الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

الشعب السوري في فك التطبيع

رياض معسعس *

عاد السوريون في المناطق المحررة في مدن محافظة إدلب وشمال حلب إلى سيرتهم الأولى في التظاهر بعد صلاة كل يوم جمعة رفضا لعمليات التطبيع التي تقيمها بعض الدول العربية مع نظام بشار الأسد، وخاصة تركيا بعد الانعطافة السريعة بزاوية حادة للسياسة التركية تجاه النظام السوري والتي تمثلت بلقاءات متكررة بين الأجهزة الأمنية للجانبين، ثم بلقاء موسكو الثلاثي الذي جمع وزراء دفاع تركيا، والنظام السوري، وروسيا في موسكو، ثم الإعلان عن لقاء قريب يجمع وزيري خارجية تركيا مولود جاووش أوغلو، ووزير النظام السوري فيصل المقداد قريبا للتباحث في لقاء قمة يجمع الرئيس التركي رجب طيب أرودغان وبشار الأسد.

دم الشهداء:

عقب لقاء موسكو خرج عشرات الآلاف من السوريين في مناطق المعارضة تحت شعار “لن نصالح” احتجاجا على التقارب بين تركيا ونظام الأسد، ورفع المتظاهرون لافتات كتب عليها “لن نصالح – المصالحة خيانة ومسامحة الظالم ظلم للمظلومين – لا نريد سلاما دائما مع من قتل أهلنا وأطفالنا” و”نجوم السما أقرب لك من انو نصالحك”.

وإلى الرئيس التركي أردوغان “سماع سماع.. دم الشهداء ما ينباع” وأصدر الفيلق الثالث التابع للجيش الوطني السوري يرفض فيه “المصالحة مع النظام السوري وقال إن السلام والاستقرار لا يتمان إلا بتطبيق قرارات الأمم المتحدة”.

رئيس النظام السوري بشار الأسد صعد من مطالبه وقال: “إن التقارب مع تركيا من خلال وساطة روسيا يجب أن يهدف إلى “إنهاء احتلال” أنقرة لأجزاء من سوريا والقضاء على “الإرهابيين” والمقصود هنا كل فصائل المعارضة المسلحة، ولم يذكر شيئا عن وحدات حماية الشعب الكردية التي تطالب أنقرة النظام السوري بالقضاء عليها.

حرج المعارضة:

بعد لقاء موسكو الثلاثي سارع وزير الدفاع التركي خلوصي أكار لطمأنة الشعب السوري أن عملية التطبيع هذه لن تكون على حسابه: “المحادثات التي جرت بعد انقطاع 11 عاماً، تمت “بنوايا حسنة” مشيراً إلى أن هدفها إحلال السلام في المنطقة، ودعا أطراف المعارضة السورية في الداخل وفي تركيا إلى “التصرف بوعي” وعدم الاستجابة للاستفزازات بحقهم حسب تعبيره، وقال إن بلاده تسعى من خلف هذه المحادثات إلى حل قضايا عدة، أبرزها “مكافحة الإرهاب” وقضية اللاجئين السوريين في تركيا، عبر توفير ظروف العودة “الآمنة والطوعية” لهم.

وشعرت المعارضة السياسية المتمثلة في الائتلاف الوطني السوري بالحرج الكبير كونها كانت خارج العلم واللعبة، ورانت أجواء الصمت قبل أن يحدد وزير الخارجية التركي لرئيس الائتلاف سالم المسلط ومرافقيه لقاء حسب طلبه لوضع الائتلاف بصورة مجريات التطبيع ومخرجاته.

وصرح أوغلو: “أن اللقاء ناقش آخر التطورات حول سوريا” وأضاف: “أكدنا دعمنا للمعارضة السورية والشعب السوري، ذلك وفقا لقرار مجلس الأمن2254. لكن كلام أوغلو لم يمنع المسلط الذي قام بزيارة مدينة أعزاز للمشاركة في المظاهرات الأسبوعية كتعبير عن رفض التطبيع مع النظام، لكن وجوده في المظاهرة الذي كان يهدف من وراء وجوده فيها إشعار السوريين أن الائتلاف في جانبهم، وربما توجيه رسالة لأنقرة، جاء على عكس المتوقع، فقد هاجمه المتظاهرون واعتدوا عليه بالضرب قبل أن يستقل سيارته ويغادر المكان على وجه السرعة.

من يمثل الشعب؟

بعد حادثة الاعتداء على رئيس الائتلاف سالم المسلط تطرح مسألة تمثيل الشعب السوري والثورة السورية بحدة على بساط البحث، فالمعارضة السورية بشقيها السياسي والمسلح لم تعد تقنع السوريين المهجرين والمشردين والمكلومين بفقدان أبنائهم في سجون النظام الأسدي.

المعارضة السياسية اليوم التي مرت بتقلبات عديدة، بدءا من تشكيل المجلس الوطني السوري الذي ضم نخبة من المعارضين السوريين في مختلف أطياف مكونات الشعب السوري والاتجاهات السياسية تم حله واستبداله بالائتلاف الوطني السوري، وانبثق عنه اللجنة العليا للمفاوضات التي لم تتقدم قيد أنملة في أي مفاوضات، وكذلك الأمر بالنسبة للجنة صياغة الدستور التي راوحت مكانها بسبب مراوغات النظام وتسويف عملية الصياغة ووضع شروط تعجيزية لإفشالها، وبرزت منصات معارضة وأحزاب تعمل خارج إطار الائتلاف، ثم تفجرت الخلافات داخل الائتلاف وتم طرد بعض العناصر منه الذين شكلوا ائتلافا منفصلا أيضا ليهاجموا الائتلاف الأم، وقامت موسكو بالالتفاف على قرار الأمم المتحدة 2254 عبر منصة سوتشي، واستانة اللتين كان دور المعارضة فيهما دور المتفرج على قرارات توزيع مناطق وأدوار النفوذ للدول التي لها تواجد على الأرض السورية، وبات الائتلاف في كنف تركيا التي تحتضنه وتموله.

أما المعارضة المسلحة ـ ويطول الحديث عنها ـ والتي بدأت بالانشقاقات في الجيش السوري، وتشكيل الجيش الوطني الحر، انتهت بتشكيل فصائل مسلحة تتبع بشكل أو بآخر لدول خارجية تمولها لغايات مختلفة، وأثبتت فشلها بإسقاط النظام بعد الخدعة الروسية بوضع ما سمي “مناطق خفض التصعيد” وحشر كل هذه الفصائل التي سلمت أسلحتها وغادرت مناطق نفوذها في محافظة إدلب، وبات الجيش الحر نفسه مقسما لفصائل تتبع لتركيا التي تقوم بتمويله وتسليحه وتستخدمه في معاركها ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وتم لهيئة تحرير الشام (النصرة سابقا) المصنفة منظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة السيطرة على محافظة إدلب بتحالفات مع فصائل أخرى ذات اتجاهات إسلامية قريبة من الهيئة، والتي تعارض جميعها عمليات التطبيع.

وعلى ضوء الإخفاقات، والمآسي المتكررة التي لا تنتهي، والمفاجآت غير المتوقعة، يجد السوريون اليوم أنفسهم كالأيتام على مائدة اللئام، لا أحد يمثلهم بما يصبون إليه ويدافع عن حقوقهم، كل يبحث عن مصالحه ومكتسباته على حساب تطلعاتهم، مستقبلهم، وثوابتهم الذين أطلقوا ثورتهم من أجلها في العيش بحرية وكرامة ومساواة والتي دفعوا أنهارا من الدماء ثمنا لها ولا يزالون.

* كاتب سوري

المصدر: القدس العربي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.