الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

سورية: حاجتنا لإنهاء الشماتة بالموت

إيلي عبدو *

عند كل واقعة تُحدث ألما بخصومهم، ينساق معارضون سوريون إلى الشماتة. وينبشون مواقف قديمة (ليست مؤكدة) لصاحب الألم المستجد، حول مواقفه المنحازة للقتل والمجازر، مبررين بها، تشفيهم من مأساته. خلف هذا الموقف، ثمة تمييز بين، من قتل بقرار وانطلاقاً من هدف لإخضاع المطالبين بحريتهم مع بداية حراك 15 آذار/ مارس 2011، ومن توفي بشكل طبيعي أو نتيجة خطأ طبي. هذا الترف، أي الموت باعتباره موتاً طبيعيا، وليس قتلاً، قد يكون دافع بعض المعارضين للشماتة.

هؤلاء يجدون عند من يشمتون بهم، حقا لم يحظوا هم به، حق الموت الطبيعي. لسان حالهم: نريد أن نموت مثلكم، وليس بالقصف، وطالما أننا لسنا متساويين بهذا الحق، فالشماتة هي التعويض المناسب، لاستعادة ما سلب منه ولو نفسيا.

هكذا توضع الشماتة مقابل، قمع الحق بالموت الطبيعي، الذي يمارسه الاستبداد بمعارضيه. ولعل، فشل استعادة هذا الحق عبر إزالة الديكتاتورية ونجاح «الثورة» ضدها، رفع من منسوب الشماتة، وخلق لها وظيفة ثانية فباتت أيضا رداً على الهزيمة، أي أن الشماتة تنشط في بيئة المعارضة بوظيفة مزدوجة، لتعالج عجزين، وقف الموت الاستثنائي، وإسقاط المسؤول عن هذا الموت.  بيد أن هناك مستويات أخرى، لاشتغال الشماتة، إحداها يتعلق بالثأر، بوصفه آلية عشائرية، بحيث يبدو من يموت من أبناء أو إخوة الموالين، بديلا عن الذين قتلوا بالقصف أو سواه. هذا مقابل ذاك. قوام هذا المستوى في فهم الشماتة يتبدى في ارتداد «الثورة»، نحو المحافظة. قمع السلطة وسلب السياسة من المجتمع دفعاها لهذه الاتجاه، دفعاها للاحتماء بالأشكال التقليدية للاجتماع، أي روابط الدم والقرابة والعائلية والدين، وبالنتيجة جرى التمسك بمنظومة قيم محافظة، يسهل للثأر التسلل منها.

غير أن الثأر يأتي ناقصا في وعي المعارضين الذين يتبنونه. إذ لا دور لهم فيه، موت خصومهم يحصل بفعل الطبيعة والبيولوجية وليس بأيديهم، وبإضافة التعويل على الطبيعة إلى الثأر، نصبح حيال انحدارين، الأول، إلى ما دون الحداثة السياسية، حيث العنف ليس محتكراً لمؤسسة شرعية، بل إنه منفلت على إيقاع العشائري، والإيمان بالثأر لاستعادة الحقوق. والثاني إلى ما دون الحداثة المعرفية، حيث مركزية الطبيعة، طاغية على مركزية الإنسان الذي يمتلك شروط حياته. تجيير الثأر للطبيعة، والبحث عن تعويض لفشل إيقاف القتل يكشفان، كم أن تشكل الشماتة، في وعي البعض المعارض، معقد، وتختلط مركباته وتتغذى من بعضها بعضا. لكن، يبقى، المصدر الأساس للشماتة، هو الألم الخام. ألم متروك للبحث عن تعويض نفسي، والــــتعلق بالثأر، وانتظار تدخل الطبيعة. ويبدو أن لا أمل في أن يطور السوريون علاقتهم بآلامهم، بحيث يبـــحثون عن سبل لتجاوزها، طالما أن الاستبداد المسبب لهذه الآلام، ما زال مستمراً، والعدالة مفقودة إذ سنبقى أســـرى دائرة جهنمية تتحرك ضمن إنتاج الألم، والعجز عن وقفه، والبحث عن تعويض نفسي بحوامل اجتماعية محافظة، لتقفل هذه الدائرة أخيراً على نفسها، بالشــماتة. والحصيلة، أن من يتألم لا يجد أفقا لإنهاء ألمه، ما يدفعه للفرح عند رؤية الآخرين يتألمون مثله، عادماً الفروقات في تحديد المسؤولية تجاه من تسبب بألمه.

الاستبداد يحرمنا من التفكير ببعضنا كضحايا، ويجعل آلامنا مفتوحة على الانتقام والثأر، أكثر بكثير من كونها مفتوحة على التعاطف مع الآخرين. وللخروج من هذا النفق، لابد من وقف الشماتة اللاأخلاقية، وتطوير علاقتنا مع ألمنا بحيث نتجاوزه بدل أن نقع في فخه ونغرق فيه، والشرط الأساسي لذلك، حريتنا، وعدالة الضحايا، للبدء بكسر الدائرة الجهنمية.

* كاتب سوري

المصدر: القدس العربي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.