الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

نظرة على “الحلف” الثلاثي الروسي الصيني الإيراني

جهاد الزين *

في ندوة متعددة الأصوات عَقَدَتْها صحيفةُ “هآرتس” الإسرائيلية وصوَّرَتْها في فيديو نُشِر مع عدد الصحيفة (يوم الأربعاء 8 آذار/ مارس 2023) قال الرئيس السابق للموساد الإسرائيلي “إفرايم هاليڤي” أن اضطرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للاعتماد على معدات عسكرية من إيران يُعتبَر إهانة له من حيث هو مضطر لتوسل مساعدة إيرانية ويكشف بالتالي عن ضعف هائل للجيش الروسي.

النظر للعلاقة الروسية الإيرانية من الزاوية الإيرانية أمر مختلف. فقد تكون الحرب الروسية في أوكرانيا، أو الجحيم الأوكراني هو “هدية السماء” للقيادة الإيرانية من حيث أنها أتاحت للنظام الإيراني الارتماء المُريح في أحضان تحالف روسي صيني صار بحاجة إلى إيران بعدما كانت حاجتها هي إلى هذا التحالف أكثر إلحاحاً. فالصين المستاءة من استمرار الضغط الأميركي عليها حتى في ذروة إعلان الحرب الاميركية على روسيا بسبب أوكرانيا، عززت علاقاتها التجارية مع موسكو التي ترسل لبكين المواد الأولية وتتلقّى من بكين مواد مصنّعةً من بعض أعلى مستويات الصناعة الصينية المتقدمة بما يشكّل تعويضاً كبيراً عن حرمانها من منتجات أميركية نتيجة العقوبات.

وحسب مقال في “الفورين أفيرز” كتبته “باتريسيا م. كيم” المختصّة بالشؤون الصينية والآسيوية في معهد بروكينغز، كانت الصين عام 2021 تستحوذ على 18٪ من إجمالي التجارة الروسية. بينما الصادرات الروسية لا تُشكِّل أكثر من 2 ٪ من إجمالي التجارة الصينية. أهم الصادرات الروسية للصين كانت الغاز النفط والفحم، هذه الصادرات الطبيعية المهمة أو التي لا تزال مهمة اليوم ولكنها قد تفقد قيمتها تدريجيا في المستقبل مع اتجاه الصين أكثر إلى مصادر الطاقة المتجددة (renewable energy sources). وتتابع الباحثة أن أهم الصادرات الصينية لروسيا هي البضائع المصنّعة كالآلات والإلكترونيات. وتعتمد روسيا بشكل عارم على الاقتصاد الصيني المتقدم تكنولوجيا لكي تستورد الآليات المسيّرة ذاتيا ومعدات الاتصالات.

وإذا كانت الحرب في أوكرانيا قد ساهمت في تعزيز المثلّث الروسي الصيني الإيراني فإن لدى أطرافه الثلاثة قبل ذلك زمنياً مخاوف عميقة مما تعتبره محاولات واشنطن التي لا تكلّ لتشجيع تغيير النظام السياسي في كل من البلدان الثلاثة.

على أن المراقب يتساءل أين يكمن مفتاح الاستراتيجية الأميركية في إثارة مخاوف الصين وروسيا وإيران معاً من التغيير الداخلي في كلٍ منها غير وضعها جميعا في موقع دفاعي، بينما تحتفظ الولايات المتحدة دائماً بالموقع الهجومي على الجبهات الثلاث، وكل منها جبهة متعددة العناصر الاقتصادية والجيوسياسية (تايوان في حالة الصين) والأيديولوجية والآن العسكرية ولو بشكل غير مباشر مع روسيا في أوكرانيا ناهيك عن الضغط المتواصل الذي يكاد يكون حصاراً على طهران في الداخل وفي مواقع امتدادها في المحيط من العراق إلى سوريا إلى لبنان فاليمن. وفي ما يتعلّق بالصين يكاد المراقب يعتقد، بسبب الكثافة الإعلامية والبحثية الأميركية حول الموضوع، أن الحرب بين الصين وأميركا قد تبدأ في أي لحظة مع العلم أنها على الأرجح ستبقى حرباً افتراضية حتى وقت غير قصير. ولكنها على الصعيد التجاري والعلمي حرب حقيقيّة وشرسة.

تستطيع إدارة الرئيس جو بايدن الادعاء أن استمرار الضغط والعقوبات على “التحالف” الثلاثي الروسي الصيني الإيراني هو تجسيد لأولوية مواجهة الأوتوقراطيات الحاكمة في العالم. لكن في النتيجة عاد العالم اليوم منقسماً بما يُعطي حتى لدول صديقة لأميركا تقليدياً فرصة توسيع هامش العلاقة بما يسمح بتعزيز موقعها التفاوضي كحليف، والمثال الأهم هو المملكة العربية السعودية التي أظهرت في عهد الأمير محمد بن سلمان استقلالية ملموسة بل مثيرة عن واشنطن.

من يقرأ مذكرات “مايك بومبيو” وزير الخارجية الأميركي في عهد الرئيس رونالد ترامب سيعرف أن الرئيس فلاديمير بوتين في لقاء مع بومبيو عام 2018 أبدى انزعاجاً من الوجود الإيراني في سوريا. لا شك أن هذا الموقف الروسي أصبح من الماضي بعد الحرب في أوكرانيا.

صحيح أن القصف الإسرائيلي على مواقع الوجود الإيراني في سوريا مستمر، لكن روسيا نفسها المرتبطة بتفاهم “حرب بين الحروب” على الأراضي السورية، وهو التفاهم مع إسرائيل الذي يستهدف الوجود الإيراني ولا يمس طبعاً الوجود العسكري الروسي، روسيا ليست الآن في وارد إعطاء أولوية لهذا الموضوع بسبب حرصها على الاحتفاظ بما أمكن من “الحياد” الإسرائيلي في أوكرانيا حتى لو أنه في الندوة المشار إليها في “هآرتس” قال بعض المشاركين أنه ليس لدى إسرائيل الكثير لتقدمه إلى الجيش الأوكراني في ظل الدعم الأميركي لهذا الجيش، ولذلك أبدى حذراً من إثارة غضب الرئيس الروسي، فيما بالمقابل اعتبر أن الخلافات بين إدارة بايدن وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول الاستيطان في الضفة الغربية تجعل الموضوع الأوكراني ليس أولوية على جدول العلاقات الأميركية الإسرائيلية.

كان من المُلفت في ندوة “هآرتس” أن يتطرّق الرئيس السابق لـ “الموساد” إلى موضوع الحجم العددي الكبير للمسلمين داخل موسكو بما قد يجعل منهم أكثرية عددية داخل العاصمة الروسية في المستقبل بسبب فارق حجم الولادات المرتفع لدى المسلمين. ولكنه استدرك أنه لا يظن أن المسؤولين الروس سيسمحون بذلك.

أُورد هذه الواقعة لدلالاتها المحتملة ولو خرجنا عن الموضوع لكننا لم نخرج عن الندوة!!

* شاعر وصحافي لبناني

المصدر: النهار اللبنانية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.