الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

للمرة الأولى؛ الذهب الأحمر(الزعفران) يدخل زراعات الشمال السوري

فيصل عكلة *

حاول المهجرون قسريًا إلى الشمال السوري بفعل طيران مليشيا أسد وروسيا البحث عن بدائل زراعية، بعد أن استولت قوات النظام على أغلب المناطق الزراعية الخصبة من الشمال السوري، وضاقت الأرض على ملايين المهجرين إلى الشمال السوري، من هذه البدائل التي توفر عليهم المال والجهد هي النباتات العطرية وأهمها الزعفران أو ما يطلق عليه الذهب الأحمر إضافة إلى أزهار الزينة وذلك لتحقيق لقمة عيش كريمة عوضًا عن إنتظار السلّة الغذائية التي تحضر شهرًا وتغيب شهور وتُشعر الناس بالذل والمهانة.

يعتبر الزعفران من النباتات العطرية التي دخلت مؤخرًا وللمرة الأولى الشمال السوري، هي زراعة ذهبية لما تدرّه من أموال على المزارعين.

الزعفران نبتة أنيقة وفريدة من نوعها، تدرّ آلاف الدولارات وتطلبها الشركات العالمية كما أفاد المهتمون بالشأن الزراعي مع أنها تحتاج عند قطاف أزهارها أن تُعامل بحذر وهدوء من أجل ضمان الجودة العالية، مؤكدين أن زراعة الذهب الأحمرعبارة عن مشروع تنموي هام، يملك نسبة نجاح عالية جدًا.

التجربة الأولى في مجال زراعة الزعفران انطلقت من مدينة بنّش شرقي إدلب والمحاذية لخطوط النار مع قوات النظام، وكانت على يد الأستاذ الجامعي أسامة سلات الذي فكّر خارج الصندوق كما يقال وأضاف هذه الزراعة الوليدة إلى قائمة المزروعات في الشمال٠

عن الزراعة الجديدة والواعدة سألت صحيفة إشراق الأستاذ أسامة عن بدايات فكرة زراعة الزعفران فكان جوابه:

“بسبب معاناة المزراعين من كساد معظم المحاصيل وخاصة الصيفية منها، إضافة إلى كثرة زراعتها وصعوبة تصريفها  ظهرت فكرة زراعة الزعفران، كان لا بد من البحث عن  زراعات تضمن دخل مستقر للمزارع وتزيد النشاط الاقتصادي للمنطقة، أما فكرة زراعة الزعفران فموجودة من زمن طويل ولكن بسبب المعارك الأخيرة تأجلت، وبعد الاستقرار النسبي بالمنطقة ولله الحمد بحثنا عن البصيلات ودرسنا جدوى المشروع وبعد صعوبات استطعنا تأمين البصيلات وزراعتها”.

وعن الصعوبات التي اعترضت طريقه، فقد شرحها لنا السلات بالقول:

“من الصعوبات المواجهة أسعار البصيلات المرتفعة جدًا نسبة لدخل مزارعي المحرر بشكل عام ومن الصعب زراعة المساحات الواسعة إلا لأصحاب رؤوس الأموال”.

يعتبر الزعفران من النباتات العطرية الذي يدخل في الصناعات الدوائية والمنكهات كما أنه يعتبر من أكثر التوابل غلاء في العالم إن لم يكن أغلاها على الإطلاق، حتى أن ثمن الكيلوغرام الواحد قد يصل إلى 5000  دولار، كما أن الغرام الواحد يباع بسعر قريب من سعر الذهب في بعض دول المغرب العربي.

لمعرفة موعد زراعة الزعفران والتربة المناسبة سألنا المهندس الزراعي حسين الحمد فقال:

 تبدأ زراعة الزعفران في بداية شهر أيلول/ سبتمبر وحتى منتصفه حسب المناطق، ويفضل التربة الرملية على التربة الطينية، كما يفضل وضع السماد العضوي بمتوسط 2.5 طن في الدونم ويمكن الزيادة أو النقصان على حسب جودة التربة، كما يعتبر الزعفران زراعة مقتصدة للمياه، بحيث يسقى عن طريق التنقيط مرتين في الأسبوع خلال الأشهر الدافئة ومرة واحدة خلال الأشهر الباردة”.

 أوضح لنا الحمد طريقة الزراعة بالقول: “تكون على شكل منصات بعرض 1 متر وطول لا يتجاوز ال 50 متر. والمسافة بين المنصات حوالي 40 سم من أجل السير عليها أثناء الجني والأعمال الزراعية الأخرى، أما مساحة الأرض اللاّزمة لزراعة كيلو واحد من البصيلات (حسب حجم البصيلات) من 200  إلى 300 بصيلة والمسافة بين البصيلات حوالي 10سم وعلى عمق 8 سم”.

 موسم قطف الزهور يبدأ حسب المختصين بعد حوالي شهرين تقريبًا من الزرع، حيث تقطف المياسم يوميًا في الصباح الباكر، وتترك البصيلات حتى الشهر الخامس أو السادس لتتضاعف إلى ثلاثة أضعاف، تنزع المياسم وتوضع فوق ورق نظيف وأمام مصدر حراري لتجفف في أسرع وقت ممكن من أجل الحصول على أعلى مستوى من جودة الزعفران، بعد التجفيف يحفظ الزعفران في وعاء زجاجي جاف بعيدا عن الإضاءة.

يخزن الزعفران لمدة 40 يومًا وهو الزمن الذي يسمح للزعفران بالحصول على كل خصائصه من طعم ولون ورائحة، وتبدأ عملية إزالة الأعشاب التي تنافس الزعفران في الماء والضوء والعناصر المعدنية، ومن الأفضل أن تكون الإزالة يدوية وينصح بالابتعاد عن المبيدات العشبية، وبنكش الأرض سطحيًا من حين لآخر من أجل توفير التهوية والمساحة اللازمة لكبر البصيلات.

وعن الأمراض والآفات التي تصيب الزعفران، التقت صحيفة إشراق الصيدلاني الزراعي عثمان العثمان وسألته عن ذلك فأجاب:

“الأمراض الفطرية وتعفن البصيلات، إضافة إلى الحيوانات البرية التي تخرب وتأكل البصيلات وكذلك القوارض كالأرانب البرية وفأر الحقل والخلد، ومن الأفضل تسييج الأرض المزروعة بسياج مانع من دخول هذه الحيوانات التي يمكن أن تتسبب في خسائر بسبب إلتهامها للأوراق، كما أن كثرة السقي يمكن أن تتسبب في تعفن البصيلات، وأيضًا استخراج البصيلات قبل أوانها مع عدم توفير الظروف الملائمة لحفظها يمكن أن يسبب أيضا تعفنًا لها”.

يضيف المهتمون بالشأن الزراعي أن اختيار مكان زراعة الزعفران من الأمور المهمة جدًا لنجاح تلك الزراعة وارتفاع مردوديتها، فالزعفران من النباتات التي تحب المرتفعات المتوسطة حيث أن أفضل الأماكن التي يمكن زراعته فيه هي الأراضي المرتفعة عن سطح البحر بين 600 الى 1400 متر وهو ما ينطبق على بعض المناطق في الشمال المحرر وهي القريبة من منطقة اعزاز في الشمال الشرقي وريف سلقين من الشمال الغربي.

يُذكر أن العدد الإجمالي للسكان في محافظة إدلب بإحصائية 2010  بلغ مليون ونصف نسمة، يعيشون على مساحة 6000 كم٢ وبعد إحتلالها من قبل قوات النظام، تضاعف عدد السكان ليصل إلى أربعة ملايين نسمة، وبذات الوقت تقلصت المساحة إلى حدود النصف حسب ما أوضحه لنا جميل الحمود العامل السابق في دائرة أملاك الدولة، مضيفًا: “حتى المساحة المتبقية، تبلغ نسبة الأراضي الصالحة للزراعة منها 30%  فقط وبالباقي جبلية، وهذه النسبة من الأراضي الزراعية تقلصت بدورها أيضًا وفقدت بحدود 10%  منها ببناء المخيمات والتوسع العمراني، وهي لا تفي باحتياجات الناس وعليه ينبغي الإستغناء عن زراعة المحاصيل الإستراتيجية التي نستوردها من تركيا والتوجه نحو زراعة المحاصيل عالية المردود مثل النباتات العطرية التي تضم الزعفران إضافة إلى الخضار والفواكه.

تتعدد الزراعات في الشمال السوري وتتنوع، ويبقى التوجس الأمني والخوف من القصف هاجس  لكل من يفكر بإدخال مشاريع جديدة إلى الشمال السوري، وتبقى الأنظار مشدودة  بإنتظار نجاح تجربة زراعة الزعفران الأولى لتُعمّم على منطقة عانت طويلاً من القصف والتهجير.

* كاتب سوري

المصدر: اشراق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.