الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

هل نقتل روبوتات الدردشة؟

نشر موقع (“بروجيكت سانديكيتProject Syndicate) مقالاً للكاتب “مايكل سترين”(مدير دراسات السياسة الاقتصادية في معهد أمريكان إنتربرايز، ومؤلف كتاب “الحلم الأمريكي لم يمت”)، يقول فيه إن دعوة عدد من رموز التكنولوجيا مثل- إيلون ماسك- لإيقاف تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي لمدة 6 أشهر لن يكون لها مردود ملموس، ناهيك عن أنه في حال توقف الولايات المتحدة فإنها لن تستطيع إجبار الصين على الامتثال. شارحاً كيف أن هذه التخوفات ليست فى محلها، ومنوها بأن الحل لا يكمن في إيقاف التكنولوجيا بل في حسن تنظيمها… نعرض من المقال ما يلي:

كان التقدم الكبير المفاجئ الذى طرأ على الذكاء الاصطناعي مؤخراً مُـبهِـراً للعالَـم أجمع. ولكن الآن، يستجيب بعض الأشخاص البارزين وذوي المكانة المتميزة بمطالب مضللة لسحب المكابح.

تلقت رسالة مفتوحة تدعو «كل مختبرات الذكاء الاصطناعي إلى التوقف فوراً لمدة ستة أشهر على الأقل عن تدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي» آلاف التوقيعات، بما في ذلك توقيعات رموز التكنولوجيا من أمثال “إيلون ماسك” و”ستيف وزنياك”، وعدد كبير من رؤساء الشركات التنفيذيين، وكبار الباحثين.

يؤكد أولئك الذين يطالبون بوقف مؤقت أن «الذكاء الاصطناعي التوليدي» يختلف عن أي شيء عرفناه من قبل. الواقع أن روبوت الذكاء الاصطناعي المفتوح ChatGPT متقدم إلى الحد الذي يجعله قادراً على التحدث بشكل مقنع مع البشر، وإعداد مسودات للمقالات بشكل أفضل من كثير من الطلاب الجامعيين، وكتابة وتصحيح أكواد الكمبيوتر.

من المفهوم أن تثير تكنولوجيا جديدة تتمتع بمثل هذه القوى الهائلة المخاوف. لكن قسماً كبيراً من هذه المحنة يأتي في غير محله. الواقع أنه حتى أحدث التكنولوجيات ليست جديدة كما تبدو. كانت روبوتات الدردشة وبرامج المساعدة الافتراضية شائعة قبل أن يستحوذ روبوت الدردشة ChatGPT على العناوين الرئيسية.

تدعو الرسالة المفتوحة إلى توقف مؤقت لمدة ستة أشهر للسماح لصناع السياسات والهيئات التنظيمية باللحاق بالركب. لكن الهيئات التنظيمية تمارس دوماً لعبة الملاحقة، وإذا كانت أكبر المخاوف بشأن الذكاء الاصطناعي مبررة حقاً، فإن التوقف المؤقت لمدة ستة أشهر لن يكون مفيداً بدرجة ملموسة. علاوة على ذلك، إذا كانت هذه المخاوف مُـضَـخَّـمة حقاً، فقد يتسبب التوقف المؤقت في إحداث ضرر دائم من خلال تقويض قدرة الولايات المتحدة التنافسية أو ترك المجال لقوى أقل احتراماً للمسئولية. تزعم الرسالة أنه «في حال تعذر استنان التوقف المؤقت تشريعياً بسرعة، فيجب أن تتدخل الحكومات لفرض التعليق». ولكن هل من الممكن إجبار الصين على الامتثال لمثل هذا الأمر؟

بطبيعة الحال، قد ترغب الحكومات في بعض الأوقات في وقف تطور التكنولوجيا. لكن هذا لا ينطبق على وقتنا الحاضر. يجب أن تركز الضوابط التنظيمية على كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي، وليس ما إذا كان من الممكن أن يستمر في التطور. بمجرد أن تتقدم التكنولوجيا، يصبح من الأوضح كيف ينبغي لنا تنظيمها. ولكن هل من المحتمل حقاً أن يتسبب الذكاء الاصطناعي في «محو البشرية»؟ الاحتمال ضئيل في اعتقادي. لكن الذكاء الاصطناعي التوليدي لن يكون أول تكنولوجيا تنطوي على مثل هذا الخطر.

إذا كان دُعاة الهلاك محقين في أي شيء، فهو أن الذكاء الاصطناعي لديه القدرة على التأثير على قطاعات ضخمة من الاقتصاد ــ مثل الكهرباء والمحرك البخاري من قبلها. لن أتفاجأ إذا أصبح الذكاء الاصطناعي على ذات القدر من أهمية الهاتف الذكي أو متصفح الويب، مع كل ما يترتب على ذلك من تأثير على العمال، والمستهلكين، ونماذج العمل القائمة.

لا تتمثل الاستجابة الصحيحة للارتباك الاقتصادي في إيقاف عقارب الساعة. بل ينبغي لصناع السياسات أن يركزوا على إيجاد الطرق لزيادة المشاركة في الحياة الاقتصادية. هل يكون من الممكن توظيف إعانات الدعم بشكل أفضل لجعل العمل أكثر جاذبية من الناحية المالية بين الأشخاص الذين لا يحملون شهادات جامعية؟ هل تستطيع الكليات المجتمعية وبرامج التدريب بناء المهارات التي تسمح للعاملين باستخدام الذكاء الاصطناعي لزيادة إنتاجيتهم؟ ما هي السياسات والمؤسسات التي تحول دون تعظيم المشاركة الاقتصادية؟

ينبغي لنا أن نتذكر أن التدمير الـخَـلّاق لا يدمر فحسب. فهو يخلق أيضاً، وغالباً بطرق قوية وغير متوقعة. سوف تخيم غيوم عاصفة على مستقبلنا مع الذكاء الاصطناعي. ولكن في مجمل الأمر، سيكون ذلك المستقبل مُـشـرِقاً.

المصدر: الشروق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.