الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

سبعة أمور معاكسة لحسابات بوتين

رفيق خوري *

ما الذي تحقق من رهانات الرئيس فلاديمير بوتين على غزو أوكرانيا ورهانات الغرب على دعم كييف بالسلاح والمال والخبرة والمعلومات؟ ماذا عن الخطأ في الحسابات والتقديرات؟ ولماذا أدت الرهانات إما إلى مضاعفات غير محسوبة وإما إلى أمور معاكسة؟

في مطلع السنة الثانية للحرب يكرر بوتين “إفهام” الغرب بأن “من المستحيل هزيمة روسيا في ساحة المعركة”. وهذا نصف الحقيقة. النصف الآخر هو استحالة أن تحقق روسيا نصراً كاملاً وإمكان أن تهزم نفسها بنفسها. وهو يلعب بسلاح التخويف المزدوج، تخويف الغرب من حرب نووية وتخويف شعبه مما يتصوره مخطط الغرب لإضعاف روسيا و”القضاء الكامل عليها” لتبرير حربه “المقدسة”، لكن مفعول التخويف موقت. فلا الحرب النووية هي حرب تدمر طرفاً واحداً ولا الغرب هو الذي حشد جيشه على الحدود بين أوكرانيا وروسيا وبدأ الاجتياح.

وفي الغرب سياسيون وخبراء استراتيجيون يلتقون مع موسكو على نقطة لمصلحتها، توسيع “الناتو” إلى حدود روسيا هو “خطأ كبير” بحسب تعبير جورج كينان صاحب استراتيجية “الاحتواء”، و”أساس المشكلة” كما يقول البروفيسور ستيفن والت. ومن الصعب على روسيا أو أية دولة أن تقبل تطويقها من خصومها ومنافسيها، لكن المسؤولين في “الناتو” يقولون إن الحلف “ليس وكالة تجنيد” وإن الدول الخائفة من موسكو هي التي طلبت الانضمام إليه لتحمي نفسها.

والواقع أن الغزو أضعف هذه الحجة، كما قادت مضاعفاته إلى ما هو معاكس للحسابات في سبعة أمور.

الأول؛ أن “الناتو” الذي كان يجب إنهاء صلاحيته بعد حل “حلف وارسو” المضاد له وصار ضعيفاً و”في موت سريري” بحسب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يبدو الآن أقوى وأكبر وامتد من الأطلسي إلى الباسيفيكي.

الثاني؛ أن حسابات موسكو حول ضعف أوكرانيا وضعف الغرب وخلافاته واختلاف مصالح دوله مع أميركا ظهرت خارج الواقع. أوكرانيا تقاتل بشجاعة وكفاءة والغرب موحد إلى حد أن موسكو تسميه “الغرب الجماعي” والقيادة الأميركية للغرب ترسخت وكل شيء يوحي أن دعم أوكرانيا مستمر بصرف النظر عن التعب.

الثالث؛ أن الغزو للحيلولة دون انضمام أوكرانيا إلى “الناتو” لتصبح على “الحياد” مثل فنلندا، أدى إلى انضمام فنلندا والسويد إلى “الناتو” الذي صار عملياً في قلب أوكرانيا، بحيث لم يبق في أوروبا سوى ثلاث دول محايدة هي سويسرا والنمسا وإيرلندا.

الرابع؛ أن أوكرانيا التي دأب بوتين على القول إنها “ليست دولة بالمعنى الحقيقي” بل كيان اصطناعي “من اختراع لينين” ولدت من جديد في الحرب كدولة قوية تجابه قوة كبرى.

الخامس؛ أن لعب بوتين بورقة الوطنية الروسية لتجييش الناس حوله أدى إلى تبلور وطنية أوكرانية في صراع وجودي بين قومية وأخرى.

السادس؛ أن حرب بوتين قادت إلى عداء رهيب بين الروس والأوكرانيين، من حيث يدعي بوتين أنهما “شعب واحد” من أيام القياصرة إلى أيام السوفيات.

والسابع؛ أن روسيا أضرت بمكانتها في العالم وتحتاج إلى أعوام للتعافي من هذه النكسة، بحسب أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جورجتاون تشارلز كوبتشان. وليس أمراً عادياً أن تصوت 141 دولة في الجمعية العمومية للأمم المتحدة لمصلحة قرار يدعو روسيا إلى الانسحاب الفوري من أوكرانيا، مقابل سبعة ضد، وامتناع 32 دولة عن التصويت بينها الصين والهند.

كل هذا وسط ما ألحقته موسكو من دمار بأوكرانيا وما فعلته عقوبات الغرب بالاقتصاد الروسي الضعيف أصلاً، إذ إن مجموع الدخل القومي الروسي يوازي دخل مدينة نيويورك وحدها، وما تعانيه دول العالم من ارتفاع أسعار ونقص مواد غذائية وحاجة إلى غاز ونفط. ومن أجل ماذا؟ من أجل جموح إمبراطوري غير قابل للتحقيق قاد إلى حرب “ليست لدى الروس والأوكرانيين فيها فرصة لتحقيق نصر مطلق” كما جاء في تقرير مؤسسة “راند” المقربة من البنتاغون. مسرح عبث، لكنه مغمور بالدماء والدموع.

* صحفي وكاتب لبناني

المصدر: اندبندنت عربية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.