أحمد دمشقي *
لا بد أن المتابع لمجريات الأحداث الجارية اليوم على الساحة الفلسطينية عامة، وغزة خاصة، يدرك حجم الكارثة الكبيرة التي تتعرض لها القضية الفلسطينية.
والشيء الملفت اليوم حجم المؤامرة “المتكررة” والعلنية من قبل النظام الرسمي العربي والإقليمي بمحوريه وشقيه: “المقاوم” و”التطبيعي” وكيف لا وقد عمل هذين المحورين بالاتفاق والتنسيق وحشدوا كل الوسائل والإمكانيات لتدمير كل دول الربيع العربي منذ 2010م وإلى الآن.
ولعل أكبر دافع لتوقع مأساة “فلسطين” الأم أو “غزة” القطاع هو القضية السورية والعلاقة التي ربطها نظام الحكم مع “محور المقاومة” والتي بموجب هذا الربط عمل هذا النظام مع المحتل الروسي الإيراني “المقاوم” على تدمير مخيمات اللجوء الفلسطيني على كامل الأراضي السورية من درعا إلى اللاذقية إلى مخيمي فلسطين واليرموك بالعاصمة دمشق .. إلخ.
كان هذا التدمير هو مقدمة حقيقية لتدمير ما تبقى من القضية الفلسطينية اليوم، ولم يكن ليحصل لولا فلتان آلة القتل الطائفية للمحتل الإيراني والقوة النيرانية الضاربة للدب الروسي، وهما اليوم من يتباكيان على فلسطين والقضية المحورية!
المشهد اليوم يختلف عن بعض المشاهد السابقة بعض الشيء من حيث الإجهار لقادة المحورين أنه لا شأن لهم بفلسطين وقضيتها، فلا “المقاوم” مضطر للدفاع عن غزة “السنية الانتماء”، مع ادعاء هذا المحور أنهم يدافعون عن فلسطين من خلال بعض الاشتباكات التمثيلية في جنوب لبنان وبعض الهجمات على القوات الأمريكية في سورية وبعض الرشقات الكرتونية للحوثيين من اليمن إلى فلسطين، ولا “المحور التطبيعي” بات يقف إعلامياً مع فلسطين وأهلها بل على العكس هم بغالبيتهم أدانوا هجوم “حماس” على “الآمنين الإسرائيليين”!
نرى هنا أن المشهد اليوم هو استمرار لمخطط تدمير المجتمعات العربية ووأد أي بادرة ثورة كرامة وتحرر للغالبية الكبيرة من الشعوب العربية صاحبة المصلحة الأولى بالتغيير والثورة الديمقراطية، والذي بالأساس محوره الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، ولعلنا لا نكون بعيدين عن المنطق والعقلانية واللاطائفية إن قلنا أن هذا التدمير استهدف الغالبية “السنية” المُطلقة للمجتمعات العربية وعلى سبيل المثال لا الحصر: بدأ المشروع في أفغانستان بعد أحداث أيلوم 2001 والتحالف الكامل والتنسيق الاستراتيجي مع دولة إيران الفارسية لاحتلاله من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثم التوغل الأمريكي الإيراني لاحتلال كلاً من العراق ولبنان وسورية واليمن وفلسطين اليوم وغيرها بالمستقبل.
وإذا نظرنا إلى الخاسر من هذه المجتمعات والمستهدف هي الغالبية “السنية” التي اعتبرتها أمريكا والغرب العدو البديل والمحتمل والواجب واللازم منذ سقوط الاتحاد السوفياتي 1991م ولعله ما ساعد أمريكا بالدرجة الأولى بعد إسرائيل هي تواجد النظام الإيراني الفارسي، ولولاهما لما كانت المنطقة العربية في أسوأ عهودها اليوم.
وما خطاب حسن “زميرة” الأخير الذي نأى بنفسه عن حرب غزة وتصريحات القيادة الإيرانية التي تبرأت من أحداث 7/10/2023، وما اختباء زعيم الممانعة في قصر المهاجرين خير دليل على تبرئهما الفاضح الذي اكتفى ببضع وقفات تضامنية “محتجزة” ضمن فراغات مسيطر عليها، ولا مظاهرات أو مسيرات قد تخرج عن السيطرة وتنقلب ضده، والذي هو ومحوره أول من طعن بالقضية الفلسطينية منذ عقود، وقتل الفلسطينيين والسوريين الأحرار أكثر بكثير مما قتلت “إسرائيل”.
وإن أحرار سورية كانوا ولا زالوا هم الأداة الواعدة الأولى لمقاومة المشروع الصهيوني العابث بفلسطين والمتوحش الآن على شاكلة النظام الروسي والإيراني وصبيانهما: الأسد وزميرة.
منذ 2001 والعالم يعتبر “الإسلام السني” هو الوحش القادم لتدمير “حضارته الوهاجة” لذلك لا بد من تدمير مجتمعاته وبنيانه وجذور نموه وتهجيره وتغييره واستبداله ربما برعايا كأتباع الفرس أو غيرهم من الأقليات بعد خلق فئات من هذه المجتمعات قابلة لتكون شماعة وأداة لتنفيذ هذا المخطط.
والآن نقول للأسف كان الله في عون أهل غزة وأهل فلسطين ونؤكد أن “إسرائيل” تمارس همجيتها بشكل يشابه همجية الأسد وإيران والروس في القتل والتدمير والتهجير والتغيير الديمغرافي، مع أنها لم تصل لمستوى هؤلاء في سورية على الأقل…
* ناشط سوري مقيم في دمشق