الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

استبداد آخر يتجاوز طموحات الشعب السوري

محمود الوهب                                                         

لست في موقع الدفاع عن زيد أو عمر إذ لم أنتمِ إلى أي تنظيم سياسي بعد مغادرتي تنظيم “الحزب الشيوعي الموحد” أواخر حزيران من العام 2011، لكنني حريص على وحدة جميع من يذهب بسورية نحو التغيير الإيجابي ويعمل باتجاه وضعها على سكة الأمن والسلامة والتنمية الشاملة المنشودة.. وحين أقول سورية، إنما أعنيها أرضاً بكامل حدودها، وشعباً بأطيافه الحزبية والقومية والدينية والطائفية والمذهبية كافة، وأية تجمعات أخرى، مهما كان معتقدها أو انتماؤها..

ولذلك شعرت بأذى لحق بسورية من حادث الاعتداء على “سالم المسلط” الرئيس السوري “لائتلاف قوى الثورة والمعارضة”، وخاصة ممن يزعمون بأنهم ثوريون! إن أهم قيمة للثوري هي تحليه بالأخلاق، فما يحرك الثوري هو الحس الوطني، بكل ما يعنيه من قيم خلقية ودينية وإنسانية.. وهذا ما جعلني أتوقف طويلاً عند تلك الحادثة التي أتت في مرحلة مفصلية من مراحل نهوض الشعب السوري، بعد مرور أحد عشر عاماً من القتل والتهجير، وإثارة النعرات الطائفية، والكراهية، والفرقة بين أبناء الوطن الواحد، ما أدى إلى خراب سورية كلها.. وإذا كان النظام الاستبدادي هو المسؤول الأول عما جرى لسورية من خراب ودمار ببقائه جاثماً على صدر الشعب السوري على مدى خمسين عاماً، ولا يزال يطمع في الاستزادة، فإن من تصدى لقيادة ملايين الشباب السوريين الذين طمحوا إلى التغيير، فأوكلوا مهمة ذلك إلى المجلس الوطني أولاً، ثم إلى الائتلاف الوطني فإن الأخير يتحمل جزءاً من المسؤولية لأنه كان، في العمق والجوهر، وجهاً آخر للنظام..

لكل ذلك يمكن القول: إن حادث الاعتداء على الائتلاف بشخص رئيسه إنما هو نتيجة لا سبب. إذ أتى تكثيفاً لسياسة خاطئة مارستها جماعة ممن ركبت موجة الثورة السورية باسم المظلومية، والأحقاد، والمصالح، والانتفاع، والنظرة الحزبية الضيقة، والاحتكام إلى السلاح، وبالتالي الارتهان للآخر، وعطاءاته، وقراراته، فاحتكرت تلك الجماعة كل شيء، وبذلك تكون قد سارت على طريق النظام ذاته، بعيداً عن محتوى ثورة الشعب، والعمل لأجل حرية الشعب السوري من خلال منع القمع والتمييز والفساد واحتكار السياسة والتنمية الشاملة والإحالة دون تمكين السوريين بأطيافهم كافة من بناء دولة الديمقراطية، والقانون والحداثة، والمواطنة، وتجاوز أي عمل أو ممارسة مما كان يقوم به الاستبداد.. إن ما حصل هو ممارسة بشعة سعى إليها بعض ممن يسمون بـ “حكومات الأمر الواقع” التي تخضع للمصالح الضيقة، وتحكم بالأهواء بعيداً عن أي فقه أو قانون، وهي في سلوكها “أسوأ من أية حكومة مستبدة” ولا يخدم فعلها غير النظام المتهالك نفسه..

إن حادثة الضرب لا تختلف، في عمقها وجوهرها، عن حادثة اغتيال الناشط الشاب “أبو غنوم” وزوجته وابنهما، وعن اغتيال آخرين أيضاً.. وتجاوزات كثيرة، ومتنوعة، سواء حدثت في مدينة الباب أم في غيرها مما يعرف بالمحرر.. تجاوزات طاولت حريات الناس (هدف الثورة السورية وغايتها) وأملاكهم، ومعظم شؤونهم الخاصة..

ومع ذلك يمكن القول: إن كل ما تقدَّم لا يعني، بأي شكل من الأشكال، أنَّ الائتلاف بريء، أو أنه لا يتحمل مسؤولية فيما جرى ويجري.. لا، ليس كذلك أبداً.. بل إن مسؤولية أكبر تقع على عاتقه، فهو مسؤول أول، أمام تردي أوضاع السوريين في المنافي كافة، وخاصة في شمال غرب سورية وشرقها، إذ قبل بحكومات الأمر الواقع، حباً أو كرهاً، وركن إلى نعيم الراحة، رغم أنه أدرى بكل ما كان يحدث من تجاوزات.. ولم يقم بأي فعل بل لعله في السنوات الأخيرة، أخذ ينشئ صداقات مع بعضهم، فيقبل بهذا المسؤول أو ذاك مشعراً إياه بالرضى، متجاهلاً الأصوات الوطنية التي عليه أن يمد جسوراً نحوها. فلطالما سمع وطولب بأهمية أن يكون الصف السوري موحداً، وفق خطاب جامع، واضح يلبي نداء المرحلة وحاجة السوريين. خطاباً يستقطب القوى السياسية السورية كلها، ويتبنى معها الدولة الديمقراطية دولة المواطنة التي ينشدها السوريون. دولة توفر لمواطنيها متنوعي المشارب وطناً نامياً لا تمييز فيه ولا احتكار ولا فساد. فهل تدفع تلك الحادثة، على سوئها، إلى وقفة مع الذات، ونقطة انطلاق نحو بناء معارضة سليمة الجسد والرؤية، إذ تشد أزر السوريين، وتمسك بخطابهم الموحد الجامع، وخصوصاً في هذه المرحلة التي لم يعد لها غيره.. فسورية غدت عبئاً حتى على الأطراف المتدخلة فيها، فتراهم يعالجون أزماتها من خلال أزماتهم، لكنهم، في القوت نفسه، لا يرون غير مصالح بلادهم. أم إن سيناريوهات أخرى يفرضها واقع جديد قد يقلب الطاولة كلها..!

أخيراً أقول لا بد لتركيا أن تدرك أن مصلحتها تكمن في سورية الموحدة أرضاً وشعباً، وأن قوة القيادة السورية هي قوة للعلاقات الثنائية الدائمة في المستقبل.. ولا بد أن يعي الروس أنه من غير المقبول ولا المعقول أن يبقى بشار الأسد بعد كل ما تسبب به من جراح للسوريين لن تندمل بوجوده.. سيما أنه دمر وطناً عمره آلاف السنين.. ويمكن القول للإيرانيين إنكم تقتفون اليوم، في بلادكم، آثار ما ارتكبتموه في سورية من جرائم.. كما أنكم من جهة أخرى، إن كنتم شجعاناً وصادقين فلتتركوا سورية، ولتقاتلوا إسرائيل هكذا مباشرة ووجهاً لوجه.

المصدر: سوريا المستقبل

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.