الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

  «في ذكرى انطلاقة الثورة السورية».. عطب الذات أم عطب المعارضة(2/2)

معقل زهور عدي

ثمة أسئلة لا بد لأي سوري حر عاقل أن يطرحها على نفسه:

إذا كانت السياسة الأمريكية تجاه سورية قائمة منذ بداية التحركات الشعبية عام 2011 وحتى اليوم على أن ” إسقاط النظام السوري ” خط أحمر فلماذا دعمت المعارضة السورية؟

لماذا سمحت بتسريب صواريخ ” التاو ” التي دمرت مئات الدبابات للجيش ومنعت توصيل الصواريخ المضادة للطائرات؟

لماذا تغاضت عن التدخل الإيراني وحزب الله لدعم النظام في الوقت التي كانت تسمح بتدفق الأسلحة والأموال على المعارضة المسلحة وفق خطط محكمة مدروسة نظمتها غرفة الموك في الأردن؟

لا توجد سوى إجابة واحدة يقبلها العقل لما سبق؛

السياسة الغربية لم تكن في يوم من الأيام بعيدة عما يجري في سورية, بل كانت ومازالت منخرطة تماماً في كل مراحل الصراع خلال السنوات العشرة السابقة.

وكان الهدف إدارة الصراع المسلح بالإبقاء على توازن للقوى بين النظام والمعارضة المسلحة يديم الصراع ولا يسقط النظام.

فاذا ضعُفت المعارضة تم إمدادها بأسلحة نوعية لاستعادة التوازن في القوى مع النظام, وإذا ضعُف النظام وأوشك على الإنهيار يتم وقف إمداد المعارضة بل تلجأ السياسة الأمريكية إلى الاستنجاد بروسيا لدعم النظام وفق التسريبات التي تحدثت عن أن الرئيس أوباما أرسل مبعوثاً سرياً للقيادة الروسية لتشجيعها على التدخل في سورية لمنع سقوط النظام.

فالهدف كما هو واضح لكل ذي عينين هو الدولة السورية.

أن ينتهي الصراع بدولة ممزقة ضعيفة وهكذا كان.

دُمرت مقدرات الشعب السوري لعشرات السنين, وتم تهجير الملايين.

وقُسمت سورية إلى كانتونات شبه مستقلة في الواقع.

ماذا بقي؟

بقي شيئان: الأول أن يقتنع الشعب السوري بالتقسيم عبر الإذلال والتجويع. ويقتنع النظام بالاعتراف بالأمر الواقع بإعطائه جزءاً من سورية.

والثاني أن يتم تقنين التقسيم وتثبيته ولو بطريقة تدريجية عبر دستور يقر الفدرالية ويعطي الأقاليم حق الانفصال ولو بصيغة ملتبسة.

وحين يتحقق ما سبق ويتم حصاد المرحلة الدامية يمكن للسياسة الغربية النظر في صرف اللاعبين الطارئين الذين تم توظيفهم أو إعطائهم امتيازات محددة بدل خدماتهم.

من المسؤول عن هذه الكارثة؟

هل هو فقط النظام السوري؟ أم السياسة الغربية التي رسمت خطة الإيقاع بالمعارضة السورية وتحويل موجة الكفاح الشعبي من أجل الحرية إلى صراع مسلح دامٍ طويل يدمر البلاد؟ أم المعارضة السورية التي  دخلت الفخ بكل الحماس مغمضة العينين؟

لا أحد يمكن أن يفكر في الطلب من النظام مراجعة نفسه وتحمل مسؤوليته تجاه الكارثة.

ولا أحد له الحق في وضع المسؤولية كاملة على عاتق السياسة الغربية, فالمتحاربون في النهاية كانوا سوريين في الجهتين.

لكن هل يمكن للمعارضة السورية التهرب من مسؤوليتها تجاه الشعب والوطن؟

بعد كل ما حصل, لم نشهد حتى اليوم إلا القليل ممن يمتلك الشجاعة في نقد الذات ومراجعة الأخطاء، ومن هنا تأتي أهمية كتاب الدكتور برهان غليون والذي عنونه بعنوان له دلالته: ” عطب الذات “.

في أوائل القرن العشرين , تعاظم الشعور لدى العرب بظلم الأتراك في ظل حكم مجموعة ” الاتحاد والترقي ” وبصورة خاصة بعد زج مئات الألوف من شبابهم في الحرب العالمية الأولى حيث قضوا في معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل, واشتد نهب المحاصيل الزراعية لتلبية حاجة الجيوش العثمانية, ولضمان عدم حصول أي تمرد جرى تعزيز القبضة على الأقاليم العربية وجوبهت دعوات الإصلاح والحكم الذاتي بالسجن والاعدام .

هكذا كانت الأجواء مهيئة للثورة ضد الأتراك, لكن أول من التقط وفهم تلك الحالة كان الغرب بقيادة بريطانيا في وقتها, فدفعت ( ” الشريف ” حسين ) للثورة ضد الدولة العثمانية, وأعطته السلاح والمال بسخاء, بل أمّنت له التدريب والتخطيط لمعاركه العسكرية وشاركت بصورة مباشرة فيها حين أرسلت البوارج إلى مدينة ينبع على الساحل الغربي لحمايتها من السقوط بيد العثمانيين حين أوشكت قوات الأمير فيصل بن الحسين على الإنهيار, وبعد أن تورط الشريف حسين في الثورة بدون أن يكون  لديه القدرة على مجابهة الجيش العثماني وقع كثمرة ناضجة بيد السياسة الغربية التي استثمرت جهوده في توفير الدم والجهد البريطاني في المعركة ضد الدولة العثمانية, لكن السياسة الغربية لم تمّهل طويلاً الشريف حسين بعد الانتصار في الحرب, ومات الشريف حسين متحسراً على الخديعة التي نفّذَ فيها لعبة الدول الكبرى دون وعي وإدراك كأي بيدق في لعبة الشطرنج.

في الحالة السورية الراهنة وبعد أن تورطت المعارضة السورية في لعبة الصراع المسلح مع النظام وجد الناشطون أنفسهم أمام قوة عسكرية لا قِبل لهم بها, بينما تبخرت كل الأحلام بانقسام الجيش, فكان اللجوء إلى التدخل الدولي خشبة الخلاص المتاحة, وفعلاً جاء التدخل الدولي لا ليسقط النظام ولكن ليزيد من اشتعال المعارك ويمد الصراع عدة سنوات, ثم لينتهي ببقاء النظام وتدمير سورية.

يقول الدكتور غليون في كتابه: ”  كانت هناك دينامية قوية باتجاه تحويل المطالبة بالتدخل الدولي إلى الأجندة الرئيسية لقطاعات واسعة من جمهور الثورة والناشطين, خاصة الذين وجدوا أنفسهم في مواجهات غير متكافئة مع النظام, تهدد وجودهم “.

اليوم وقد انقشع غبار المعارك, وظهرت نتائج المرحلة السابقة بكل أبعادها الكارثية, لم يعد مُبرَراً أن نبقى واضعين رؤوسنا في الرمال, معلقين أخطاءنا على عاتق النظام, فلا بد من مراجعة شجاعة, ذلك ليس مطلباً للماضي, بل هو من أجل المستقبل أيضاً.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.