وقفوا وعملوا مظاهرات شملت عدة مدن أوروبية.

في آخر هذا التسجيل، أوجه تحية للشعب الفلسطيني في غزة، للثمن الذي دفعه بسبب إجرام العدو الصهيوني الذي لم  يدع حجراً على حجر. نحييهم، ونترحم على الشهداء، ونتمنى الشفاء للجرحى والعودة الآمنة لكل النازحين، وهي تُذكرنا بالتغريبة السورية.

إن هذا النظام فعل أكثر مما فعلت إسرائيل في غزة وربما إسرائيل تعلمت من فنون هذا النظام في تدمير المدن وتهجير الناس.

المصدر: الشفاف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.