الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

إيران والسعودية.. اطلب الصلح ولو في الصين

توفيق شومان *         

برغم التقديرات الصائبة للمتابعين العقلاء لمسار التفاوض السعودي- الإيراني منذ الكشف عن مضامينه الأولى في نيسان/ أبريل 2021، والتي كانت تتلاقى حول قناعة الرياض وطهران بالبحث عن مساحة مشتركة تؤهلهما للإنطلاق نحو آفاق إيجابية وتصالحية، فإن احتفاء وسائل الإعلام الإيرانية والسعودية بـ”إعلان التطبيع” بين الرياض وطهران، يُظهر الحاجة المشتركة لضرورة الخروج من سياسة “الصراع المفتوح” إلى سياسة “الباب المفتوح “.

ترتكز هذه المقالة على رصد ومتابعة الآراء والتحليلات في الصحف المطبوعة السعودية والإيرانية التي أعقبت التوقيع على “اتفاقية بكين” بين الرياض وطهران في العاشر من هذا الشهر، وتغطي عملية الرصد الفترة الزمنية الممتدة بين الحادي عشر والخامس عشر من آذار/مارس الحالي، أي الأيام الخمسة التي تلت الإتفاق بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية باستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، مما يعطي فكرة واضحة عما يمكن أن تؤول الأمور إليه في حال كُتب لهذا الإتفاق أن يعبر طريقه نحو الأمل المنشود.

ـ أولاً؛ الصحف السعودية:

في 11 آذار/ مارس 2023، أي في اليوم التالي للتوقيع، كتب علي أبو القرون الزهراني في صحيفة “المدينة” قائلاً “نحن وإيران بيننا مشتركات فرضتها الجغرافيا وفرضها التاريخ، ومهما يكن من أمر ورغم الاختلافات فإن العلاقات بين البلدين لا بد وان تحتكم إلى هذه المشتركات وهذا ما عبّر عنه ولي العهد حين قال: “إيران جارتنا للأبد، ولن نتمكن من التخلص من بعضنا بعضاً، ويجب حل الأمور بيننا”، وهذا السياق سبق وأن أكده الأمير سعود الفيصل- بقوله “إيران دولة مسلمة وجارة وعلينا أن نتعامل معها على هذا المستوى“.

o في 12 آذار/ مارس 2023 نشرت الصحف السعودية هذه الآراء:

ـ فهيم الحامد في “الرياض“: “10 مارس/آذار 2023 سيكون تاريخا مفصليا في مسيرة المملكة الجيوـ استراتيجية، الذي كانت ولا تزال وستظل حريصة على تحصين البيت الإسلامي من الداخل وتعزيز العمل الإسلامي وتعظيم دبلوماسية القواسم المشتركة والمصير الواحد والعمل معا في بناء أنموذج للازدهار والاستقرار”.

ـ عبد الملك المالكي في “الرياض“: “تبدأ العلاقات الثنائية بين الجانبين السعودي والإيراني صفحة غاية في الأهمية وفي وقت وظرف دولي أحوج ما يكون لانتصار رؤى السلام وتغليب مصالح دول العالم قاطبة، وهي المبادئ والقيم التي تعززها الرؤية المباركة 2030 هذه الرؤية التي أضحت مؤشراتها ناجحة ومتميزة بكل دقة وعلى الصعد كافة”.

ـ خالد بن حمد المالك في “الجزيرة“: “الوصول إلى اتفاق بين المملكة وإيران، لنزع فتيل الخلافات ليس هدفا سعوديا- إيرانيا فحسب، وآثاره الإيجابية لا تقتصر على الرياض وطهران فقط، وإنما هو اتفاق تستفيد منه كل دول المنطقة ودول العالم أجمع، لما لإيران والسعودية من أهمية ودور فاعل في تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، ما لا يمكن تحقيقه بوجود خلافات بين الرياض وطهران، وليس من المناسب أن نفتح صفحة الماضي بكل سيئاتها، ونتحدث عن أسباب التوتر في المنطقة”.

ـ عبد الرحمن الراشد في “الشرق الأوسط“: “أما هذا الاتفاق فإن ما يميزه عما سبقه هو الصين، الرئيس الصيني شخصيا هو من دعا السعودية وإيران إلى بكين، لماذا الصين؟ لسببين مهمين، الأول أنها الدولة الوحيدة في العالم التي لها ميزة ذات قيمة كبيرة على البلدين معا، الشريك التجاري الرئيسي لكل من السعودية وإيران، السبب الثاني أن للصين مصلحة كبيرة في إنهاء النزاع السعودي- الإيراني، والتوصل إلى أمن إقليمي يحمي مصالحها، الصين تحصل على نصف وارداتها البترولية من المنطقة، لا يمكن لاقتصادها أن يدور من دونها”.

o في 14 آذار/ مارس ورد في الصحف السعودية الآراء والتحليلات التالية:

ـ هيلة المشوحي في “عكاظ“: “الإتفاق مهم جدا وسط التحديات السياسية التي تواجهها منطقة الشرق الأوسط، ويتسق كثيرا مع حراك التحالفات وتعزيز العلاقات الذي تتبناه المملكة في الوقت الحالي وبالأخص في مرحلة برود العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية تحت الإدارة الحالية”.

ـ عبد اللطيف الضويحي في “عكاظ“: “هناك معطيات تشير بوضوح إلى أن فرص النجاح أكبر بكثير من عوامل الفشل لهذا الإتفاق السعودي ـ الإيراني، فالسعودية لديها مشروع تنموي طموح تعمل عليه وتتبناه وتديره قيادة شابة؛ إيران في المقابل هي الأخرى بحاجة لهذا الإتفاق والبناء عليه واستثماره لكي تتغلب على الكثير من التحديات والصعوبات الأمنية والاقتصادية الداخلية والخارجية، وهو ما يحققه لها هذا الإتفاق على المدى البعيد”.

ـ سمير عطالله في “الشرق الأوسط“: “في هدوء وسرية مطلقين، خرج من بكين اتفاق توقعه إيران، ويؤذن بنهاية مرحلة طويلة من الاضطراب وعدم الاستقرار، مفاجأة شملت العالم أجمع، لكن المتفاجئ الأكبر كان الولايات المتحدة، التي أذهلها أن ترى المنافس الصيني والخصم الإيراني والصديق السعودي يغيرون حال المنطقة ومزاجها السياسي، من دون دور لها”.

ـ دراسة لمركز “رصانة” في صحيفة “الوطن“: “تتوجه المملكة العربية السعودية تدريجيا نحو سياسة تصفير المشاكل لإنهاء التوترات الإقليمية القائمة وتعزيز المصالح والمكاسب الإستراتيجية، كما فعلت مع قطر وتركيا، لا سيما مع ظهور توجه عام لدى العديد من الدول في الشرق الأوسط إلى تبني وتعزيز سياسة صفر مشاكل لتحقيق مصالحها الإستراتيجية الخاصة كمصر وتركيا والإمارات”.

o في 15 آذار/ مارس (اليوم)، نشرت صحيفة “الرياض” مقالتين لكل من بينة الملحم وابراهيم النحاس، وجاء فيهما على التوالي:

ـ “يتضح المغزى الأبعد لأهمية الإتفاق السعودي ـ الإيراني بوساطة الصين ـ أنه يقيم ـ شراكة استراتيجية شاملة، مع كل من المملكة العربية السعودية والجمهورية الإيرانية الإسلامية، وتعني الشراكة البحث عن أرضية مشتركة، مع الاحتفاظ بالخلافات، وعدم مواجهة دولة ثالثة”.

ـ “إننا نتحدث عن الحكمة والعقلانية على المستويين الإقليمي والدولي، إن أراد الجميع السير نحو المستقبل البناء وتحقيق السلام المنشود الذي يحقق للمجتمعات رفاهيتها وتنميتها وللدول أمنها وسلمها واستقرارها، وهذه الحكمة والعقلانية المطلوبة لصناعة السلام الإقليمي بمنطقة الشرق الأوسط حضرت بوعي وإدراك بالبيان الثلاثي المشترك عن المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية وجمهورية الصين الشعبية”.

ـ ثانياً؛ الصحف الإيرانية:

في اليوم التالي على إعلان الإتفاق السعودي- الإيراني (11 آذار/ مارس)، خرجت الصحف الإيرانية مرحبة بالاتفاق، ولا فرق بذلك بين المحافظ منها والإصلاحي، فالعنوان العريض لصحيفة “كيهان” المحافظة جاء على هذا النحو “الإتفاق الإيراني- السعودي ضربة للولايات المتحدة وإسرائيل” فيما اختارت “اعتماد” الإصلاحية هذا العنوان “موجة السلام”.

وأدرجت صحيفة “جم جم” الصادرة عن شبكة الإذاعة والتلفزيون مقالة هذا بعض منها “إن استعادة العلاقة بين إيران والسعودية تتعارض مع مصالح ورغبة الولايات المتحدة خصوصا وأن السعودية بدأت في تخفيض اعتمادها على الدولار، إن إزالة سوء التفاهم والتطلع إلى المستقبل في العلاقات بين طهران والرياض سيؤدي بالتأكيد إلى تنمية الاستقرار والأمن الإقليميين”.

وكتبت صحيفة “الوفاق” الناطقة باللغة العربية “أبدى العديد من المسؤولين والمحللين الصهاينة قلقهم من الإتفاق بين البلدين الإسلاميين، ردود الفعل الصهيونية لإحياء العلاقات بين ايران والسعودية والتي ترافقت مع جرعة كبيرة من الحذر الأميركي بشأن اتفاقيات التطبيع مع العدو الصهيوني، يشير الى أن سحابة كبيرة من القلق والأرق تخيّم فوق رؤوس قادة الكيان الغاصب”.

o في 12 آذار/ مارس، حملت الصحف الإيرانية هذه العناوين:

ـ “آرمان ملي“: “انعكاسات إقليمية ودولية إيجابية واسعة النطاق لتوصل ايران والسعودية لاتفاق استئناف العلاقات”.

ـ “ابرار“: “هلع في تل أبيب من قرار ايران والسعودية استئناف العلاقات الدبلوماسية”.

ـ “رويش ملت“: “نواب بمجلس الشورى.. إتفاق استئناف العلاقات مع السعودية يعكس جدية ايران بحل المشاكل بالحوار”.

ـ “كيهان العربي“: “محور المقاومة وشعوب المنطقة ترحب بالاتفاق والصهاينة يتخبطون في صراعهم ومستاؤون منه جدا”.

وفي التعليق على التقارب الحاصل بين ضفتي الخليج، هذه ثلاثة آراء إيرانية في ثلاث مقالات:

ـ صحيفة “إطلاعات” شبه الرسمية: “اتفاق استئناف العلاقات بين ايران والسعودية سينعكس بصورة ايجابية ملموسة على جهود ازالة اجواء التوتر بمنطقة الخليج الفارسي وهي اجواء ناجمة عن محاولات الغرب والكيان الإسرائيلي عرقلة أي تقارب وتعاون بين البلدان العربية وايران”.

ـ “وطن إمروز“: “صبَّ اتفاق استئناف العلاقات بين ايران والسعودية بعد قطيعة اعوام الزيتَ على نيران الصراع الداخلي المحتدم بالكيان الصهيوني، فالمعارضةُ حمَّلَت نتنياهو مسؤولية التسبب بهذا التقارب الايراني ـ السعودي بانتهاجِه سياسات خاطئة”.

ـ “آرمان إمروز“: “إن استئناف العلاقات بين إيران والسعودية ضرورة حتمتها أواصر الجيرة والوشائج الدينية والتاريخية المشتركة ومصالح الشعبين، والمسألة المهمة على صعيد هذا التطور تتمثل في كون ما حدث جسّد واقع تضاؤل وانحسار النفوذ الأميركي الغربي في مسرح الأحداث بمنطقة الخليج الفارسي”.

o في 13 آذار/ مارس، خرجت الصحف الإيرانية بهذه العناوين:

ـ “آرمان ملي“: “قاليباف.. إحياء العلاقات بين إيران والسعودية لصالح بلدان وشعوب المنطقة”.

ـ “رويش ملت” : “مستشار القائد للشؤون الدفاعية.. الإتفاق بين إيران والسعودية زلزال يسجل نهاية النفوذ الأميركي”.

ـ “أفكار“: “وزير النفط يتحدث عن تعاون قريب بين إيران والسعودية في إطار منظمة أوبك”.

ـ “كيهان“: “محافل صحفية أميركية تذعن بأن الإتفاق الإيراني- السعودي تهميش كامل لأميركا بالمنطقة”.

ونشرت صحيفة “إيران عصرانيان” مقالا تحليليا قالت فيه “إيران والسعودية بلدان لهما ثقلهما الإقليمي ومكانتهما الخاصة في العالم الاسلامي. إن أهمية هذا الحدث تجسدت بتفجر هلع كبير في الكيان الصهيوني كما تجسدت في تحسن مؤشرات البورصة والمؤشرات الاقتصادية في البلدين وكذلك في ايجاد اجواء ترقب تتسم بالتفاؤل بشأن حل أزمات اقليمية خاصة الأزمة اليمنية”.

o في 14 آذار/ مارس، صدرت عن الصحف الإيرانية العناوين الآتية:

– “قدس“: “المتحدث بإسم الخارجية.. العلاقات بين ايران والسعودية ستعود لمستوى تبادل السفراء وإفتتاح القنصليات”.

-“آرمان ملي“: “شظايا الإتفاق الإيراني- السعودي.. الرياض لا تعطي تأشيرات لسياح إسرائيليين والإمارات تجمد صفقة اسلحة”.

– “جوان“: “أنباء عن مبادرة صينية محتملة لاستضافة مؤتمر قمة بين ايران وبلدان مجلس التعاون الخليجي”.

– “أفكار“: “نواب بمجلس الشورى.. إتفاق استئناف العلاقات مع السعودية يخدم مصالح البلدين”.

وفي رؤية استشرافية في “عصر ايرانيان“، رأى رئيس لجنة الشؤون الداخلية في مجلس الشورى الإيراني (البرلمان) محمد صالح جوكار أن الإتفاق بين إيران والسعودية “يمكن أن ينتج تحالفا ثنائيا ضد الإرهاب في المنطقة”، وبحسب صحيفة “كيهان” هذا الإتفاق “سحب ذرائع التخويف من إيران، تلك الذرائع التي اصطنعتها واشنطن وتل أبيب”.

  • ما يمكن استنتاجه من العناوين والتعليقات والتحليلات في الصحف السعودية والإيرانية التالي:

أ: سهولة الترويج لمصالحة ايرانية ـ سعودية ومقدرة على تجاوز تعقيدات المرحلة الماضية.

ب: خروج القناعات المضمرة من دواخلها الخبيئة وانسيابها المريح في التعبير عن أهمية تطبيع العلاقات الإيرانية ـ السعودية.

ج: قناعة النخب وقادة الرأي بضرورة فتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية.

د: إجماع نخب الدولتين الأهم والأكبر في منطقة الخليج على الثقة بالدبلوماسية الصينية وقدرتها على أداء دور متوازن يحفظ المصالح الصينية والمصالح الإيرانية والسعودية.

هـ: اتفاق المواقف والتحليلات على انعدام الثقة بالسياسات الأميركية، فضلا عن انخفاض التأثير الغربي في المنطقة، ويوازي هذا الانخفاض ارتفاع وتيرة تأثير الصين وقوة حضورها الإقليمي والدولي.

هل يمكن أن يبلغ الإتفاق السعودي- الإيراني خاتمته السعيدة فينتقل من محاسن النوايا إلى الأفعال الحميدة؟

الإجابة كما جاء في “اتفاقية بكين” بعد شهرين، ولا بأس أن يقال حتى حلول الموعد الموعود “اطلب الصلح ولو في الصين”.

* كاتب لبناني

المصدر: 180 بوست

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.