الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

تركيا: دولة ديمقراطية في بحر متلاطم من الدكتاتوريات

محمد عمر كرداس 

تستعد تركيا لإجراء جولة ثانية للانتخابات الرئاسية في 28 أيار/ مايو 2023 لانتخاب الرئيس الثالث عشر للجمهورية التركية بعد إجراء الجولة الأولى في 14 من نفس الشهر والتي لم تسفر عن تقدم أي من المرشحين للمنصب، ومع أن النتائج كانت متقاربة وبفارق 5% لصالح الرئيس الحالي رجب الطيب أردوغان فهي لم تصل إلى الأغلبية المطلقة التي تتجاوز 50% من الأصوات بقليل.

شهدت تركيا منذ وصول الحزب الحاكم الحالي قبل عشرين سنة ما يمكن أن يسمى مسيرة نهضة وإصلاح في كافة مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بعد فترة طويلة من عدم الاستقرار، إذ تخلل مسيرة الجمهورية الكثير من المطبات والفوضى فقد اعتُبر الجيش  لفترة طويلة حامي الجمهورية، وبذلك كان الحاكم الفعلي لتركيا وكان يتدخل بكل كبيرة وصغيرة حتى وصل الأمر به إلى القيام بعدة انقلابات  وأنهى الحياة المدنية، وكانت فترات حكمه وبالًا على البلاد والعباد وكان بذلك ينفذ سياسات غربية تريد استمرار تخلف تركيا وتحكمها بها استمرارًا للشروط المجحفة التي رافقت مسيرة الاستقلال وحرمان تركيا من كثير من مواردها وثرواتها.

يمكن تسمية ما قام به الحكم الحالي بثورة من فوق من حيث النتائج التي وصلت إليها، فقد أعادت الجيش إلى وضعه الطبيعي كحامي للبلاد واستقلالها لا حاكم لها، وهو غير مؤهل لذلك، ثم غيرت نظام الحكم من عَلماني مُلحد إلى عَلماني مُحايد وهذا هو الوضع الطبيعي للعَلمانية، لا يعادي الأديان ولا يحكم باسم الدين، وبذلك أنهى الأتاتوركية دون أن يمس بمكتسباتها أو رموزها، ونهض بتركيا اقتصاديًا حتى أصبحت بمصاف الدول المتقدمة، أبعدها عن الاستقطاب العالمي فهي لم تعد مُرتهنة لأميركا أو الغرب ومع أنها عضو في حلف الأطلسي الغربي، إلا أنها وقفت على الحياد في حروب هذا الحلف ضد الدول الضعيفة من أفغانستان إلى العراق إلى الحروب الإقليمية الصغيرة، وبذلك أخذت موقفًا محايدًا لأول مرة.

أما المعارضة التي اتفقت لأول مرة بأحزابها الستة على مرشح واحد للانتخابات للرئاسية هو زعيم حزب الشعب الجمهوري، فلم تستطع أن تأتي ببرنامج متكامل للحكم، فقد ركز برنامجها على نقطتين رئيسيتين أولاهما طرد اللاجئين من الأراضي التركية وخاصة السوريين وإعادة النظام البرلماني بعد أن حوله الحزب الحاكم في الانتخابات السابقة إلى رئاسي، ولكن الانتخابات البرلمانية لم تعطِ المعارضة الأغلبية في البرلمان وبقي الحزب الحاكم وائتلافه الحكومي محتفظًا بهذه الأغلبية، وبذلك لن يستطيع تحالف المعارضة تحقيق نقطته الأولى ولم يبق في برنامج المعارضة إلا موضوع اللاجئين فسعَرت الحملة المعادية ضدهم وضخمتها وضمنتها الكثير من الاتهامات والمغالطات البعيدة عن الحقيقة والواقع التي أصبح يعرفها الجميع ويرفضها الكثيرون لأن القاصي والداني يعرف مدى إيجابية السوريين ومساهمتهم في الاقتصاد التركي مع عدم تمتعهم بمزايا أمثالهم من الأتراك في الرواتب والحوافز وفرص العمل، وكل الاتهامات بأنهم يقبضون الرواتب من الميزانية التركية غير صحيحة، وأن الأمم المتحدة تتحمل كل التكاليف. 

ومع ذلك فمعظم اللاجئين ينتظرون عودتهم لديارهم بفارغ الصبر فليس هناك لاجئ سعيد بلجوئه ولكنهم ينتظرون محاسبة النظام المجرم الذي هجرهم وقتلهم ودمر بلدهم ونهب ثرواتهم ليحل مكانه نظام  وطني ديمقراطي يعيد لسورية مجدها ومكانها بين الدول، ولا ترى إلى الآن أي من الدول الفاعلة بالملف السوري تعمل لتنفيذ ذلك.

التصويت لأردوغان يعتبر تصويت للاستقلال الاقتصادي والسياسي ولمتابعة مسيرة النهوض والتميز، والابتعاد عن المحور الغربي الذي لا يريد أي تقدم لتركيا أو لأي بلد من البلدان النامية، فهو ضد الشعوب وداعم أول للدكتاتوريات الناهبة والفاسدة والمتسلطة على البلاد والعباد في شتى بقاع الأرض.

لا شك أن اللاجئ في تركيا وخصوصًا اللاجئ السوري التي تتركز حملة المغرضين ضده قلق وهو يرى هذا التصعيد العنصري ضده لأنه يعرف تمامًا أن إعادته لمناطق النظام واقامة العلاقات الطبيعية مع نظام الإجرام في دمشق قبل محاسبته تعني تسليمة لقبضة الجزار الذي لم يرحم ولن يرحم من خرج مطالبًا بالحرية والكرامة والعدالة.

وجود تركيا كدولة ديمقراطية في بحر من  الدكتاتوريات من روسيا إلى سورية إلى مصر إلى السعودية ..الخ هو نيشان على صدرها وصدر حكومتها التي تحترم إرادة شعبها وتطلعاته إلى المستقبل.

المصدر: إشراق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.