الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

حول الاستعانة بالجيوش الأجنبية

معقل زهور عدي

يُفرد نيقولا ميكيافلي فصلاً خاصاً في كتابه الذي يعتبر اللبنة الأولى في علم السياسة الحديث لموضوع الاستعانة بالجيوش الأجنبية كقوات رديفة فيقول عنها بادىء ذي بدء إنها عديمة النفع مثل القوات المرتزقة, فهي قد تكون جيدة في حد ذاتها, لكنها دائماً مصدر خطر على من يستعيرها, ” لأنها إذا خسرت المعركة فإنك تكون قد هُزمت, أما إذا كسبت فإنك ستبقى أسيراً لتلك القوات .”

وعلى سبيل المثال ” فقد حشد امبراطور القسطنطينية عشرة آلاف تركي في اليونان لمواجهة جيرانه، لكنهم لم يرحلوا بعد الحرب, وكانت هذه هي بداية لمرحلة استعباد لليونانيين من جانب من جاء لمناصرتهم .”

 “اذن فعلى من لا يريد أن ينتصر أن يعتمد على هذه القوات الرديفة التي تزيد خطورتها قليلاً عن خطورة القوات المرتزقة, فبوجودهم سيكون الخرابُ شاملاً, وذلك لأنهم متحدون دائماً وولائهم للآخرين وليس لك  .”

بينما تحتاج القوات المرتزقة لفرصة مناسبة لتتمكن من الإضرار بمن استأجرها, كونها لا تشكل تكويناً واحداً, كما أنها تستلم رواتبها منك ومرتبطة بك, فقصارى خطرها يكمن في جُبنها وتخاذلها عن القتال, أما القوات الرديفة فخطورتها تنبع من شجاعتها وتماسكها وولائها لبلدها وحاكمه .

فإذا استخدم الحاكم مرتزقة يستأجرها غيره لصالحه فهو يضيف لمساوىء المرتزقة سيئة آخرى تتمثل في فقدان الولاء التام لمن تقاتل في أرضه, فهي جبانة في القتال من جهة, ولا تعطي بالاً للحاكم الذي يستخدمها ولا يدفع لها من جيبه من جهة أخرى .

يقول ميكيافلي: ” والأمير المحنك إذن يتجنب دائماً هذين النوعين من القوات, وله مصادره الخاصة, وهو يفضل الهزيمة على يد قواته الخاصة عن النصر على يد قوات الآخرين. فهو لا يعتقد أن هذا الذي تحققه القوات الأجنبية سيكون نصراً حقيقياً .

وفي التاريخ أمثلة كثيرة عما أورده ميكيافلي, وهو محقٌ في رأيه تماماً, ويكاد هذا الرأي أن يكون قانوناً عاماً, فحين تفرَقَ ورثة صلاح الدين الأيوبي, وتسلم كل واحدٍ منهم جزءاً من السلطنة, واختلفوا فيما بينهم, لجؤوا للمماليك, وحين توسعوا في جلّبهم واستخدامهم كقوات حماية لإماراتهم, كانت نهايتهم على أيدي المماليك الذين هم من استقدمهم لتثبيت دولهم المتناحرة .

وقبل ذلك استقدم الخلفاء العباسيون الأتراك السلاجقة بدلاً من أن يُتعبوا أنفسهم في تكوين الجيوش وتدريبها, فكان أن استلم الأتراك السلاجقة الحكم في بغداد وأصبح الخليفة ألعوبة بأيديهم حتى قال الشاعر:

خليفةٌ في قفصْ ….. بين وصيفٍ وبغا

يقولُ ما قالا لهُ ….. كمـا تقـــولُ الببغـــا

وحين وجد المعتمد بن عباد مَلِك قرطبة أنه لا بد من الاستعانة بقوى خارجية للدفاع عن مملكته لم يذهب لأمراء الممالك الإسبانية كما فعل غيره بل ذهب إلى يوسف بن تاشفين وقال قولته المشهورة: ” أما لأن أرعى الغنم عند يوسف بن تاشفين خير من أن أرعى الخنازير عند الفونسو “.

المصدر: صفحة الكاتب على وسائل التواصل

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.