الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

اتفاق بكين بعيون الصحافة الصينية.. إنه “الحزام والطريق”

مهدي عقيل *              

نال الاتفاق السعودي- الإيراني برعاية صينية، حقه في الصحافة العالمية والعربية، لكن كيف تناوله الإعلام ومراكز الأبحاث في الصين؟

بعد أن أمست سياسة الصمت ماركة صينية مسجلة، قرر الصينيون أن خطة “الحزام والطريق” لا بدّ من تعبيد الطريق أمامها عبر الاضطلاع بدور سياسي في غير مكان من العالم، فهل هذا ما شجّع الصين لأن تبادر في منطقة الشرق الأوسط، أم أنها محاولة منها لملء الفراغ الناجم عن الإنسحاب الأميركي من المنطقة؟

عميد المعهد الصيني للدول العربية بجامعة نينغشيا لي شاوشيان يجيب على السؤال قائلاً: “تحترم الصين بالكامل الوضع الرئيسي لدول الشرق الأوسط، ولم تتقدم فقط لملء ما يسمى “الفراغ”. الصين مستعدة لتكون داعماً للأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، وشريكاً في التنمية والازدهار، ومروجاً للوحدة وتحسين الذات”. إنما من باب تخوف الصين من تدهور الأوضاع في الشرق الأوسط. ويرى شينغ ييهوا Cheng Yihua، في موقع Hong Kong 01، أنه إذا ما استمر الوضع في الشرق الأوسط على ما هو عليه، لا سيما في ما يخص توقف المفاوضات النووية، “سيشهد خليج فارس مركز إنتاج النفط والغاز في العالم، حتماً إغلاقاً واسع النطاق، هذا ما لا تريد السعودية رؤيته، لذلك فيما يتعلق بالسيطرة على الوضع، للسعودية وإيران لغة مشتركة وحتى مصالح مشتركة”.

ويذهب وانغ جين، الأستاذ المشارك في معهد الشرق الأوسط بجامعة نورث ويست، أبعد من ذلك، بقوله: “السعودية وإيران، دولتان رئيسيتان في الشرق الأوسط، لديهما احتياجات استراتيجية لبعضهما البعض، تأمل السعودية بتخفيف حدة الحرب الأهلية في اليمن من خلال إيران؛ وتأمل إيران في تسهيل العلاقات مع دول المنطقة من خلال السعودية، ثم تطوير اقتصادها، ويمكن القول إنه لدى الجانبين الدافع إلى السلام”.

ويعتبر ييهوا أن الصين مؤهلة لجمع الأضداد، كونها “تتمتع بسمعة أفضل (من الولايات المتحدة والدول الغربية) في الشرق الأوسط، لا سيما مبادرة “الحزام والطريق”، وهي آلية غير جغرافية وغير حصرية. بالإضافة إلى ذلك حركة الصين ما زالت منخفضة للغاية، وتعمل بصمت خلف الكواليس، ويمكن الوثوق بها”.. الصين بنظر العرب وسيط حسن النية وموثوق به، حسب وانغ جين.

ويقول جاو وانينغ Gao Wanying، في موقع An Ran Hua Zhang Yuxin، “في المستقبل قد يكون من المرجح أن تتدخل الصين في حل مختلف النزاعات في المنطقة، من سوريا إلى العراق واليمن وفي القضية الفلسطينية أيضاً.. ولا ترغب الولايات المتحدة في تحقيق الصين “نقاطاً إضافية” في المنطقة”. ويؤكد وانينغ بأن “الصين دولة رئيسية لها تأثيرها العالمي، وهذه المرة، قفز جانبان (السعودية وإيران) من العالم الإسلامي وتوصلا إلى اتفاق لاستئناف العلاقات الدبلوماسية في بكين. ويرجع ذلك أساساً في تقديرهما للنفوذ الصيني الضخم. ومن ناحية أخرى، تُعد الصين شريكاً تجارياً مهماً للسعودية وإيران، وتلعب دوراً مهماً مع كلا الجانبين، ومع وجود الصين كشاهد، فإن مصداقية الاتفاق أقوى”. ويضيف الكاتب “الصين دولة رئيسية مسؤولة تحب السلام، وتدعم السلام وتحافظ عليه، يمكن لمشاركة الصين أن تجعل السلام في المنطقة أكثر أماناً وثقة”.

ويعتبر الكاتب زوو زهيبو Zou Zhibo، في موقع cn.chinadaily، أن أهمية الصين تكمن بالمقارنة مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية التي تعاطت بصرامة مفرطة في المنطقة، وتبنت أسلوب التدخل السياسي والغزو وفرض العقوبات الاقتصادية لتتدخل بقوة في شؤون الشرق الأوسط، وهذا ما أدى إلى التدهور الوطني والصعوبات الاقتصادية والصعوبات في معيشة الناس وأزمة اللاجئين. فيما الصين بحسب زهيبو، تتعاطى في شؤون الشرق الأوسط على قاعدة “الانسجام بدون اختلاف” و”الموازية بدون نزاع”. ويشير إلى أن الصين “تتبنى نهجاً مختلفاً تماماً تجاه الشرق الأوسط، حيث تعزز السلام والمحادثات سياسياً ودبلوماسياً، وتُعين بشكل خاص مبعوثاً خاصاً لشؤون الشرق الأوسط لأداء هذه المهمة”.

يشرح الصينيون رؤيتهم والقواعد التي يعتمدونها في سياساتهم الخارجية، لكن هذا لا يدعو إلى الإيغال بالتفاؤل، لسببين؛ الأول، ان القوى الدولية الحامية للنظام الدولي القائم سوف تحارب بشراسة في الدفاع عن هذا النوع من النظام والقيم السائدة في العالم؛ والسبب الثاني، يتعلق بالأزمات وتجذر الصراعات بين الدول على قضايا من نتاجهم، وأخرى من صنيعة الغرب.

وحالة السعودية وإيران والإقليم بصورة عامة، لا تحيد عن هذه القاعدة، فلا تتوقعون حتمية التعاون والوئام والسلام، فالعداء القائم بينهما مرهون بالتطورات على أرض اليمن بداية، وإن تنافسهما على المكانة والدور في الإقليم سيبقى حاضراً.

وعليه، رأى ليو يانتينغ Liu Yanting، الذي يتشارك الكتابة مع زميله ييهوا في موقع Hong Kong 01، “أن السعودية لا تريد حقاً تحويل “الأعداء إلى أصدقاء” مع إيران وتركيا، كما أنها ليست غير مبالية لتوسيع النفوذ الجيوسياسي المستمر لتركيا وإيران. ومع ذلك، فإن انسحاب الولايات المتحدة هو نتيجة مفروضة، ولا يمكن للمملكة العربية السعودية ان تواجهه إلا بشكل واقعي، في ظل الهدفين الرئيسيين المتمثلين في عدم الانخراط مع تركيا وإيران في نفس الوقت، والحفاظ على الحوار أثناء الصراع، والحفاظ على المثلث الاستراتيجي للشرق الأوسط في مرحلة ما بعد العهد الأميركي وتجنب الوقوع في شرك وقتل من قبل تركيا وإيران في نفس الوقت”.

لم يكن الإتفاق الثلاثي وليد خمسة أيام قضاها وفدان سعودي وإيراني في بكين، فالصين حاولت جمع “العدوين اللدودين” في آذار/ مارس 2017، بعد مرور سنة وشهرين على القطيعة بينهما. وذلك عندما أبدت استعدادها للتوسط بين الجانبين قبيل زيارة قام بها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز إلى الصين. وأعادت الكرة أيضاً أثناء زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى الصين عام 2019، حيث عادت بكين وأعلنت استعدادها للتوسط مع إيران.

يُفهم من ذلك، أن سعي بكين لاستقرار منطقة الشرق الأوسط هو في صلب استراتيجيتها وقد أدركت مبكراً بأنه لا يمكن إنجاح خطتها “الحزام والطريق” في المنطقة من دون وجود علاقات طبيعية وجيدة بين الرياض وطهران اللتين إن افترقتا تشوشان على المشروع الصيني وإن التقيتا توفران عناصر النجاح له.

* أستاذ جامعي، كاتب لبناني

المصدر: 180 بوست

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.