أحمد الدمشقي *
رغم شعورنا كشعوب عربية بالفخر الكبير للانتصار النوعي للمقاومة الفلسطينية الداخلية، ورغم حرصنا على انسلاخ هذه المقاومة عن “داعميها” المفترضين إيران وصبيان إيران بالمنطقة بشار الكيماوي وحسن زميرة، ورغم اقتناعنا أن العملية العسكرية الكبرى التي قامت بها المقاومة يوم السبت 7 تشرين الاول/ أكتوبر كان قرارها فلسطينياً صرفاً، ولم يكن يعلم به أي من السادة والصبيان، حيث أننا مقتنعين تماماً أنه لو كان هؤلاء الصبية ومعلميهم يعلمون بالحدث المخطط له لكانت إسرائيل أول العارفين فوراً، ولم يكن لينجح أيداً من المنظور التكتيكي العسكري ولما تحقق عنصر المفاجأة لدى الكيان الصهيوني وأجهزته الأمنية والعسكرية وأذرعه لدى الأنظمة العربية المحيطة بفلسطين المحتلة كلها.
رغم كل هذا الشعور الذي ملئ قلوب ملايين العرب والأحرار بالعالم بكسر نظرية جيش إسرائيل الذي لا يقهر ولا يهزم أمام جيوش العرب وجنرالات النظام الرسمي العربي المحيط به، إلا أننا وبعد عدة تصريحات وبيانات وخطابات رنانة وهادئة من قادة وممثلي محور “المقاومة” العتيد الذي لا زالوا يؤكدون ويصرون أنهم ليسوا جزءاً أصيلا بالمواجهة وهذه المعركة ليست معركتهم ولا تعني لهم ولكياناتهم أي تحدي أو معركة مصيرية تاريخية لا حاضراً ولا مستقبلاً، وبعد التئام ما سموه قمة عربية إسلامية لدعم فلسطين أو غزة أو حتى دعم مجمع الشفاء الطبي!، تجلت الصورة واضحة جداً للعيان ولا تحتاج تأويلات وتحليلات وعلم بالسياسة والاستراتيجيات لكشفها.
لقد تم بيع ما تبقى من فلسطين والمقاومة الداخلية وما تبقى من شعب فلسطين مقابل ضمان كراسي عروش الحكام المُحيطون بفلسطين وبخاصة محور المقاومة ابتداءً من إيران المحتلة لسورية والتي ستأخذ استمرار احتلالها لسورية عربون عدم مشاركتها بالنزاع المسلح، ومن ثم ضمنوا لها استمرار بشار الكيماوي بالحكم و “هو أصلاً مطلبها فلم يمر على سورية من باعها أكثر منه حتى أباه الهالك”، وأيضاً استمرار عنجهية وسيطرة حسن زميرة على لبنان ومستقبله وطغيانه المادي والمعنوي بحجة المقاومة.
وطبعاً محور التطبيع الذين عبر كثير منهم عن تضامنهم مع “المدنيين الاسرائيليين” بوجه العنف الحمساوي غير المبرر عليهم، وعمل جزء منهم على إحكام الحصار على غزة وفلسطين ومنع حتى المياه من الدخول للمدنيين المكلومين والمهجرين من بيوتهم ومدنهم، ومنعوا حتى سحب الجرحى والمصابين.. إلخ.
لقد بيعت فلسطين أو ما تبقى منها اليوم كما بيعت عام 1948 وكما بيعت عام 1967، وفي كل بيعة كان هنالك أثمان دُفعت لشرذمة من أصحاب القرار الرسمي العربي وبمختلف الأشكال والصور والإخراجات للعلن، تُباع اليوم وبثمن قليل وهو الإبقاء على عروش عربية متهاوية أصلاً من المحيط للخليج، بعد موجة الربيع العربي التي بزغت لترفع الشعوب العربية إلى صدارة المشهد بوجه طغيان الحكام بمختلف مسمياتهم و أشكالهم، وبرخم تعثر هذا الربيع والالتفاف عليه إلا أنه أثبت أنه كما أنه لا شرعية للحكام والأنظمة العربية لأنها أنظمة محتلة لشعوبها ولبلدانها، أيضاً لا شرعية لإسرائيل ومن زرعها بالمنطقة العربية ولكل محتل من الشرق والغرب.. إلخ .
لقد كان الثمن اليوم بقاء سيطرة إيران واحتلالها لدول عربية، وبقاء الكيماوي على كرسيه، ولحسن زميرة كناطق باسم المقاومة على حساب المقاومة الحقيقية والتي هي بالداخل ومن الداخل ووحدها من له الحق بفتح المعارك أو التفاوض وبتحديد ساعة الصفر الخاصة بها.
لقد بيعت غزة كجزء من فلسطين وبيعت بثمنٍ بخس لا يرقى أن يكون برؤوس كل حكام العرب، فكيف إن كان حكام- ما يسمى- محور “المقاومة” المجرمين؟
* كاتب وناشط سوري مقيم في دمشق