الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

الزلزال فرصة للنهب

العميد الركن أحمد رحال *

رغم مرور حوالي 12 عاماً على مأساة السوريين ونكبتهم ونزوحهم وتشردهم، إلا أن ملف الإغاثة وجمع التبرعات وعمل المنظمات (التطوعية) والجمعيات الخيرية، ما زال ينخر فيها الفساد مع غياب الرقابة وغياب المحاسبة، سواء من القيادة السياسية ممثلة بالائتلاف أو من قبل الحكومة السورية المؤقتة التي يُفترض أنها توجد بالداخل وتحرص على حقوق حاضنة الثورة، وبات العمل الإغاثي لدى البعض أسهل وأوفر طريقة لجمع المال وسرقته على حساب المشردين والمهجرين.

أكثر من 6 ملايين مواطن سوري آثروا الحفاظ على مبادئهم وثورتهم وتخلّوا عن كل أرزاقهم وبيوتهم وهاجروا للشمال السوري هرباً من إجرام بشار أسد ونظامه وحلفائه، ما زال هؤلاء يشكلون فرصة ذهبية لاقتناصهم ونهبهم من قبل ضعفاء النفوس وبعض اللصوص الذين امتهنوا زوراً وبهتاناً أشرف وأقدس عمل إنساني، فانتشرت مئات الجمعيات ومثلها من المنظمات التي يدّعي معظمها العمل التطوعي في خدمة سكان المخيمات والمهجرين قسراً عن ديارهم، ولا أحد يعلم كيف يكون العمل تطوعياً ومعظمهم يتقاضون الرواتب بآلاف الدولارات، وراتب أحدهم يمكن أن يشكل ريعاً لإطعام مخيم كامل ولثلاث وجبات بيوم واحد.

لكن وكي لا نعمم لا بد من التأكيد أن هناك أصحاب ضمير ما زالوا يقومون بمهاهم بكل أمانة وبكل نزاهة وبكل صدق، لكن كثرة السرقات والنهب تسببت بالتعمية عن عمل هؤلاء.

المستحقون من أصحاب الإغاثة والمساعدات في المخيمات والمنكوبين بالزلزال ضاقوا ذرعاً بعمليات سرقتهم ونهب حقوقهم، وتحدثوا سراً وعلانية، وحددوا أسماء منظمات وجمعيات تقوم بنهب مخصصاتهم، لكن دون جدوى، إما لأن تلك المنظمات لا يوجد من يضبط عملها، أو أنها تتبع لجهات نافذة لا يهمها كل ما قيل ويقال ومحمية من أمراء حرب أو تجار سياسة أو دول، وبالتالي هي بعيدة عن أي محاسبة أو مراقبة، وهكذا شبه استسلم الناس لأقدارهم وتعايشوا مع سرقة أرزاقهم وارتضوا القليل مما يصلهم بعد أن فقدوا كل وسائل المواجهة.

نكبة الزلزال بما حملته من موت ودمار وتشرد لمنطقة هي بالأساس تُعتبر منطقة منكوبة عبر أكثر من 11 عاماً من الإجرام الأسدي والروسي وإجرام ميليشيات إيران، ومع ذلك شكلت نكبة الزلزال فرصة لمنعدمي الضمير وممن عادة يتصدرون المشهد الإنساني أو الإغاثي، لينصرفوا بمواقعهم ومناصبهم ومعارفهم وسطوتهم، لفتح باب التبرعات لصالح المنكوبين، أو لفتح باب التوكيل لاستلام ما يصل من مساعدات شعبية أو أممية، لتتم فوترة تلك المساعدات، فيباع منها ما يمكن بيعه، وقسم كبير منها يوزع على غير مستحقيه، ومن أجل الخداع يتم توزيع البقية الباقية على بعض العائلات مع عدم نسيان توثيق العمل بالتصوير ليقدم كشهادة زور، ولتأمين خداعهم، تراهم يتراكضون لوضع أسماء براقة على جمعياتهم ومنظماتهم باستغلال كامل لمعاناة الناس وحتى للطفولة، وتراهم يلتقطون الصور تحت يافطات البلدات التي دمرها الزلزال لإثبات وجودهم في المناطق المنكوبة من أجل زيادة أرصدتهم بالخداع واللصوصية، أو سعيهم لالتقاط صورة مع شخصية عُرف عنها الاستقامة وصدق العمل الثوري، باستغلال فاضح لحالة المهجرين والنازحين وامتهان كبير لشرف مهنة العمل الإنساني التطوعي.

أيضاً برز بنكبة الزلزال من خرج ليقوم بتوزيع أموال أو إغاثة باسم فاعل خير عبر (لصوص أعمال وليس رجال أعمال) صنعوا ثرواتهم في فترة الثورة من السرقات والاستغلال، ومعظم سكان الشمال يعلم تاريخ هؤلاء ويعلم سرقاتهم وعمليات نصبهم واحتيالهم، وكيف كانوا يسرقون بساتين ومحاصيل الزيتون في عفرين لمن تم تهجيرهم وحتى لمن ما زال بأرضه، وبالتشارك مع أمراء الحرب سرقوا الناس وامتصوا دماءهم عبر منافذ التهريب وتجارة المخدرات وسرقة الآثار وغيرها من جرائم تصنف تحت اسم “جرائم ضد الإنسانية”، ويخرجون اليوم على سكان المخيمات في شمال غرب سوريا بحماية عناصر من فصائل تدعي أنها جيش وطني، وبمرافقة من شلة فاقدي الضمير من حولهم، ليقوموا بعملية امتهان كرامة المحتاجين، عبر الطلب منهم الاصطفاف على أبواب خيمهم الممزقة، واستلام مبلغ مالي زهيد، ترافقهم كاميرات تصور وتوثق تلك الجريمة، وهم يتبادلون الأحاديث القذرة التي تجرح كرامة السوريين، وبضحكات كالعاهرات يتبادلونها في مخيمات ذنب أهلها أنهم شرفاء وحافظوا على مبادئ ثورتهم، وارتضوا الترحيل والتهجير والنزوح والعيش بمخيمات كرمي لقضيتهم، لكنهم وقعوا بيد من لا يملك الشرف ولا يملك الضمير.

بتحقيق داخلي للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية حول نقاط الضعف في الإشراف على عمل برنامج استجابة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في سوريا، أجري بعد عام 2015، وعبر تقريرين لمفتش التحقيق أجريا بتاريخ ( 26 مايو/أيار 2017 و4 مارس/آذار مارس 2021) ثبت وبالدليل القاطع أن هناك عمليات سرقة وغش لمساعدات تصل قيمتها لحوالي 5.6 مليار دولار بين عامي 2012 و2020 قدمتها الولايات المتحدة الأمريكية للشعب السوري المنكوب بالحرب، وتشمل أغذية الطوارئ ومواد المأوى والبطانيات وأنظمة معالجة المياه ومستلزمات النظافة والإمدادات الطبية من الموردين الدوليين والمحليين وعمليات نقلها عبر الحدود من الأردن والعراق وتركيا لتسليمها إلى المحتاجين في سوريا، وأكدت التقارير أن تحقيقات مكتب المفتش العام، التي بدأت في عام 2015، كشفت عن عمليات احتيال معقدة تؤثر على جودة وفعالية المساعدة الإنسانية المقدمة إلى السوريين المتضررين من الحرب في سوريا، بما في ذلك التلاعب بالعطاءات والرشوة والتواطؤ والرشاوى واستبدال المنتجات، وشملت لائحة الاتهام والحظر 12 شركة ومنظمة لدول مجاورة وهي (Senkardes Gida San ve Tic Ltd, سلجوق بنلي، فورفيت، عصمت كالين، سلقاس، هيكران كالين، يجيت موتورلو، زيرين نالبانوغلو، أورهان سينكارديس، إيرول سينكارديس، لوان ميراكو).

والتحقيق إذ يكشف تلاعباً أممياً بمستحقات السوريين، إلا أنه يعيد للذاكرة أكثر من قضية تلاعب وفساد طالت مسؤولين أمميين كباراً، وبمفاصل حساسة بعمل المنظمات الدولية، ثبت بالدليل القاطع فسادهم وتعاطيهم الرشوة من استخبارات نظام أسد لتمرير تقارير كاذبة للأمم المتحدة، ومنهم من كان يفعل أكثر من ذلك خدمة لمصالحه الشخصية عبر سرقة الإغاثة والمساعدات التي باتت تباع بشوارع دمشق، وأصبحت بعض متاجر شمال غرب سوريا ومنطقة السيدة زينب بريف دمشق سوقاً كبيراً لمن يريد الحصول على مواد المساعدات والإغاثة لكن بعد دفع ثمنها وليس توزيعها مجاناً كما يُفترض أن يكون.

وبهذا الشكل، بات أصحاب المساعدات ومستحقوها بين نارين، نار لصوص المنظمات الأممية وشركات نقل المساعدات والتخديم، ونار لصوص الداخل عبر جمعياتهم ومنظماتهم وأفرادهم، يضاف لها منظمة الهلال الأحمر في مناطق نفوذ نظام أسد، وبعض المجالس المحلية في شمال غرب سوريا التي تشرعن وتبارك تلك السرقات بعد حصولها على نصيبها من المسروقات (مصدر نقل يقول: وصلت الخيام إلى المجالس المحلية والمخصصة لعائلات من تشردوا بالعراء بعد الزلزال، لكن بعض المجالس أعطتها للتجار وأصحاب الأموال والمتنفذين وسكان الفيلات والقصور لينصبوها في حدائق بيوتهم خوفاً من زلزال آخر، وتركوا أهل الحاجة والفقراء والمشردين بالعراء بدون خيام).

*

المصدر: أورينت نت

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.