الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

بايدن.. واحتواء صعود الصين

محمد المنشاوي *

تدعي الولايات المتحدة أنها تريد التنافس من أجل الفوز في السباق مع الصين، وأن واشنطن لا تسعى إلى الصراع. ولكن في الواقع، فإن ما يسمى «المنافسة» من قبل الولايات المتحدة تعتبره الصين «احتواءً شاملاً»، وتحذر من خسارة كل الأطراف مما يبدو أنها معادلة صفرية لن يتمكن طرف من حسمها كما يريد.

ووسعت الولايات المتحدة في الأشهر الأخيرة حملتها على صناعة أشباه الموصلات في الصين، وتتأهب لفرض المزيد من القيود على منصة تيك توك، ومن ناحية أخرى تنشغل إدارة الرئيس جو بايدن بتوسيع وتنشيط تحالفاتها في آسيا. وبالإضافة إلى المجموعة الرباعية- كواد- مع أستراليا واليابان والهند، أسست واشنطن تحالفاً ثلاثياً- أوكوس- مع بريطانيا وأستراليا، فيما تنسق بين التجمعين الهادفين لاحتواء الصعود الصيني في منطقة المحيطين الهندي والهادي. كما توصلت واشنطن مؤخراً لاتفاقية لتوسيع استخدام القواعد العسكرية في الفلبين.

ومن جانبه، اتخذ مجلس النواب خطوة غير مسبوقة بتشكيل لجنة جديدة في مجلس النواب تركز حصريا على التحدي الاستراتيجي الذي تمثله الصين. ويستند عمل اللجنة إلى فرضية مفادها أنه بعد سنوات من محاولة دمج الصين سلمياً في النظام العالمي بوصفها منافساً وليس عدواً، ينبغي للولايات المتحدة التحول إلى موقف أكثر صرامة، إذ إن الجيل الجديد من القادة الصينيين يحاول تفكيك النظام العالمي الحالي والقانون الدولي.

وتعمدت قيادة مجلس النواب ذات الأغلبية من الحزب الجمهوري اختيار اسم «لجنة الحزب الشيوعي الصيني»، كي تبرز تمييزها بين الشعب الصيني والحزب الشيوعي الحاكم.

                                                                          *         *         *

نادراً ما يختار كبار القادة في الصين دولاً أو قادة آخرين بالاسم للنقد، ويفضلون تركها ضمنية أو الإشارة بشكل غامض إلى «بعض البلدان» أو «دول معينة». وكرر الرئيس الصيني شي جين بينج اسم الولايات المتحدة في تصريحات خلال الجلسة السنوية للبرلمان الصيني هذا الأسبوع قائلاً إن «الولايات المتحدة تقود الدول الغربية في محاولة لتطويق الصين وقمعها».

وأعقب هذا التعليق الصريح النادر وابل من الانتقادات الموجهة مباشرة إلى واشنطن من وزير الخارجية الصيني الجديد والسفير السابق لدى الولايات المتحدة تشين قانج. وقال خبراء إن الهجوم اللفظي قد يشير إلى مستوى جديد من الاستياء من بكين تجاه الولايات المتحدة، وقد يُنذر بإجراءات سياسية جديدة.

ووجه الوزير تشين انتقادات مباشرة إلى واشنطن بسبب سياساتها بشأن الصين وتايوان ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ وأوكرانيا، على سبيل المثال لا الحصر. حتى إنه انتقد السلسلة الأخيرة من رفع أسعار الفائدة من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، والتي تهدف إلى كبح التضخم في الداخل الأمريكي، قائلاً إن تداعيات هذه الخطوة تعبر الحدود الأمريكية لتخلق أزمات ديون في بلدان أخرى.

كما انتقد تشين الولايات المتحدة بالنفاق لحديثها عن احترام السيادة والسلامة الإقليمية عندما يتعلق الأمر بأوكرانيا، ولكن ليس في حالة تايوان، وقال «لماذا تطلب الولايات المتحدة من الصين عدم تقديم أسلحة لروسيا بينما تستمر في بيع الأسلحة إلى تايوان؟».

وقال: «إذا لم تضغط الولايات المتحدة على المكابح، واستمرت في تسريع المسار الخطأ، سيكون هناك بالتأكيد صراع ومواجهة».

                                                                          *         *         *

عرفت علاقات واشنطن وبكين تدهوراً كبيراً خلال الأسابيع الماضية إثر اكتشاف بالون التجسس الصيني فوق الأراضي الأمريكية، واتخاذ بايدن قراراً بإسقاطه. وأغضبت الحادثة الدولتين، وقرر وزير الخارجية أنتوني بلينكن على إثرها إلغاء زيارة طال انتظارها لبكين هدفت للعمل على تخفيف اللغة العدائية في الدولتين تجاه الطرف الآخر.

في الوقت ذاته تستمر واشنطن في تحذيراتها لبكين من مغبة الإقدام على إرسال مساعدة عسكرية لروسيا لدعم حربها مع أوكرانيا.

ويرى بعض الخبراء أن الدولتين دخلتا بالفعل حرباً باردة لن تنتهى قريباً، في حين يعارض البعض الآخر هذا الطرح في ظل العلاقات الضخمة والمعقدة التي تجمع الدولتين، وعلى رأسها تبادل تجارى بلغ قيمته 691 مليار دولار عام 2022، منها 537 مليار دولار صادرات صينية مقابل 154 مليار دولار صادرات أمريكية.

إلا أنه في الوقت ذاته، فقد أعلنت الصين رفع الميزانية العسكرية الجديدة لعام 2023 بنسبة 10% مقارنة بالعام الماضي، هو ما يترتب عليه ضغوط داخل الكونجرس لرفع ميزانية البنتاجون التي وصلت العام الماضي لما يقرب من 900 مليار دولار.

يقرب كل ما سبق من الوقوع فيما يعرف بـفخ ثيوسيديدز (Thucydides Trap) الذي يشير إلى حالة تهديد دولة صاعدة لهيمنة وتحكم دولة قائدة في الساحة الدولية، وتنعكس هذه الحالة التاريخية اليوم على ما حدث من نمو كبير في الاقتصاد الصيني خلال العقود الأخيرة، من هنا خرجت عشرات الدراسات المبشرة بحتمية الصدام المستقبلي بين الصين والولايات المتحدة.

وخلال كلمته أمام اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة العام الماضي، قال الرئيس بايدن إن «الولايات المتحدة سوف تنافس، وستنافس بقوة، وتقود بقيمنا وقوتنا. سوف ندافع عن حلفائنا وأصدقائنا، ونعارض محاولات الدول الأقوى للهيمنة على الدول الأضعف، سواء من خلال تغيير حدود الأراضي بالقوة، أو ممارسة الإكراه الاقتصادي، أو الاستغلال التكنولوجي، أو التضليل الإعلامي. لكننا لا نسعى- وسأقولها مرة ثانية- لا نسعى إلى حرب باردة جديدة أو عالم منقسم إلى كتل جامدة».

ومن المؤكد أن لا واشنطن ولا بكين تسعى إلى صراع عسكري مع الآخر حيث ستكون نتائجه بلا شك كارثية على العالم كله. لكن تزايد المخاوف بشأن سوء الحسابات والتوقعات السياسية قد يؤدي لارتكاب أخطاء كارثية تؤدي لخسارة الطرفين.

* كاتب صحفي مصري متخصص في الشؤون الأمريكية

المصدر: الشروق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.