الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

ضرورة مواجهة حملة اللوبي الصهيوني لطمس صوت القضية الفلسطينية في بريطانيا

سميرة قعوار *

مع استمرار حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل ضد شعبنا في غزة، يتكثف هجوم أنصار إسرائيل والمدافعين عنها- والحديث هنا عن بريطانيا بالذات- ضد منتقدي الدولة العبرية لتبييض صورتها، وإظهارها ضحية لحملة كراهية عنصرية، عن طريق اتهام منتقديها بمعاداة السامية، ثم ملاحقتهم داخل مؤسساتهم وأطرهم المهنية، والمطالبة بفتح تحقيقات ضدهم داخل تلك الأطر، للتمهيد لطردهم من وظائفهم ونقلهم من دائرة المنتقدين العلنيين لإسرائيل إلى دائرة الدفاع عن النفس، وعن الوظيفة وعن السمعة المهنية والشخصية، وعن لقمة العيش نفسها، وبالتالي إلى تحييدهم وكذلك إلى جعلهم أمثولة تردع أي أشخاص آخرين قد تسول لهم أنفسهم أن ينتقدوا إسرائيل علناً.

بمعنى آخر، فإن هذه الحملة تندرج في سياق الإرهاب الفكري، الذي تمارسه الصهيونية بأذرعها المختلفة، ليس فقط لدرء النقد عن إسرائيل وممارساتها الهمجية، بل لحمل وسائل الإعلام المختلفة (بما فيها وسائط التواصل الاجتماعي) على تجاهل الفظائع الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، وتوفير الغطاء لإسرائيل لاستكمال كامل السيطرة على أرض فلسطين من النهر إلى البحر، وكذلك استكمال عمليات التطبيع مع حكومات وأنظمة الدول العربية.

يوم الاثنين الماضي، طالعنا الموقع الإخباري لصحيفة «ذي ديلي ميل» البريطانية (المعروفة بميولها الصهيونية) بتقرير عن طبيبة مصرية متخصصة في علم الأعصاب، كانت قد نشرت في مواقع التواصل الاجتماعي صورا لإسرائيليين يفرون من هجوم حماس، وعلقت قائلة بأن الأرض لو كانت لهم، لثبتوا ولما فروا، وحسب التقرير، فإن نقابة الأطباء البريطانيين (British Medical Association) صرحت للموقع الإخباري للصحيفة بأنها ستحقق في تعليقات الطبيبة المصرية.

ويضيف الموقع أن الطبيبة قالت في تعليقات أخرى بأن إسرائيل تقتل الفلسطينيين يومياً، ولا أحد يبالي، كما أنه لا يوجد مدنيون في إسرائيل (ومن الممكن جدا أن وجهة النظر الأخيرة تلك تشير إلى أن كل مواطني إسرائيل اليهود رجالا ونساءً – ما عدا طائفة الحريديم المتدينين – يؤدون الخدمة العسكرية ويظلون بعدها حتى سن التاسعة والأربعين جنودا احتياط عرضة للاستدعاء عند الطوارئ، ناهيك عن أن المستوطنين «المدنيين» يحملون السلاح).

هناك مجموعة ظهرت على وسائط التواصل الاجتماعي اسمها «الرقابة داخل خدمة الصحة الحكومية من أجل إسرائيل» تحض متابعيها على التبليغ عن أي حساب إلكتروني «يحتفي بالمجازر ضد مدنيين إسرائيليين»، وتضيف المجموعة «زودونا بالأدلة وسنقوم بالباقي وجمع التفاصيل». عنوان هذه المجموعة في موقع «إكس» (تويتر سابقاً) @NhsWatch1948 وتدلل هذه الرغبة في متابعة تعليقات الأفراد في مواقع التواصل الاجتماعي في ما يتعلق بإسرائيل وسياساتها على المدى الذي تذهب إليه أذرع اللوبي الصهيوني لاصطياد وإرهاب وإيذاء منتقدي إسرائيل في بريطانيا، وإسكاتهم وتخويف الآخرين عن طريق ملاحقتهم ومضايقتهم بهذا الشكل. مثل هذا التحرك ليس جديداً، بل كانت هناك تحركات مشابهة تعود إلى ما قبل إعلان إسرائيل عن تبني قانون يهودية الدولة الإسرائيلية، ما حولها من كيان عنصري من خلال التصرفات إلى كيان يتبنى التمييز العنصري ضد المسلمين والمسيحيين الفلسطينيين بشكل دستوري وقانوني وعلني.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما الذي يُمكّن اللوبي الصهيوني من التحرك بهذه السهولة وعلناً؟ وهل يصح وجود مجموعة مثل هذه تدعي أنها تعمل داخل مؤسسة الصحة البريطانية الحكومية وتسيسها لصالح إسرائيل؟ وقصة الطبيبة المصرية ليست مثالاً معزولاَ، ففي عام 2022 بعد حملة تحريض من اللوبي الصهيوني لعبت فيها صحيفة «ذي جويش كرونيكل» (Jewish Chronicle) دور رأس الحربة ضد الأكاديمية والناشطة الفلسطينية شهد أبو سلامة، ما دفع جامعة شفيلد هالام التي كانت شهد قد حصلت فيها على درجة الدكتوراه، إلى وقفها عن عملها كمحاضرة في الجامعة، بعد أن نبشت الصحيفة من حسابها على «فيسبوك» تعليقات ضد سياسات إسرائيل اعتبرتها لاسامية. دافعت شهد عن نفسها قضائياً، بمساندة مؤيدين فلسطينيين وبريطانيين وأوروبيين، وكسبت تعويضاَ من الجامعة بعد تراجعها عن تعليق وظيفتها. ومع أن التحقيقات خرجت لصالح شهد، إلا أن الجامعة تعاونت مع الإعلام الصهيوني للتشهير بها.

ويوم الثلاثاء الماضي (10 تشرين الأول/ أكتوبر) سمعنا أن طالباً فلسطينياً يدرس في جامعة برمنغهام بموجب بعثة أكاديمية، تعرض لسحب بطاقته الجامعية التي تخوله البقاء والدراسة في بريطانيا لمجرد أنه حمل ورفع علم فلسطين في الاحتجاجات الأخيرة التي جرت تضامناً مع شعبنا في غزة. ثم تطل علينا وزيرة الداخلية البريطانية سويلا برافرمان بتصريح مفاده، أن رفع العلم الفلسطيني في بريطانيا قد يكون مخالفاً للقانون، (مساوية بين ذلك، ورفع الرموز النازية) وتخطر الشرطة البريطانية بذلك!

ماذا بعد؟ على الأطر الفلسطينية والعربية والإسلامية والجمعيات البريطانية المتحالفة معها، التحرك سريعا لمواجهة هذه الهجمة وتطويقها والعمل على الدفاع عن حقوقنا في التعبير عن أنفسنا وقضيتنا، بل الدفاع عن حرية التعبير في بريطانيا. لأنه إذا تقاعسنا عن ذلك، سيأتي يوم نُجَرَّم فيه لمجرد قولنا بأننا فلسطينيون. فلنتذكر قول رئيسة وزراء إسرائيل السابقة غولدا مائير عام 1969 بأن الفلسطينيين غير موجودين.

 * كاتبة فلسطينية

المصدر: القدس العربي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.