الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

ومضات: شعب للإعدام… و«فيتامين» الإصرار!

صبري صيدم *

مع اغتيال الشيخ خضر عدنان تتجذر حقيقة الإرادة الصهيونية بإعدام الشعب الفلسطيني برمته، في سباق محموم مع عقارب الساعة بغرض الخلاص من الفلسطينيين عبر ترحيلهم، أو عزلهم وبأي ثمن كان، ودونما اعتبار لحقوق الإنسان، ولا لأي من المفاهيم الأخلاقية التي أعفت إسرائيل ذاتها منها، قولاً وعملاً، بل مارست بلطجتها السياسية والمالية والعدلية والإعلامية، خدمة لهذه الحال، وحتى ركّعت أمامها مراكز نفوذ عالمية عدة.

جرافة هنا وسجان هناك! اقتحام هنا واعتقال هناك! إغلاق هنا ومستوطنات هناك! حرق هنا وتسليح هناك! في مشهد لا يعكس إلا حالة عنصرية عدائية إحلالية بامتياز. وأمام هذا وذاك فإننا نرى البعض مصراً على كيل المديح لدولة الاحتلال، واصفاً إياها بـ«أيقونة الديمقراطية» وصاحبة الفضل بأن «أورقت الصحراء» في حياتها «وازدهر الإبداع» في عهدها، في مواربة واضحة وتجاوز علني لمعاناة شعب برمته. كلمات الإطراء والمديح والحبور ليست مجرد مجاملة، وإنما هي بمثابة التصفيق الصامت لما يفعله الاحتلال، وجواز سفر له للمزيد من التنكيل. خمسة وسبعون عاماً انقضت لم يبق فيها حجر على حجر، مذابح ومعارك وهدم وترحيل واعتقال وإعدام وهجوم ومصادرة واقتحام وتهجير وسلب وتنكيل… والنتيجة: أن يوصف البعض هذا المسلسل المتواصل: بالحرية والديمقراطية والأمل.

لم أسمع في حياتي عن ديمقراطيات: تقتل خارج القانون، وتعدم من دون محاكمة، وتسجن دونما إدانة… لم أسمع عن مبدعين: يصادرون ويغدرون وينهبون ويقتلون دونما رادع أو وازع، إلا دولة الاحتلال التي أحكمت السيطرة على رقاب الجزء المؤثر من سياسي العالم، فباتوا يطبلون لغطرستها ويهللون لتماديها ويستجدون رضاها. ليس بهذه الطريقة تعيش البشرية! أن تشجع الظالم على ظلمه يعني أن تبارك أخطاءه، وأن تناصر أفعاله، فتكون كما المجرم، متواطئاً في الخطأ والجريمة، فتستحق أن تقف إلى جانبه في قفص الاتهام وتحاكم بجرائم ضد الإنسانية والبشر والشجر والحجر. واليوم ومع رحيل خضر عدنان يكون المأزوم بن غفير قد نفّذ ما أعلن عنه، بقتل السجناء بعد نقلهم وعزلهم وحرمانهم من أبسط الأمور التي توفرت لهم في المعتقلات وبحكم نضالهم، أي تلك التي وصفها بن غفير نفسه «بخدمات الخمسة نجوم»، أو ما سماها أيضاً «بالنزهة والتنزه». بن غفير وسموتريتش ونتنياهو… مبتغاهم الموت والإعدام وتصفية القضية الفلسطينية، بالإجهاز على أهلها ظناً منهم أن الشعوب تقتل بخزعبلات كهذه.

الشعوب لا تموت بإرادة السجان ولا بالدبابات ولا بالتنكيل… فالقوة لا تقابلها إلا قوة.. والضغط لا يواجهه إلا الضغط وهو ما يولد فيتامين الإصرار والمقاومة.

لذلك فإن مسيرة الخمسة والسبعون عاماً الماضية وفشلها في تحقيق المطلوب إسرائيلياً في زمن لم تعرف فيه البشرية الإنترنت ووسائل الإعلام الحديث، لن تتمكن من قلب معادلة الشعب الفلسطيني ودفعه نحو اليأس والاندثار. شعب يعرف ما يريد هو شعب لا يمكن كسرهُ ولا تركيعهُ، خاصة بعد أن باتت الصور واضحة، بمطبعيها ومنبطحيها وكل من هانت عليه نفسه فتساوق مع المهللين لإسرائيل والباحثين عن رضاها وحمايتها. لا يمكن لإسرائيل أن تقاوم فيتامين الإصرار الخاص بالشعب الفلسطيني، ولا يمكن لظلمها إلا أن يزيد من القوة المضادة لها، إلا أن هذه القوة لن تتبلور بثقلها الحقيقي إلا في لم الشمل الداخلي وإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية… وحدة تضمن ولادة استراتيجية نضالية تحظى بالتوافق الكامل وتوفر التجانس والتكامل المطلوبين في وجه المحتل.. فهل يدق استشهاد خضر عدنان ناقوس الوحدة الوطنية؟ ننتظر ونرى!

* كاتب فلسطيني

المصدر: القدس العربي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.