الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

صالح الرفاعي.. يوم التقط حركة في صورة لحافظ أسد

محمد حجيري *

لا يمكن القول إن صالح الرفاعي مصوّر محترف فحسب، بل هو فنان بصري وفنان الصورة بامتياز. فعدا احترافه التصوير الصحافي، إذ عمل محلياً ودولياً منذ العام 1974 وغطى الأحداث في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك الحرب الأهلية اللبنانية كمصور ومحرر للصور في وكالة “اسوشيتد برس”… شارك الرفاعي، البيروتي، عاشق مقاهي الحمرا، في العديد من مسابقات التصوير الصحافي ومعارض الفنون الجميلة طوال حياته المهنية، وهو واحد من مؤسسي نقابة المصورين الصحافيين في لبنان، ومؤسس ورئيس تحرير مجلة “الفن والتصوير”، أول مجلة متخصصة في التصوير الفوتوغرافي في العالم العربي، كانت تصدر في الثمانينات وتوقفت في العام 1988.

والقول إن صالح الرفاعي فنان الصورة، ذلك لأنه أحياناً يقدّمها بطريقة الديجتال آرت، ومرات تبدو كأنها لوحة من لوحات الفن التشكيلي، من خلال صوره، أو لوحاته التي يرسمها بالكاميرا وبأفكاره، ومرات كثيرة تكون المهارة القصوى في طريق التقاط الصورة من زاوية من الزوايا. وهو خاض تجربة الصورة على أكثر من صعيد وجانب، سواء الأعمال الذاتية أو التي يلتقط فيها مناظر وتعابير وأفكاراً وحتى مواقف من ساحة الشهداء وتمثالها، إلى اسمنت المقاول الذي يبدو كقائد يأخذ عناصره الى التهلكة…

وهذه الصور لها حيزها الخاص في المعارض، والصور الأخرى لها علاقة بالزمن والذاكرة، سواء الصور السياسية في الأروقة اللبنانية وحتى العربية، وهناك الصور في زمن الحروب الأهلية، وقد خسر صالح بعض زملائه خلالها، من دون أن ننسى تجاربه ورحلاته في مهرجان “كان” السينمائي، وهي كانت مختلفة. فحين سافر في المرة الأولى لتصوير المشاهير في المهرجان العالمي، كان يلتقط صور النجمات التي فيها الكثير من التعري أو العري، الأمر الذي جعل مجلة “الشبكة”، تلجأ الى استعمال الطرش لتغطية جزء من العري حتى لا تتعرّض للرقابة. وفي إحدى الرحلات المهنية، كان يصوّر النجمات الساحرات بأجسادهن، فيطلب منهن أن يغطين صدورها بأيديهن، وهذا الأمر أثار غضب المصورين الأوروبيين أو الغربيين، الذين لديهم نظرتهم المختلفة إلى الجسد وثقافته.

كان الجدل والنقاش حول الصورة الزعيمة أو صورة الزعامة وزعامة الصورة وحكايتها وكواليسها، على هامش كتابه “من يصنع الزعيم؟، الذي أتى ثمرة جهد سنوات، وجذوره بدأت مع اعداده لرسالة الماجستير. لاحقاً قرر التوسّع في البحث وصولاً إلى الكتاب الذي، وإن كان بحثاً، لا ينفصل عن إطار علاقة صالح الرفاعي بالصورة، اذ بدأت علاقته بصورة الزعيم من خلال صورة عبد الناصر الزعيم العروبي الجماهيري، الذي كانت صورته تدخل كل بيت. ويتبين من خلال مذكرات مصوره، الجهد الذي كان يبذل لإظهار صوره بطريقة تحبب الناس به، وفي هذا الأمر يمارس المصوّر سلطته، كما فعل المصور الأرمني يوسف كارش الذي “سرق” من فم تشرشل السيجار الذي كان يلازمه وضغط بيده على زر الكاميرا، وفوجئ تشرشل بما حصل، وإذ بالصورة تُنشر في كافة صحف العالم، وسمّيت “زئير الأسد”.

بدأت علاقة صالح الرفاعي بالكاميرا منذ بداية السبعينيات من خلال مصور أرمني كان يزور عائلته في المنزل في منطقة المزرعة، في البداية كان يصوّر نفسه، ثم بدأ تصوير زملائه في الكشاف، وهم يشترون الصور كتشجيع ليتمكن من ابتياع أفلام وأدوية للتظهير في المنزل. وصوّر مباريات كرة القدم مجاناً لإحدى المجلات، وهذا كان نقطة البداية، حينها كما يقول، لم تكن الصورة وحدها هي الجاذب، بل تميزت بجمالية فنية. ظروف لبنان أخذته إلى الصورة الصحافية، وعمل في دار الصياد حتى أواخر السبعينيات قبل أن ينتقل إلى وكالة اسوشيتد برس وقد استمر فيها نحو عشرين عاماً(1980 -2000). تجربة اثمرت أرشيفاً ضخماً من الصور والأفلام، منها الصور السياسية ومنها الصور التي تغطي الحرب الأهلية، حتى عري النساء له حصته، وفي مرحلة كان غير محبّذ في بيروت، والآن أصبح اظهاره أمراً عادياً.

سؤال:

هل يجب أن يناقش المصوّر فنّه، فن الصورة التي شغلته وانشغل بها، طوال أكثر من خمسين عاماً؟ هذا السؤال العريض، شغل صالح الرفاعي في كتابه، الذي يراوح في تناوله للصورة، بين التحليل الموضوعي، وبين التحليل الشخصي، ليبحث عن معنى الصورة بعامة، وعن معنى صورة الزعيم بخاصة. يشتمل الكتاب على مقدمة وسبعة فصول. هناك بحث طويل عن “الصورة السياسية في لبنان”، متتبعاً بدايات الصورة السياسية، متوقفاً عند استديو عائلة بونفيس، أبرز المصورين، متحدثاً بإسهاب عن عائلة الصابونجي، في هذا المجال. كذلك يتحدث عن “مصوري البورتريه السياسي في لبنان”، منتهياً للحديث عن الصورة في مواسم الإنتخابات، وعن صور “السيلفي” ودورها السياسي، وعن رأي علم النفس والاجتماع بصورة الزعيم.

وفي مشواره وعمله في التصوير، كان صالح الرفاعي يرفض اختيار الصور غير اللائقة، كأن يضع سياسي يده في أنفه، وهو وإن التقط صور البابارتزي لكميل شمعون مع أحفاده على متن قارب في جونيه، فهذا من باب جذب الجمهور للزعيم الشعبي والشعبوي، لكنه أحياناً كان يطلب من سياسي أن يرتّب ربطة عنقه حتى لا يظهر يوضعية تأخذه إلى “التنمّر”، وهذا لا يعني أن الرفاعي لا يأخذ الصورة التي يمكن ان تحمل الكثير من الكلام في السياسة، فثمة فرق بين الصورة غير اللائقة والصورة التي تتضمن موقفاً وتعبّر عن الرأي العام.

لا يستهضم صالح الرفاعي زوبعة صور السيلفي، ولم يستسيغ مرحلة الزعيم والمصور الشخصي والبوطة التي تحيط به وتمنع الآخرين من ممارسة مهنتهم. يقول إنه على الرغم من أن الرئيس رفيق الحريري (مثلاً) كان يطلب من المحيطين به الإفساح بالمجال للمصورين وهو من الوجوه المحببة للصورة، لكن ثمة من كان يسعى للمنع والتصدي والتطويق، وكأنه يمتلك الزعيم. يحب صالح الرفاعي علاقة الزعيم ريمون اده بالكاميرا، فهو كان شخصية كاريزمية، وكذلك الزعيم كمال جنبلاط الذي يحترم المصورين… في المقابل علاقة العماد عون مع الكاميرا تبدو متوترة وغير محبّبة، وكذلك النائب جبران باسيل الذي دائماً يريد أن يظهر أمام الكاميرا أنه صاحب دور متعاظم في السياسة والشأن العام.

حافظ أسد:

ومن الأمور التي لا تُنسى في ذاكرة صالح الرفاعي ولم يذكرها في كتابه، أنه كان مديراً في اسوشيتد برس، يرسل مصوراً الى القصر الجمهوري في سورية في زمن حافظ أسد، فيأتي بصور بروتوكولية صنمية جامدة للرئيس السوري، تُرسل الى أوروبا فلا تنشرها الصحف. وذات مرة كان وارن كريستوفر، يزور الشرق الأوسط، فقرّر صالح الرفاعي أنه سيذهب بنفسه الى قصر المهاجرين لالتقاط صور، وأخذ موعداً وذهب. ومن الصور التي التقطها، الأسد واقفاً ووارن كريستوفر يُحرك يده، وانتشرت الصورة في الصحف الأوروبية، ولم يطل الوقت حتى جاء اتصال من القصر الجمهوري إلى الوكالة يسأل عن اسم المصور الذي التقط الصورة، ويبلغها بأن صالح الرفاعي ممنوع من دخول القصر الرئاسي السوري نهائياً، وفي رأيهم أنه غير مسموح تصوير الرئيس خارج الصورة البروتوكولية ولا أحد يحرك يده في وجه الرئيس.

* كاتب ناقد وروائي لبناني ورئيس القسم الثقافي في صحيفة المدن

المصدر: المدن

تعليق 1
  1. omarkardas يقول

    بزمانه اثناء حرب تشرين ظهرت صورة الدكتاتور في التلفزيون وهو يلقي كلمة وكانت الصورة تهتز وبعدها وضع تسجيل لاغنية لعبد الحليم ولم تهنز وكان ناجي جميل يومها مديرا لمكتب الامن القومي فاستدعى مدير التلفزيون وساله لماذا اهتزت صورة الرئيس فبرر المدير ان الكاميرات قديمة ويجب تحديقها فقال له بلا اكل خرا صورة عبد الحليم بعد الخطاب كانت ثابتة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.