الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

كتاب «في الفكر السياسي»؛ (الجزء الأول).. الحلقة الرابعة عشر

(الحرية أولاً) ينشر حصرياً الكتاب المفقود «في الفكر السياسي» بجزئيه، للمفكرين “الأربعة الكبار”، وهذه الحلقة الرابعة عشر من الجزء الأول(7). الوحدة الاقتصادية؛ بقلم الأستاذ “الياس مرقص”

 

 (7). الوحدة الاقتصادية

بعد أن أكد ستالين للرفاق المعترضين وجوب التسليم بنظريته، ينتقل إلى الاعتراض الثاني وهو الاعتراض الذي يطالب بإسقاط عنصر الاقتصاد المشترك من تعريف الأمة، ويكرس لهذا الموضوع الفصل الثاني وعنوانه « نشوء الأمم وتطورها ».

يوجه ستالين كلامه إلى الرفيقين ميشكوف وكوفالتشوك، فيقول بأسلوبه الفظ المعهود:

«أنتما تزعمان أن الأمم قد ظهرت ووجدت حتى قبل الرأسمالية. إن الأمة خلافاً لمزاعمكما المغلوطة لم توجد ولا كان ممكناً أن توجد في عهد ما قبل الرأسمالية، ما دامت السوق الوطنية لم تكن بعد موجودة كما لم تكن هناك مراكز اقتصادية ولا ثقافة وطنية؛ وعليه فإن العوامل التي يمكن أن تقضي على التجزئة الاقتصادية عند شعب معين وان تجمع في كل قومي واحد أقساماً منه لا تزال مجزأة لم تكن موجودة .

… إن هذه العناصر كانت إذ ذاك في حالة جنينية، وهي في أفضل الحالات، لم تكن سوى تمهيد لتشكيل الأمة أي امكانية تشكيلها في المستقبل عند توفر ظروف ملامة معينه».

وللتدليل على صحة كلامه، يستشهد ستالين بفكرة معروفة للينين قالها عام 1894 في معرض رده على میخایلوفسكي وغيره من أنصار النزعة الذاتية- المثالية في علم الاجتماع:

«إن اندماج المقاطعات والأراضي والإمارات في كل واحد لم تستدعه الروابط القبلية، حتى ولا استمرارها وتعميمها، بل لقد استدعته المقايضة المتزايدة بين المقاطعات وازدياد تداول البضائع تدريجياً وتركز الأسواق المحلية الصغيرة في سوق واحد لعامة روسيا. ولما كان موجّهو هذا السير والمسيطرون عليه هم التجار الرأسماليون، فإن إنشاء هذه الروابط القومية لم يكن شيئاً آخر سوى إنشاء الروابط البرجوازية». (لينين: من هم أصدقاء الشعب؟)

ويعلق ستالين على هذا الكلام ، فيسند نظريته عليه، متحدثاً عن نفسه بضمير الغائب:

(إن كراس ستالين «الماركسية والمسألة الوطنية» يأخذ بعين الاعتبار هذه الأمم البرجوازية حين يتحدث قائلاً أن «الأمة ليست مجرد مقولة تاريخية، بل هي مقولة تاريخية لعهد معين هو عهد الرأسمالية الصاعدة»، وأن «مصير الحركة القومية، البرجوازية بجوهرها، مرتبط بصورة طبيعية بمصير البرجوازية» وإن «سقوط الحركة القومية النهائي ليس ممكناً إلا مع سقوط البرجوازية،..)

أجل! الروابط القومية ليست امتداداً للروابط القبلية، ونشوء السوق المشتركة أمر هام … ولكن من الواضح لمن يطالع مؤلف «أصدقاء الشعب»، أن لينين  يتحدث عن روسيا نفسها ولا يعمم ملاحظاته على العالم أجمع!… فكم كان من الأسهل والأبسط بالنسبة لستالين آن يستشهد بقول للينين يؤيد تعريفة بالذات كما نشر في عام ۱۹۱۳. فلو فعل لحسم المشكلة- نقصد مشكله موقف لينين-. ولكن المشكلة ان لينين تجاهل «النظرية الماركسية الروسية»، «النظرية الوحيدة الصحيحة»..

فما هي حقيقة عامل الاقتصاد المشترك؟ هل يتوقف وجود الأمة على وجود الاقتصاد المشترك، فتظهر بظهوره وتزول بزواله؟؟

الناحية النظرية

لنرجع إلى محاكمة ستالين عن الاستقلال السياسي والدولة المستقلة المنفصلة:

هذه أمة واضحة المعالم يستعبدها استعمار أجنبي. إنها، بالرغم من هذا الاستعمار، أمة! ونضالها ضد الاستعمار نضال قومي!

هذه أمة واضحة المعالم ومستقلة. يأتي الاستعمار فيستعبدها ويُفقدها استقلالها، ويقضي على دولتها القومية المتميزة. هل تكف الأمة عن كونها أمة؟ كلا. هذا ما يؤكده ستالين، وهو محق في هذا التأكيد!

لنطبق الآن هذه المحاكمة نفسها على عامل الاقتصاد المشترك:

هذه أمة واضحة المعالم تعيش في دولة مستقلة موحدة. يأتي الاستعمار فيقضي على استقلالها ويقضي على وحدتها، فيجزئها سياسياً واقتصادياً . لقد زال الاقتصاد المشترك. فهل تكف الأمة عن كونها أمة؟ نعم، هكذا تقول نظرية ستالين!… بدون حق!

تلك هي حال بولونيا حتى عام ۱۹۱۸، وبيلوروسيا حتى عام ۱۹۳۹ وأوکرينيا حتى عام 1945.

تلك هي حال العرب حتى اليوم .

تلك هي حال الأمة الروسية في عهد الاحتلال الهتلري (1941- 1943): لقد جزأها الألمان الى جزأين وسيطروا على إحداهما، وقضوا على وحدتها الاقتصادية في سنة 1941. فهل كفت عن كونها أمة لتعود وتصبح أمة بعد عامين أو ثلاثة أعوام؟ طبعا لا!

مع أن نظرية ستالين تقضي بالعكس، اذ هي تؤكد:

« يكفي أن تنعدم علامة واحدة من هذه العلائم حتى تنقطع الأمة عن كونها أمة »

لا يمكننا الموافقة على رأي ستالين.

إن مخططاً يُسوِق إلى مثل هذه النتائج السخيفة لا يمكن اعتباره مخططاً علمياً.

والواقع أن ستالين نفسه لا يلتزم رأيه، وهو يشذ عن مخططه. ألم يتحدث عن أوكرينيا كأمة رغم أن الأمة الأوكرانية كانت مجزأة سياسياً واقتصاديا بين أربع دول؟. ألم يتحدث في نفس الكتاب عن الأمة البولونية مشيداً بصلابتها وقدرتها على مقاومة سياسة الدمج القومي?

الناحية العملية

هذا بالنسبة للشطر النظري في محاكمة ستالين.

لننتقل الآن إلى الشطر العملي، السياسي.

يؤكد ستالين في رده الطويل على ميشكوف وكوفالتشوك، أن تعليق وجود الأمة على شرط استقلالها السياسي موقف خاطئ ومضرّ من الناحية التطبيقية- السياسية: إذ أنه يؤول إلى تزكية نشاط القوميين البرجوازيين في الجمهوريات السوفياتية (الذين يسعون إلى فصل هذه الجمهوريات)، كما يؤول أيضاً الى « تبرير الظلم القومي والاستعاري، الذي لا يعترف ممارسوه أبداً بالأمم المظلومة والمهضومة بأنها أمم حقاً، ما دامت هذه الأمم ليست لها دولتها القومية المنفصلة، وهم يعتبرون أن هذه الحالة تعطيهم الحق في اضطهاد هذه الأمم ».

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

 

 

 

يتبع.. الحلقة الخامسة عشر بعنوان: (7). شعوب المستعمرات هل هي أمم؟؛ بقلم الأستاذ “الياس مرقص”

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.