الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

المصالحة التركية السورية.. لماذا يتمنع الأسد على أردوغان؟

خلص تحليل نشره “المركز العربي واشنطن دي سي” وكتبه الباحث التركي سالم تشيفيك Salim Çevik، إلى أن مساعي المصالحة التي تحاول روسيا التوسط بها حاليا بين تركيا والنظام السوري تترنح بفعل عدة عوامل، أبرزها موقف بشار الأسد الذي لا يريد هذه المصالحة دون ثمن حقيقي يتمثل في إنهاء أنقرة دعمها للمعارضة السورية وانسحابها من الأراضي التي تسيطر عليها، شمالي سوريا، ويقينه بأن الرئيس التركي يريد المصالحة لأهداف انتخابية في المقام الأول.

ويقول كاتب التحليل، الذي ترجمه “الخليج الجديد”، إن إعلان الأسد خلال زيارته الأخيرة لروسيا أنه لن يلتقي بأردوغان حتى ينتهي “الاحتلال التركي في سوريا”، إشارة واضحة على أن المصالحة لن تكون سهلة.

ويعتبر أن أولويات ودوافع كل من أردوغان والأسد إزاء تلك المصالحة تبدو متباينة، ففي حين أن إعادة ضبط تركيا علاقاتها الإقليمية مع دول الشرق الأوسط الأخرى، مثل السعودية وإسرائيل ومصر والإمارات، لها أبعاد جيوسياسية واقتصادية، فإن سياسة أردوغان تجاه سوريا تتشكل بالكامل تقريبًا من خلال حساباته السياسية المحلية.

دوافع أردوغان

ومن الواضح أن أردوغان أكثر حماسًا للتقارب مع الأسد حاليا، حيث يمثل هذا تحولًا مهمًا بالنسبة للرئيس التركي، الذي سيرشح نفسه لولاية ثالثة في 14 مايو/أيار المقبل، ويتوقع فوائد داخلية من المصالحة مع النظام السوري في الفترة التي تسبق الانتخابات.

أولاً: يريد أردوغان تعزيز المصالحة مع النظام السوري كمقدمة لحل أزمة اللاجئين المتزايدة في تركيا، وهي أزمة تتضخم باستمرار محليا، وبات هناك شبه إجماع داخلي في تركيا على الرغبة في التخفف من هذا العبء، حتى بين قاعدة أردوغان الانتخابية ذاتها.

ثانيًا: وعلى نحو متصل، يأمل أردوغان أنه من خلال المصالحة مع الأسد يمكنه إجهاض إحدى أبرز تحركات المعارضة ضده، حيث سوق خصمه الأبرز زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار أوغلو نفسه على أنه سيحقق المصالحة مع دمشق ويعيد اللاجئين إلى ديارهم عبر عملية شاملة، وقد تمكنت هذه التصريحات من استرضاء شريحة مهمة من الجماهير التركية التي ضاقت باللاجئين.

وإذا نجح أردوغان في المصالحة مع الأسد، فسوف يزعم أنه قد نفذ بالفعل ما وعدت به المعارضة.

حسابات الأسد

في غضون ذلك، يقول الكاتب إن حسابات رئيس النظام السوري تبدو أكثر وضوحا، فالمصالحة مع تركيا ستتوج انتصاراته على المعارضة، قياسا إلى أن أنقرة تعد الداعم الرئيسي حتى الآن لقوى المعارضة السورية.

لكن من دون التطرق إلى قضية وحدة الأراضي السورية، فإن هذه الفوائد ضئيلة جدًا بالنسبة لنظام الأسد، الذي يريد خروج تركيا من الأراضي التي تسيطر عليها شمالي سوريا، وهو الأمر الذي لا تستطيع تركيا تلبيته على المدى القريب لأسباب أمنية وسياسية، وبالتالي فإن أنقرة كانت تريد بدء مباحثات مباشرة بين أردوغان والأسد دون أي شروط مسبقة حاليا، وهو ما يرفضه بشار.

ويقول الكاتب إن الأسد لا يريد مد يد العون إلى أردوغان في الفترة التي تسبق الانتخابات، أو بعبارة أخرى، لا يريد أن يفعل ذلك دون ثمن مناسب لجهوده. علاوة على ذلك، وعلى عكس أردوغان، لا يشعر الأسد بضغوط الوقت.

وبما أن المصالحة مع النظام السوري كانت على أجندة المعارضة التركية منذ عدة سنوات، فإن الأسد لا يخشى تغيير الحكومة في أنقرة، لذلك فالوقت يعمل لصالحه، ما يسمح له بالإصرار على شروطه المسبقة.

آثار الزلزال

كما أدى الزلزالان الهائلان اللذان ضربا تركيا وشمال سوريا في 6 فبراير/شباط الماضي، والذي أودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص في البلدين، إلى تضاؤل الاحتمالات المنخفضة بالفعل لتحقيق مصالحة سريعة بين أردوغان والأسد.

كان للزلزال تأثير سلبي على المصالحة. فإذا كان أحد مكاسب الأسد المحتملة من المصالحة مع أردوغان هو أنها ستسرع من عملية كسر عزلته الدبلوماسية، فقد بدأ بالفعل في تحقيق ذلك بعد الزلزال مباشرة.

وبينما لم يكن الأسد قادرًا على استخدام الزلزال لكسر عزلته عن الغرب، كان قادرًا على تحسين علاقاته مع العالم العربي بسرعة.

في حين أنه من الصحيح أن إعادة قبول سوريا في العالم العربي كانت جارية بالفعل، لكن الزلزال سرّع هذه العملية، حيث زار الأسد سلطنة عمان والإمارات وتباحث مع عاهل الأردن الملك عبدالله الثاني واستقبل وزير الخارجية المصري سامح شكري، ولعل الأمر الأكثر أهمية هو أن السعودية قررت إعادة فتح سفارتها في دمشق.

ومن وجهة نظر الأسد، هذه الآفاق الإيجابية لكسر عزلته الدولية تقلل من أهمية المصالحة السياسية مع تركيا.

العملية العسكرية التركية

وكان التهديد الأخير من أردوغان ببدء عملية عسكرية جديدة في سوريا، أحد محددات الضغط على الأسد لقبول المصالحة، لكن معرفة دمشق بعدم وجود ضوء أخضر من روسيا والولايات المتحدة لتركيا من أجل هذه العملية حاليا، شجع الأسد على عدم القلق منها، خصوصا أن احتمالاتها باتت ضئيلة بسبب تداعيات الزلزال وانشغال أنقرة بجهود إعادة الإعمار.

باختصار، استخدمت أنقرة الاعتراف الدبلوماسي كجزرة والتهديد بعملية عسكرية جديدة كعصا من أجل جلب الأسد إلى طاولة المفاوضات. ولكن بعد الزلزال، لم تعد الجزرة جذابة، ولم تعد العصا مصدر تهديد.

الدور الروسي

يرى الكاتب أن روسيا كانت تريد إنجاز المصالحة بين أردوغان والأسد، كانتصار لبوتين ولتعزيز صورته كصانع للسلام في منطقة مهمة بالشرق الأوسط، لاسيما في أعقاب المصالحة السعودية الإيرانية التي توسطت فيها الصين، علاوة على رغبة موسكو في دعم موقف أردوغان الانتخابي، حيث تنظر بإيجابية إلى خلافاته شبه المستمرة مع الولايات المتحدة.

ومن شأن المصالحة بين النظام السوري وتركيا أن تزيد الضغط على الجماعات الكردية، كما ستجعل الوجود الأمريكي في سوريا أكثر اضطرابًا مما هو عليه بالفعل، وهو ما يمثل مصلحة أيضا لموسكو.

لكن الأسد، الذي بات أكثر تشددا إزاء المصالحة مع تركيا، لاسيما بعد الزلزال، لا يزال يقاوم الضغوط الروسية في هذا الإطار حتى الآن، وبسب هذا التشدد تم إلغاء اجتماع بين نواب وزراء خارجية تركيا وسوريا وروسيا وإيران، الذي كان من المقرر عقده في منتصف مارس/آذار الجاري.

ويختم الكاتب تحليله بالقول: “في مثل هذا الموقف المعقد، سيتعين على جميع الأطراف المضي قدمًا برفق”.

المصدر | سالم تشيفيك | المركز العربي واشنطن دي سي – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.