الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

“حروب وكوارث وصفقات”.. فهل للخلاص من سبيل؟

سوف تبقى أحداث الأسابيع الأخيرة حاضرة في ذاكرة المؤرخين، من كارثة زلزال الفجر الدامي في 06 شباط/ فبراير الماضي بالشمال السوري والجنوب التركي وتداعياته الكارثية على الشأن السوري، إلى خطابيّ بايدن وبوتن في الذكرى السنوية الأولى للغزو الروسي لأوكرانيا، باعتبارهما دشنا نقطة اللاعودة، لقد كانا في الحقيقة لحظة تحول هذا الصراع إلى حرب عالمية في عصر التدمير الذاتي الذي يعيشه عالم اليوم، كل ذلك مع اقتراب الذكرى السنوية للثورة السورية لتأتي مترافقة مع هذه التغيُرات والكوارث! مع استمرار انتفاضات وانتكاس أخرى لصالح الشعبوية وتفاهاتها في منطقتنا العربية.

تجيئ ذكرى الثورة بعد كارثة الزلزال الرهيب المتواصل، بتداعياته وارتداداته، كارثةٌ تكاملت مع الكارثة الأسدية المستمرة منذ بضعة عقود وعبَّرت عن حقدها وطائفيتها بشكل أشد بعد 15 آذار/ مارس 2011 بانطلاق الثورة السورية مع الربيع العربي المتنقل، تلك الأسدية القاتلة التي فاقمت كارثة الزلزال بشكل أكبر وأشد، زلزالٌ جعل عاليَّ الأرض سافلها ووضع النظام العربي والعالمي الرسمي على المحك، نظامٌ من المفترض أن يتبنى تداعيات وآثار هذه الكارثة البشرية دون تردد! ويتوجه للحد من آثارها دون تسييس أو اللعب على طموحات شعبنا السوري ومعاناته، كما جرت العادة خلال السنوات الاثنا عشر الماضية من خلال مبادرات وصفقات واهية تُسخر لصالح نظام القتلة بدمشق.

فالسياسة بمفهومها البسيط هي قطع الرأس دون استخدام السكين، وإذا ما ذهبنا بعيداً فهذا الوصف المتواضع يجد ضالته في بعض من يحترف السياسة، المشهد التراجيدي هو ضحايا الزلزال والبيوت التي تهدمت على رؤوس أصحابها وجرائم متواصلة للنظام الأسدي أثناء الزلزال وارتداداته، فقد “أسمعتَ لو ناديت حياً”، ولكن لا حياة ولا حياءَ لمن تنادي، والنظام السوري القاتل مشغول بتبعات حربه على الشعب وبمجازره المتنقلة، والسوريون جميعاً خلال الـ12 عام الماضية عاشوا الأمرين من تبعات تلك الحرب عليهم التي أهلكت الحرث والنسل، لنُتبلى بمسؤولين لا يمثلون شعوبهم يُدفعون للتطبيع مع نظام القتل والجريمة الأسدي بإنسانيتهم الكاذبة، متناسين كم من الدماء سالت على مذبح الحرية في سورية وباقي دول ثورة 2011 العربية.

فأين كانت إنسانيتكم خلال الفترة الطويلة الماضية لإنقاذ شعبنا المكلوم من نظام الإبادة الأسدي؟ أم أنها مصالحكم الحقيقية بعدم انتصار ثورات الحرية على أي أرض عربية، فكان دعمكم للقاتل طيلة المدة الطويلة الماضية بلا خجل! وهل كان كل ذلك بلا غطاء دولي؟ نعلم أنكم تتبادلون أدوار الغدر مع قوى دولية أوجدتكم وأوصلتكم كي تُعلنوا ما كنتم تكتمون من عمالة ودياثة لصالح نظام الجريمة الأسدي ولصالح إيران والكيان الصهيوني بالمعية بإشرافٍ أممي.

إن حرب أوكرانيا أقرب تطور دولي لصفة الحرب العالمية، اجتمعت فيها قوات أجنبية من عدة جنسيات على هيئة متطوعين ومرتزقة، واجتمعت أيضاً أسلحة شتى قدمتها دول لتشارك في الجهد العسكري الأوكراني والروسي، واللافت في هذه الحرب أنها على مر أيامها أفرزت مصالح وهذه المصالح خلقت أنواعاً من الضغوط ونظمت جماعات لخدمة هذه المصالح، من إيران والصين وكوريا الشمالية والهند وباكستان وتركيا، كما أن إسرائيل لم تألُ جهداً لتستفيد فائدة قصوى من ميزة وجودها ملجأ لليهود.

إنها نهاية حقبة تاريخية عاشتها أسواق الطاقة الأوروبية، حقبة دامت 23 عاماً وانتهت بفعل الغزو الروسي لأوكرانيا وفضحت مكامن الخلل في سياسة الطاقة الأوروبية والعالمية، وستشهد أسواق الطاقة في المرحلة المقبلة تحولات عميقة تطال الشكل والهيكلة وآليات التسعير بفعل تبدّل اتجاهات تصدير الغاز الذي سيُبدّل معه مناطق تركز الثروة والإنتاج، فبعدما كانت صادرات الغاز تَرِدُ من الشرق إلى الغرب- أوروبا تحديداً- صارت ترد من أقصى الغرب، من الولايات المتحدة إلى أوروبا، بوجود أسواق طاقة عربية تنفذ رغبات أوليغارشية صهيونية تخرس حين يجب أن تنتصر لفلسطين وشعبها الحر كما خرست حين دعاها الواجب لتقف مع طالبي الحرية للثائرين على الأرض العربية، لكنها لم ولن تفعل، فهدفها الرئيسي كان ولازال ضرب قوى الحرية والتقدم على الأرض العربية ولنا فيما جرى منهم ويجري هذه الأيام مع نظام الشبيحة الأسدي خير دليل!

فلا مزاعمهم ضد إيران والميليشيا الطائفية الإيرانية صادقة ولا رفضهم لنظام الشبيحة أيضاً، لذلك جاءت أدوارهم لصالح ميليشيا الحوثي تحت الطاولة، وغزلهم مع رأس الإجرام في دمشق، وهكذا جميع الأدوار المتعلقة بتونس والجزائر وليبيا والسودان ولبنان والعراق.. فضلاً عن التطبيع مع نظام الشبيحة الأسدي وإسرائيل بالتبعية أيضاً، فأين دعم ثورة شعوب إيران الحالية؟ وأين ردع الحوثي الانقلابي الطائفي؟ ألم ينفذوا الأجندة الغربية بتقسيم أوطاننا ويتهموا بها ثورات الحرية؟ وهل جاء التطبيع الحالي مع نظام القتلة بدمشق خارج رغبة واشنطن التي تزعم أنها غير موافقة؟ وأصدرت قوانين لمحاصرته وشبيحته ولم نرى منها أي نتيجة؟ ألم يقل “غوتيريس” أمام مجلس الأمن أن حياة الأوكرانيين أصبحت جحيماً “بعد مرور عام على غزو روسيا لأوكرانيا”، لكنه كان “أعمى وأخرس بحالة سورية”، فيكتفي بالقلق والامتعاض رغم مرور /12/ عاماً على مأساتها؟! فلا يمكن بأي حال مقارنة وضع الأوكرانيين، الذين هب الغرب والشرق لنجدتهم، بمن تخلى عنه الجميع في سورية بل وكفوا يد من يقاتل نظام الشبيحة، وقاتلوا من لم يمتثل للأوامر!

إن الحديث في معظم بلاد العالم الثالث يتكثف من جديد حول ما فعله الاستعمار الأوروبي بهم، ولا يمكن وصف تعليقاتهم على دول الغرب نتيجة عجز الطاقة ومشكلات توفير الضرورات والتضخم بأنها مجرد شماتة، بل غضب حقيقي، يتحدثون عن مسؤولية الغرب بتخلف بلادهم، يقارنون بين جرائم روسيا وجرائم قواتهم في العراق وأفغانستان ومواقع أخرى وما ارتكبته فرنسا وبريطانيا العظمى وبلجيكا وهولندا وإسبانيا والبرتغال على امتداد قرون، جاء وقت الحساب ودفع الثمن، قبل اقتسام النفط والغاز وتوزيع الأدوار لاستعمار جديد لدول العالم الثالث وعودة الانفرادية الأمريكية لقيادة النظام الدولي.

إن جميع الأطراف المشاركة بأزمة أوكرانيا مساهمة بالاحتلال وبيع السلاح بحروب الثورة المضادة بمنطقتنا العربية دون مراعاة لشعار الثورة الأصلية أي “الشعب يريد إسقاط النظام”، رأت شعوبنا العربية بانتفاضة واحدة من الخليج إلى المحيط، وأن بإسقاط أنظمتها طريق الحرية والتقدم والرفاه، فلم يأبه لشعوبنا أي من أطراف الصراع بأوكرانيا، هي ليست حروب الآخرين على أرضنا العربية، هي حروبنا من أجل الحرية، حروبٌ تدخلت فيها كل القوى المتصارعة بأوكرانيا، لدعم منظومة الاستبداد عندنا، بالحرب يُخضعون الشعوب ويسلبون الحريات ونتائج العمل والحياة الحرة الكريمة، كلهم يتحدثون عن ”القانون الدولي” والحقوق والإنسانية، وكلهم يكذبون حتى في الخطابة، خطاباتهم رؤية مبتذلة ساقطة هابطة؛ فليهدأ المحللون وأهل العلم الذي يدعونه زيفاً، وليَخرجوا من الشاشات ويتحدثوا، ولو قليلاً، عن الإنسان وقود الحرب، لا الاستراتيجيات التي لم يخبرهم عنها أحد من قادة الصراع، وليس لهم سبيل الولوج إلى معرفتها، فما يجري بأوكرانيا سيحدد طبيعة النظام الدولي لـ 100 سنة مقبلة، وأكثر من يدرك ذلك، هي الدول الكبرى المتورطة فيها، فهل تقود إلى شتاءٍ نووي؟!

فينبغي لنا كسوريين أن نجعل الخصومات خلفنا، فإن لم توحدنا النكبات، فمتى نجمع شملنا؟! لقد شاهدنا مناظر تقشر لها الأبدان، أطفالٌ تحت الردم وشيوخٌ تصرخ وتستغيث، ونساءٌ فضلن البقاء تحت الركام حتى لا يُخدش حياؤهن، مناظرٌ أبكت الحجر، إذاً ماذا عن القلوب المتحجرة التي لا ترق؟ وماذا عن رؤوس شبيحة النظام الروسي والإيراني والأسدي المجرمين ومحاسبتهم دولياً، فهل من فرصة فيها بعض الإنصاف لشعبنا وضحاياه، مما عانى من تبعات دعمهم لنظام الإجرام الأسدي؟!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.