الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

جرس الإنذار

بسام شلبي

قد يعتقد الكثيرون أن توقيف إذاعة “بي بي سي” هو حدث هامشي ولا يستحق التوقف عنده أو الاهتمام به أكثر من حجمه. لكنه حسب رأيي حدث مهم جداً ويستحق التوقف والتأمل والتفكير، ليس لقيمة هذه الإذاعة أو مشروعها أو دورها أو تاريخها وإرثها، بل لأنه جرس الإنذار الذي ينبه بأن العالم من حولنا قد تغير فعلاً وأصبحت مراحل التطور أسرع مما كان يتوقعه معظم البشر.

إنه النداء الأخير للالتحاق بالمقصورة الأخيرة في القطار السريع بل فائق السرعة ولأن فواته لا يُجدي معه ملاحقته بأي وسيلة تقليدية.

إن العالم الذي كنا نعرفه وتعودنا عليه قد انهار أو أنه قيد الإنهيار وأن عالماً أو عوالم جديدة تظهر قد تبدو لنا غريبة او معقدة، ولكنها الحقيقة القادمة التي لا بد من التأقلم معها بأسرع ما يمكن بدلاً من البكاء على الأطلال.

إن هذا التغير ليس كالتغيرات السابقة التي زامنت عصر النهضة أو الثورة الصناعية أو الثورة التكنولوجية أو الثورة المعرفية في العقود السابقة والتي رغم جذريتها وحداثتها فقد كانت تطويراً أو تحديثا للبنى القديمة.

أما التغيير الحالي والقادم فهو مختلف وجذري لدرجة الهدم التام حتى للقواعد العميقة للبنى القديمة وإشادتها بشكلٍ مختلف تماماً.

فالعالم بعد عقدين أو ثلاثة سوف يكون عالماً مختلفاً تماماً عما ألفناه وعرفناه، وربما أكثر المجالات التي سيطالها هذا التغيير هي الإعلام والتعليم.

فوسائل الإعلام الجديدة وتقنياتها وأساليبها ستكون مختلفة تماماً بشكل لا تجدي معه أية عملية تطوير أو تحديث للمؤسسات أو الكيانات الضخمة القائمة.

والتعليم سيكون التغير فيه أكبر وأشمل بعد التطورات التكنولوجية والمعلوماتية المتراكمة التي لا ينفع معها شكل وأساليب المدارس والجامعات الحالية وكل طرائق التعليم والتدريس الحالية

وحتى هناك شك كبير حول دور المدرس أو ضرورة وجوده أصلاً في المستقبل القريب.

أعلم أن ذلك قد يكون عصياً على التصور لدينا الآن، لكنه التطور القادم في قطار الحقيقة المستقبلية التي ستدهس كل من لا يستطيع التأقلم مع متطلباتها.

إن ذلك سينطبق أيضاً على معظم المجالات بما فيها السياسة والأحزاب والبرلمانات والحكومات، وسيكون لها أشكال وأدوار مختلفة تماماً.

جرس الإنذار أُطلق، ومن لا يستطيع أن يأخذ مكانه الصحيح سيندم كثيراً وسيُورث ندامته للأجيال القادمة.

المصدر: صفحة الكاتب على وسائل التواصل

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.