الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

“واشنطن بوست”: إيران خلف روسيا في أوكرانيا.. ماذا بعد؟

منى فرح *   

يؤكد تسريب جرى عبر ميكروفون قناة “آر. بي. سي” الموالية للكرملين، أن الطائرات المسيَّرة التي تستخدمها موسكو في حربها ضد أوكرانيا يتم تصنيعها وتزويدها بالذخيرة في إيران. وهذا بحد ذاته تحول زلزالي ويشكل مخاطر لأميركا وإسرائيل وتركيا وأطراف أخرى، لا سيما وأن الكرملين يعمل على الموازنة بين علاقته التنافسية الصعبة مع إيران وبين علاقته مع السعودية، بحسب “الواشنطن بوست” للكاتبة رويَن ديكسون(**).

خلال لقائه مع تلفزيون “آر. بي. سي”، ومن دون أن يدرك؛ لا هو ولا المذيع أنهما كانا على الهواء مباشرة؛ تمتم (https://twitter.com/JuliaDavisNews/status/1583107961647341569) رسلان بوخوف، الخبير العسكري المُقرب من وزارة الدفاع الروسية، قائلاً: “جميعنا يعلم أن الطائرات المسيَّرة التي نستخدمها في أوكرانيا إيرانية الصنع. لكن الحكومة لم تعترف بذلك”.

إن النفي العلني من جانب روسيا وإيران، على الرغم من الأدلة الدامغة، يسلط الضوء على اتساع الأرضية المشتركة بين دولتين تربطهما قواسم مشتركة أكثر من أي وقت مضى: نظرة قادتهما المناهضة للغرب، اعتناق نظرية المؤامرة، الاستعداد لاستخدام العنف من أجل تحقيق أهداف إقليمية، السعي لفك العزلة الاقتصادية التي تفرضها العقوبات الدولية، قمع المعارضين والميل لبث أكاذيب رسمية.

إن علاقة المصلحة بالنسبة لروسيا أصبحت؛ وبشكل متزايد؛ حيوية بعد أن عانت من انتكاسات متكررة في حربها ضد أوكرانيا. وها هي؛ وبرغم تواضعها كقوة عُظمى طموحة؛ تلجأ إلى طهران من أجل الحصول على طائرات مسيَّرة وذخائر. وفي هذا انتهاك محتمل للعقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على إيران ووافقت عليها روسيا نفسها.

تحالفات بمستوى تحول زلزالي: 

توثيق العلاقات المشتركة يمكن أن يعيد رسم تحالفات إقليمية جديدة لعقود مقبلة: فالكرملين يعمل على الموازنة بين علاقته التنافسية الصعبة مع إيران (للحصول على أسلحة ودعم لحربه ضد أوكرانيا) وبين علاقته مع السعودية (المنافس اللدود لإيران) للحفاظ على أسعار النفط مرتفعة وبالتالي دعم ساحة الحرب الروسية في أوكرانيا.

وتمثل مبيعات الأسلحة الإيرانية إلى روسيا تحولاً زلزالياً. فهذا هو التدخل الأول للجمهورية الإسلامية في حرب أوروبية، و”ما نشهده، هو فصلٌ جديدٌ تماماً في العلاقات الإيرانية الروسية، وخطوة حاسمة من الإيرانيين لرمي أنفسهم، لأول مرة وبقوة، في حرب تجري على أراضٍ أوروبية”، بحسب هنري روم، المتخصص في الشؤون الإيرانية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.

ويضيف روم: “إن ربط عربتك بدولة مثل روسيا أمرٌ محفوف بالمخاطر بالتأكيد. فالحرب الأوكرانية ستترك روسيا دولة مدمرة وضعيفة، حتى في أفضل السيناريوهات بالنسبة لموسكو”.

لقد قلبت الحرب الروسية الأوكرانية النظام الجيوسياسي رأساً على عقب، وبطريقة لم نشهدها منذ سقوط جدار برلين. والمخاوف من اندلاع حرب عالمية جديدة أكبر من أي وقت مضى، لا سيما مع التهديدات (الروسية) المستمرة بتوجيه ضربة نووية، والاتهامات المتبادلة بخطط استخدام “قنبلة قذرة”، والأدلة المتزايدة على ارتكاب جرائم حرب.

يحلم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعالم مُتعدد الأقطاب، حيث يتم تجريد الغرب المتحلل من نفوذه، ويُمكنه؛ هو وغيره؛ من إعادة تقسيم الكرة الأرضية إلى مناطق نفوذ، وجني الموارد لإثراء أنفسهم وسحق المعارضة بشراسة (…).

وكما يقول راي تاكييه (https://www.cfr.org/expert/ray-takeyh)، محلل الشؤون الإيرانية والشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية الأميركية: “هناك شيء مشترك بين النظام الإيراني والاتحاد الروسي. كلاهما يشرح مواقفه الإستراتيجية من خلال منظور نظريات المؤامرة (…)”.

إيران تقف خلف روسيا:

في الوقت الذي تُلقي فيه إيران بثقلها؛ وبشكل حاسم؛ في أحضان روسيا والصين، تتلاشى الآمال في إحياء الإتفاق النووي لعام 2015. كما أن التوتر الأخير بين إيران والوكالة الدولية للطاقة يجعل طهران تسعى أكثر من أجل ضمان دعم موسكو لها، بصفتها عضواً دائماً في مجلس الأمن التابع، يستطيع استخدام حق النقض (الفيتو) لمنع أي عمل عسكري ضدها.

وربما يأمل قادة إيران أيضاً في أن يتمكنوا؛ من خلال مساعدة روسيا في حربها ضد أوكرانيا؛ من الإثبات أن بلدهم لاعب عسكري جاد على مستوى العالم، والاستفادة من مبيعات الأسلحة للحصول على إيرادات هم في أمس الحاجة إليها. ويبدو أنهم مستعدون لتحمل التكلفة والعواقب، حيث فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات جديدة عليهم جراء مساندتهم بوتين في حربه.

وفي هذا الخصوص، يقول روم: “هناك منطق استراتيجي للنهج الذي تتبعه طهران اليوم. أعتقد أيضاً أن المنطق يُرجح أن المحادثات النووية غير مثمرة. ولا يمكن الوثوق بالغرب. ولسان حال الإيرانيين يقول لقد كنَّا نقوم بكل الجهد بمفردنا، وعلى عاتقنا اقتصادياً. مستقبلنا هو روسيا والصين (…) وقد تكون هناك فائدة كبيرة من الوقوف خلف موسكو وقت الحاجة”.

وكان مسؤولون أميركيون قد أفادوا (https://www.washingtonpost.com/national-security/2022/10/16/iran-russia-missiles-ukraine/) أن إيران تخطط لإرسال المزيد من الطائرات العسكرية المسيَّرة وصواريخ باليستية إلى روسيا التي استنفدت (https://www.washingtonpost.com/world/2022/10/14/russia-missiles-infrastructure-war-ukraine/) مخزونها. وقالت الولايات المتحدة أيضاً إن الإيرانيين يعملون على تدريب طيارين روس في قاعدة في شبه جزيرة القرم. وأفاد (https://sprotyv.mod.gov.ua/en/2022/10/23/iranian-instructors-have-been-spotted-in-belarus/) مركز المقاومة الوطنية الأوكراني، وهو جزء من قوات العمليات الخاصة الأوكرانية، أن مدربي الطائرات المسيَّرة الإيرانية يساعدون الروس في ميكوليتشي، بالقرب من جوميل في جنوب بيلاروسيا.

في المقابل، تُسارع دول غربية لتزويد أوكرانيا بدفاعات جوية متطورة، لكن شحنات الصواريخ من إيران قد تغير التوازن في القتال، ما قد يؤدي إلى مزيد من الدمار وإطالة أمد الحرب وجعلها أكثر دموية. فالرئيس الروسي يراهن على أن الوحدة الغربية ستنهار في النهاية، وبالتالي ستخسر أوكرانيا الدعم.

للتحالف المُستجد.. مخاطر:

وقفت موسكو وطهران إلى جانب الرئيس السوري بشار الأسد (الحليف المشترك) ودعمته في حربه ضد المعارضة. لكن العلاقة بين البلدين نمت بشكل وثيق هذا العام، وجرت بينهما سلسلة من الاجتماعات كان أبرزها لقاء بوتين في تموز/يوليو مع المرشد الأعلى لإيران آية الله خامنئي (…).

وفي اجتماع مهم جرى مطلع الشهر الماضي، زار النائب الأول للرئيس الإيراني، محمد مُخبر، ومسؤولون أمنيون إيرانيون موسكو، حيث اتفقوا، بحسب وكالة “رويترز“(https://www.reuters.com/world/exclusive-iran-agrees-ship-missiles-more-drones-russia-defying-west-sources-2022-10-18/)، على توريد شحنات أسلحة جديدة إلى روسيا، وتشكيل مجموعة عمل مشتركة لتقويض العقوبات الغربية. وأبرز ما قاله مُخبر في ذلك اللقاء “إن موسكو تستطيع أن تتعلم الكثير من طهران (…) نحن نرزح تحت العقوبات منذ 40 عاماً، ولم نسمح لها (أميركا) بتقويضنا”.

وخلال محادثات جرت في شهر تموز/يوليو، وقعت شركة الغاز الروسية العملاقة “غازبروم” مذكرة تفاهم بشأن صفقة بقيمة 40 مليار دولار مع شركة النفط الوطنية الإيرانية. وفي أيلول/سبتمبر، أرسلت روسيا وفداً من 65 من قادة الأعمال إلى إيران (…).

وفي الآونة الأخيرة، اشتدت المنافسة بين روسيا وإيران على مبيعات النفط والغاز الطبيعي، مع تحول موسكو إلى الصين كسوق مستقبلي رئيسي، مما قلَّل من سعر النفط الإيراني، مع أن روسيا تعي ما يعانيه الاقتصاد الإيراني من مصاعب واخفاقات خصوصاً مع ارتفاع معدلات البطالة والتضخم.

موسكو أكثر فائدة للسعودية من أميركا: 

يفخر الرئيس بوتين بنفسه كلاعب قادر على أن يتعامل مع جميع الأطراف في الشرق الأوسط. وحربه في أوكرانيا ساهمت في الاضطرابات الاقتصادية العالمية، لا سيما في قطاع الطاقة، وخلقت مشاكل وتصدعات سياسية تتطلب من بوتين المناورة بحذر من خلال إدارة المنافسات الإقليمية الحسَّاسة. فالعلاقات بين واشنطن والرياض توترت بسبب قرار “أوبيك بلاس” الأخير بخفض إنتاج النفط والحفاظ على ارتفاع الأسعار (دفعت به روسيا والسعودية)، ما دفع بالرئيس الأميركي جو بايدن إلى تحذير السعوديين من “بعض العواقب لما فعلوه مع الروس”.

وفي هذا الشأن، كشف (https://carnegieendowment.org/2022/10/05/what-s-driving-russia-s-opportunistic-inroads-with-saudi-arabia-and-gulf-arabs-pub-88099) “أندرو إس. وايس” وياسمين ألكسندر غرين، من مؤسسة “كارنيغي للسلام الدولي”، عن أن بوتين قد يستخدم “عضلات روسيا النفطية”، جنباً إلى جنب مع عضلات السعودية ودول الخليج العربي، لإيذاء خصومه الغربيين.

وترى السعودية وآخرون، أن واشنطن تفقد اهتمامها بالمنطقة، ما يجعل التعاون مع موسكو أكثر فائدة بالنسبة لهم. ومما قاله بوتين في خطاب السياسة الخارجية، تعليقاً على قرار “أوبيك بلاس”: “أعرف ولي العهد (السعودي) شخصياً وبشكل جيد جيداً. إنه يريد تحقيق التوازن في أسواق الطاقة (…). أهم شيء بالنسبة لأسواق الطاقة العالمية هو القدرة على التنبؤ والاستقرار (…)، وولي العهد يسعى لتحقيق ذلك”.

كما تعرضت إسرائيل لضغوط متزايدة من أجل مساعدة أوكرانيا. فالإسرائيليون ينظرون إلى حرب بوتين على أنها ساحة لاختبار القدرات الإيرانية العسكرية في مجال الطائرات المسيَّرة والذخائر التي يمكن أن تنقلب ضد إسرائيل (الدولة التي تعهدت إيران مراراً وتكراراً بتدميرها).

وربما تأمل إيران في أن تُعيد روسيا التفكير في تزويدها بأنظمة دفاع جوي من طراز S-400 وطائرات مقاتلة متطورة، الأمر الذي من شأنه أن يثير قلق السعودية وربما تركيا أيضاً.

إذا نجح بوتين في هزيمة وتفكيك أوكرانيا، فإن إيران، باعتبارها حليف مُبكر وحاسم، قد تتوقع أيضاً جني استثمارات كبيرة في مجال الطاقة وضمان دعم موسكو لها في المحافل الدولية. لكن إذا فشلت روسيا في أوكرانيا (في ظل العقوبات والضعف) فإن قرار إيران بتقييد نفسها ببوتين “سيزيد من إلحاق الضرر بآفاقها الاقتصادية والسياسية. فإذا خسرت روسيا الحرب وبقي بوتين في السلطة فإن الاتحاد الروسي هو عراق التسعينيات: لاعب دولي لا يمكن إصلاحه مع رئيس ارتكب جرائم حرب”، بحسب تاكييه، الذي يضيف: “على الأرجح إيران سوف تستمر بالسعي لإقامة علاقات وثيقة مع موسكو، لأن انتصار أوكرانيا المدعومة من الناتو لن يؤدي إلَّا إلى تعزيز نظرة إيران وروسيا المعادية للغرب”.

……………….

– النص بالإنكليزية على موقع “الواشنطن بوست“:

 https://www.washingtonpost.com/world/2022/10/29/russia-iran-saudi-drones-oil/

(**) رئيسة مكتب صحيفة “الواشنطن بوست” في موسكو.

ــــــــــــــــــــــ

* كاتبة صحافية ومترجمة لبنانية

المصدر: 180 بوست

التعليقات مغلقة.