الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

كتاب «في الفكر السياسي»؛ (الجزء الأول).. الحلقة السابعة عشر

 

 (الحرية أولاً) ينشر حصرياً الكتاب المفقود «في الفكر السياسي» بجزئيه، للمفكرين “الأربعة الكبار”، وهذه الحلقة السابعة عشر من الجزء الأول(9). ستالين من عام 1913 إلى عام 1930؛ بقلم الأستاذ “الياس مرقص”

 

(9).  ستالين من عام 1913 إلى عام 1930

    ولأن ستالين قد أيد مبدأ حق الأمم في تقرير مصيرها، ولأن النزعة القومية البرجوازية كانت الخطر الأكبر بالنسبة لمصير حركة العمال- وهذا ما تبين بوضوح في عام 1914 عندما وقفت الأحزاب الاشتراكية الأوربية (باستثناء البولشفيك) موقف التأبيد من الحرب الاستعمارية العالمية وللبرجوازيات القومية الاستعمارية- ولأن ستالين قد عارض هذه النزعة القومية في حقلي الفكر والتنظيم، لهذه الأسباب يمكن القول إن نظرية ستالين لعبت دوراً إيجابياً في حينها.

    ولعل هذا هو السبب في سكوت لينين عن عيوبها . فالمهمة ، كما يقول ستالين في مطلع كتابه، كانت «تبديد الضباب القومي»، ولم تكن وضع نظرية عامة وسن قانون يلزم حركة العمال في العالم أجمع بعد عشرات السنين.

سكوت ستالين

    وما أن انفجرت الثورة الكبرى في روسيا (۱۹۱۷)، وامتدت نيرانها إلى أوربا وآسيا (۱۹۱۸-۱۹۲۱) حتى ظهر البون الشاسع بين نظرية ستالين عن طبيعة النضال القومي وبين الواقع. وتبين أن هذا النضال «البرجوازي» المزعوم يؤثر تأثيراً لا حد له في مصير حركة العمال وفي تطور الانسانية .

    فكان لا بد من إحداث تبديل في النظرية. وهذا ما فعله ستالين، بطريقة وأخرى في 1918و1924 وخاصة في عام 1925.

    في الفترة الممتدة بين 1917و1924، عام وفاة لينين، تجاهل الجميع نظرية ستالين الموضوعة في عام 1913. وتجاهلها ستالين أيضاً. وهذا ما يتبين لنا إذا ما طالعنا تقارير ستالين ومقالاته الكثيرة المنشورة في هذه الفترة(5).

    في هذه الفترة، قال ستالين أشياء كثيرة بعضها ذات قيمة أكيدة.. قال، في عام 1918، أن ثورة أكتوبر وسعت نطاق المسألة القومية ودمجها بمسألة أنعتاق الشعوب المظلومة من نير الاستعمار. وأضاف، في عام 1924، أن المسألة القومية جزء من مسالة الثورة البروليتارية وليست مسألة منفصلة عنها. ولم يلتفت إلى ما كتبه في عام 1913.

    هذا كله يشكل تطوراً واضحاً في الأحكام. ولكن هذا التطور لم يكن كافياً لحل المشكلة.

    ففي عام 1913، أكد ستالين، بلا مواربة ودون أي شرط أو تقييد، أن الحركة الوطنية (القومية) هي حركة برجوازية. وكان يتضح، يوماً بعد يوم، أن الحركة الوطنية (القومية) ليست حركة برجوازية، إنما هي حركة شعبية واسعة تشارك فيها الجماهير الكادحة وتخدم مصالح هذه الجماهير.

    وفي أوائل عام 1925، جرى نقاش في هيئة قيادة الأممية الشيوعية في موسكو حول المسالة القومية في يوغوسلافيا. وكان مندوب الحزب الشيوعي اليوغوسلافي، سيمتش، بری، في جملة مايري، إن الصراع القومي في يوغوسلافيا هو صراع بين الطبقات البرجوازية الصربية والكرواتية والسلوفينية وغيرها، ويستشهد على ذلك بنظرية ستالين.

أن كتابه قد وضع في أواخر عام 1912  ، قبل ثورة أكتوبر وقبل الحرب العالمية، فردّ عليه ستالين قائلاً إن المسألة القومية قد تحولت الآن:

   «… إن المسألة الفلاحية هي أساس وجوهر المسألة الوطنية (القومية). وهذا ما يفسر كون الفلاحين هم الجيش الرئيسي للحركة الوطنية (القومية). ولا يوجد حركة قومية قوية بدون جيش الفلاحين، ولا يمكن أن توجد… إن المسألة القومية هي، في الجوهر، مسالة فلاحية، (حول المسألة القومية في يوغسلافيا- رد على الرفيق سيمتش- ۳۰ آذار 1925).

      وعاد ستالين إلى هذا الموضوع في رده الجديد على سيمتش مؤكداً:

   « إن جوهر المسالة القومية اليوم يكمن في النضال السياسي الذي تخوضه جماهير الشعب في المستعمرات والبلدان التابعة ضد الاستعمار المالي وضد الاستعباد السياسي والمحو الثقافي الذي تمارسه البرجوازية الاستعمارية للأمة المسيطرة …» (مرة أخرى حول المسألة القومية- حزيران 1925). [راجع ستالين المؤلفات الكاملة، موسكو، الطبعة الانكليزية].

    هذا الرأي الجديد رأي صائب من حيث الجوهر. ويمكن القول أن الرد على الرفيق سيمتش هو خير ما كتبه ستالين في المسألة القومية(6).

    ويمكن أن نستخلص من هذا العرض، أن ستالين يميز بين مرحلتين في تاريخ النضال القومي:

    1- مرحلة ما قبل الحرب العالمية الأولى وثورة أكتوبر الاشتراكية، وكان النضال  القومي فيها بجوهره ومضمونه وطبيعته نضالاً برجوازياً .

    ۲- مرحلة ما بعد الحرب والثورة ، وأصبح فيها النضال القومي. من حيث الجوهر أي من حيث مضمونه الرئيسي، نضالاً للجماهير الكادحة وخاصة للفلاحين.

    هل كان ستالين على حق في هذا التمييز?

     كلا. وأن الأحكام الستالينية الصادرة في عام ۱۹۱۳ تختلف اختلافاً جذرياً عن التحليل الديالكتي الصائب الذي قام به لينين للحركة القومية في عدد من بلدان أوروبا وآسيا في 1912و1914و1916…

    إن الماركسية تتجلى في «التحليل الملموس لواقع ملموس». ولأنها فهم  ديالكتي للواقع، فهي لا يمكن أن تقيم جداراً من الاسمنت بين المرحلتين. والانقلاب الحقيقي الذي أحدثه ستالين في أحكامه عام 1925 اعتراف ضمني بعجز المقدمة النظرية الأساسية التي انطلق منها، وهي فكرة التنازع البرجوازي على السوق الوطنية.

    إن بين الرأي القائل أن الحركة القومية حركة برجوازية خالصة وبين الرأي القائل أن الحركة القومية هي بالدرجة الأولى حركة للجماهير الكادحة هوة عريضة لا يطالها أي جسر.

    وإذا كنا نصرّ على ذلك، فلأن النظرية التي تعتبر المصلحة القومية مصلحة برجوازية ظلت تثقل عملياً كاهل الحركة الشيوعية- الستالينية في عدد من البلدان. ولأن هذه النظرية قد ألحقت ضرراً بالغاً بالعلاقات بين الدول الاشتراكية. وهذا ما سنبينه في الفصول القادمة.

    إن الرأي القائل أن المصلحة القومية مصلحة برجوازية رأي خاطئ من أساسه.

……………………

(5) تقرير عن المسألة القومية ۱۹۱۷، ثورة أكتوبر والمسألة القومية، 1918. سياسة حكم السوفييت في المسألة القومية في روسيا، 1920. مهمات الحزب المباشرة في المسألة القومية،1921. حول توحيد الجمهوريات السوفياتية 1922، العوامل القومية في بناء الحزب والدولة 1923. أسس اللينينية 1924.

(6) وقد سار الحزب الشيوعي الصيني في سياسته على أساس اعتبار المسألة القومية مسألة فلاحية، والحركة القومية حركة فلاحية، بالدرجة الأولى. وقد استشهد ماوتسي تونغ برد ستالين على الرفيق سيمتش في كتابه «الديمقراطية الجديدة» (1940) – أما خالد بكداش وأقرانه فقد تجاهلوا هذا الرد.. واستبعدوا كلمة «قومية » من مفرداتهم، مترجمين كلمة national بكلمة «وطنية». من الواضح أن كتاب 1913 ظل رائدهم حتى النهاية وفي سنة 1959. أعادت جريدة الأخبار اللبنانية نشره.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

يتبع.. الحلقة الثامنة عشر بعنوان: (10). مستقبل حركة التحرر الوطني؛ بقلم الأستاذ “الياس مرقص”

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.